الثابت ان ذاك الباحث الهولندي يتلاعب بأعصاب الناس محققاً أكبر قدر من المتابعة على تويتر (مليون و400 ألف). أما نحن فنقول: لا يكون إلا ما قدّر الله. المدعو فرانك الذي ظهر فجأة يتوقع يومياً ومن دون تحديد مكان. هذا هراء. هناك يومياً زلازل تحدث في هذا العالم الواسع «من زمان وجاي» لكنه يستمرّ في التنبؤ متكّلاً، في منطوقه، على حركة الكواكب. وهناك من يستمر في منطقتنا بسؤاله: هل تركيا وسوريا ولبنان في عين الخطر؟ يطل من يُطمئن: الحمدلله لم يذكر المناطق العربية وتركيا والتحذير الذي أطلقه يتعلق بأميركا واليابان والفيليبين وأندونيسيا. الناس، عموم الناس، يحاولون طمأنة أنفسهم وغالباً لا ينجحون. في مصر ردّ أحدهم على فرانك: «الى أين نذهب «نسيب» بيوتنا ونعيش على الطرقات وفي الشوارع». وهو، في كل ذلك، يعد المتابعين على تويتر ويحذر: إنتبهوا، هناك 20 ألف متابع لإسمي على تيك توك وليس لي حساب هناك». إنه تحذير آخر منه.
تطمينات تثلج القلب
لا تخافوا. لا يفترض أن نخاف. الجيولوجي اللبناني طوني نمر يقول: لا تأثير لكل ما حدث علينا. الفالقان التركي والسوري ليس لهما علاقة بنا. فلنعش مثلما عاش أجدادنا بسلام فلا يمكن لأحد التنبؤ بما قد يحصل. يضيف: «نحن في شرق المتوسط، نعيش على طول فالق البحر الميت الموثق تاريخياً بحدوث زلازل. كما نعيش في جوار البحر المتوسط الذي يحتوي على تركيبات مسببة للزلازل والتسونامي. علينا قبول الواقع وتثقيف أنفسنا والتأقلم مع محيطنا الجيولوجي للعيش بسلام» ويعود ويغرّد: «يصلني من وقتٍ الى آخر مقتطفات لأحد مدعي الجيولوجيا في لبنان يطمئن فيها الناس الى أن لبنان في منأى عن الزلازل ذات الدرجات العالية. أقل ما يقال بهذا الكلام أنه جهل فظيع لأدنى مقومات علم الزلازل». الوضع التكتوني في لبنان لم يتغير عما كان عليه قبل السادس من شباط. لبنان ما زال كما كان. لكن، نحن من تغيرنا. وأصبحنا نخاف أكثر. ومع كل ذلك نزوات ودجل فرانك هوغربيتس لا تنتهي. لكن، عمّن تكلم طوني نمر؟ هل قصد سمير زعاطيطي الذي يطمئن على الدوام مردداً: لا داعي للهلع؟ يقول زعاطيطي: «نحن على مسافة كبيرة من زلزال تركيا وكل ما يقال عكس ذلك مجرد تخمين وكذب. لا أحد يمكنه التنبؤ بحدوث زلزال. لو كان ذلك ممكناً لما تعايش اهل اليابان مع حدوث الزلازل. ونحن، في لبنان، في منأى عن حدوث الزلازل الكبيرة». كلام زعاطيطي يُثلج القلب لكن، ماذا عما سمعناه من طوني نمر ويناقض كلامه؟ يجيب زعاطيطي: «أنا إبن المدرسة الفرنسية. نمر إبن المدرسة الأميركية. هو «شاطرٌ» في الإجتهاد وسبك القصص من دون أن يكون ملماً بجيولوجية لبنان، لذا كلامه غير علمي. الفرنسيون هم من نزلوا على الأرض ودرسوا، بالعين المجردة، جيولوجية لبنان، وفهموا طبيعتنا بدقة أما من انتموا الى المدرسة الأميركية فيعدون أفلاماً هوليوودية تقول: عندما تنشط الفوالق يحدث هذا وذاك. الحقيقة أن الفالق هو كسر أرضي، فلنشبهه بحبة الفاصولياء التي تتشقق، تتباعد عن بعضها، مشكلة ما يشبه الفالق، هكذا يحصل في باطن الأرض، فتتباعد الصخور عن بعضها، ما يسمح للموجات الزلزالية بالخروج من باطن الأرض، لتخرج من الكسور، وتصبح ممرات لتلك الموجات. رأي طوني نمر مختلف وقد تواجهت معه في موضوع سد بسري. أنا خريج المدرسة الفرنسية التي اشتغلت في لبنان وتشير الى كل ما قلته. هو لا يملك منطقاً في ما يقول. هو يتكلم عن فالق روم فهل يعرف أين هو؟ كثيرون يملكون شهادات لكنهم ليسوا خبراء زلازل. أنا لست خبيراً بالزلازل أيضا لكني استندت إلى المراجع الفرنسية لتعليم طلّابي طوال 25 عاماً ولدي خبرة كبيرة في الآبار والمياه الجوفية وأفهم طبيعة الأرض جيداً وأطروحتي من المدرسة الفرنسية عن المياه الجوفية في لبنان. الفرنسيون لديهم آلاف المراجع عن الجيولوجيا اللبنانية أما الأميركيون فلا يملكون شيئاً ولا يعرفون إلا في البيزنس. لا خبرة لهؤلاء على أرضنا». أصبحنا نفهم الآن أن التضارب في المعلومات سببه الإختلاف بين المدرستين الفرنسية والاميركية. المدرسة الفرنسية تتكل على دراسات أجراها فرنسيون في لبنان بين عامي 1928 و1955، أي طوال 27 عاماً، ركّزت على طبيعة الأرض والفحم الحجري والمعادن والغاز، في حين ان الإنكليز لم يمسكوا بشاكوش ومطرقة ولم يعدوا أي دراسة في فلسطين. وبالتالي، وبحسب زعاطيطي «لا معلومات هناك». الأميركيون والإنكليز يتكلمون «من بعيد لبعيد» ويتكلون على التصوير الجيولوجي عبر الطائرات. مشكلة من ينتسبون الى المدرسة الأميركية أنهم لا يعرفون لا الفرنكوفونية ولا اللغة ولا الدراسات».
الإنذار من البحر
اين المسؤولون من كل ذلك؟ أين المرصد اللبناني للجيوفيزياء من كل ما يقال؟ مارلين البراكس لديها ندوة غداً عبر الإنترنت تتحدث فيها حول «خطأ البحر الميت خطأ نموذجي للإنزلاق، من التكتونية الى الزلازل». يقال أنها قد تزيد معرفتنا بالأخطاء الزلزالية. أما المرصد فجارى المخاوف وراح يرسل معلومات عن الهزات التي لم يكن يُصدر عنها شيئا من قبل. مهمته طبعاً أكبر. واللبناني يبحث عن معلومة تعطيه بعض الثقة. لا يوجد جيولوجيون في المؤسسات في لبنان. وكذلك في مجلس الإنماء والإعمار ووزارة الطاقة والمياه. هناك واحدة هي مهندسة معمارية تشغل «مسؤولية الجيولوجيا». فهل معنى ذلك أن لا جيولوجيين حقيقيين في لبنان ونحن متروكون لأمرنا «ندبر حالنا»؟ يجيب زعاطيطي «لا، هناك جيولوجيون أمثال ناجي كعدي ووفيق حمزه وغيرهم...
التطبيقات التي تنبهنا من حدوث الزلازل باتت على هواتفنا كثيرة. Last Quack بات يوقظنا يومياً ليعلمنا بآخر «صيحات الزلازل»، حتى الزلزال بقوة درجة واحدة على مقياس ريختر. نستيقظ، نقرأ، ونحاول عبثاً ان نغفو مجدداً. فما صحة تلك التطبيقات؟ يجيب زعاطيطي «هي تصلح في شرق آسيا، حيث يؤدي الزلزال الى موجات تسونامي عالية. هناك يضعون أجهزة إنذار في البحر، قريبة من الشواطئ، تنذر قبل عشر دقائق الناس كي يهربوا بعيداً عن الشاطئ. تلك الأجهزة ترصد التغيير في البحر. أما الزلازل التي تحدث على الأرض فلا شيء، لا شيء أبداً، قادر أن يكتشفها قبل حدوثها. إنها مجرد إنذار بعد حدوث الزلزال ولا تشعر بها إلا الحيوانات، بينها الطيور، قبل ثوان فقط. أعطاها الله هذه الميزة أما نحن فلا. لا أحد قادر أن يتنبأ بحركة الطاقة الموجودة تحت الأرض حتى لا القمر ولا الشمس ولا الكواكب المحيطة. هناك مجموعة من ثمانية كواكب صخرية ثقيلة تتأثر بالشمس اولها عطارد وثانيها الزهرة وثالثها الأرض ورابعها المريخ، وهناك كواكب اربعة غازية أخف وزناً. أما الطاقة القمرية التي تتأثر بها الأرض بجاذبيتها فتؤدي الى مدّ البحر وجزره. وهناك الطاقة الدورانية والزلازل لا تتأثر بكلها. إنها تنتج عن إنصهار في باطن الأرض وتؤدي الى موجات زلزالية داخل الصخور، تخرج منها الى سطح الأرض وتجعلها تهز نتيجة العصف الزلزالي. الزلازل انواع بينها السريعة التي تنتهي فور خروجها. وهناك زلازل تؤدي الى اهتزاز. وهناك الزلزال البطيء. الزلزال الذي يضرب يرسل موجات في باطن الأرض الى المناطق البعيدة المحيطة. وهذا ما حصل عندنا بسبب الزلزال التركي الكبير. أحيانا لا تحدث تلك الموجات ولا تخرج من الكسور، مثلها مثل طابة كرة الطاولة، فتمر من دون حدوث اهتزاز، لكن، في أحيان أخرى تكون كما الكرة التي تضرب بحائط فتحدث موجات زلزالية تعيدها الى مكانها». ماذا عن الحفرة العميقة التي اكتشفها مزارعون في منطقة جبلية بين بلدتي ريحا وبشوات في قضاء بعلبك؟ هل نتجت عن الزلزال التركي الأخير؟ يقول زعاطيطي بصيغة السؤال: لا اعرف لماذا ربطوا تلك الحفرة بالزلزال. الزلازل لا تمشي في السهل فليبحثوا عن وجود مياه تحتها أو وجود خلد أدى الى هبوطها تاركاً فراغاً تحتها. أرسلوا بعثة لتتقصى ما حصل، مثلهم مثل من قالوا أن بيوتاً أصبحت غير صالحة للسكن بسبب الزلزال في حين أنها لم تكن صالحة قبله».
هكذا نحن، نعرف شيئاً وتغيب عنا أشياء. هذا، من حيث المنطقي، طبيعي، غير أننا في بقعة جغرافية يتناتش فيها العارفون المعلومات، فتتعدد وتتضارب، ما يوقعنا في الذعر غالباً. فلننس أمر الزلازل ولنعش كما عاش أجدادنا بسلام. فلا أحد يعرف - أو سيعرف - حتى مستر فرانك و»سيدة التوقعات» ليلى عبد اللطيف ولا ميشال حايك، نجم الشاشة الأول، ما قد يحل بنا. فلنقل: فلتكن مشيئتك والبقية تفاصيل.
