من المؤكد اليوم أنّ المعركة الرئاسيّة انتقلت إلى مرحلة جديدة عنوانها سيكون: «الثالث». في المرحلة الأولى كان الصراع بين الورقة البيضاء ودعم مرشّح لا لون له بهدف متابعة الانقلاب على النّظام بالنّظام. في المرحلة الثانية انتقلت المسألة إلى توحيد الورقة البيضاء وطرح إمكانيّة تبني سليمان فرنجية بعد تأطير صراع أهل البيت الواحد بين فرنجية وجبران باسيل. وفي الفريق المقابل تثبّت ترشيح ميشال معوّض فيما لم ينجح هذا الفريق بإقناع النوّاب الجدد بالسير بمشروعه السيادي- الانقاذي حتّى الساعة.
أمّا اليوم وبعد الوصول إلى هذا الانسداد في الأفق السياسي داخليّاً وخارجيّاً فيبدو أنّ كلا الفريقين سينتقل إلى «الثالث»، أي الخروج باسم ثالث يكون هو المرشّح الحقيقي الذي سيفتح أبواب قصر بعبدا. من هنا، بات فرنجية بحكم المحتَرِق سياسيّاً، ومن أهل بيته بالتحديد، بعدما بات اسمه من المحرّمات دوليّاً لأنّه يحمل المشروع السوري – الإيراني بكلّ وضوح، وداخليّاً لأنّ الصراع بينه وبين رئيس «التيار» لم يصل إلى تسوية أهل البيت.
لكن على ما يبدو أنّ توجيه «منظّمة حزب الله» في قلب بيتها السياسي يكمن بإقناع باسيل بأن يكون رئيس الظلّ للمرة الثانية على التّوالي، على أن يكون فرنجية الواصل بأمان أصوات مسيحيي الممانعة إلى قصر بعبدا. وذلك لأنّ «الحزب» يدرك الطبيعة الماركنتيليّة – النفعيّة التي تحكم قاعدة عمل باسيل السياسي. لذلك، هو يعمل على إغرائه بالمكتسبات والمراكز التي من الممكن أن يسيطر عليها في حال قبل بدعم فرنجيّة.
ولعلّ هذا سبب جوهريّ لعدم قبول باسيل وفريقه بالسير في اتّفاق معراب في المرحلة السابقة، لعلمه المسبَق أنّ رئيس «القوّات» سمير جعجع لن يقبل بالدخول معه في عمليّة محاصصتيّة. ولضرب هذه الحقيقة نشّط ماكيناته الإعلاميّة المعروفة بأبواقها الصدّاحة، بالتعاون مع ماكينات «الممانعجيّين» لضرب جوهر هذا الاتّفاق الذي قام على ورقة بنود واضحة هدفها الجوهري طيّ صفحة سيّئة في التاريخ الوجودي للمسيحيّين، بتفعيل بروباغندا تشويهيّة لتنقية الضمير المسيحي وتحويله إلى المصالح فقط بهدف الاستمرار بنجاحه في الشقاق المسيحي تمهيداً لاستمرار سيطرته اللبنانيّة التي تنطلق من نجاح الشقاق المسيحي – المسيحي أوّلاً. ويُشهَدُ لهذا الفريق نجاحه بهذه المهمّة، لضعف نفوس بعض المسيحيين وخروجهم من المسار التاريخي تحت ذريعة توحيد المسار والمصير.
ولكن على ما يبدو حتّى الساعة عدم رضوخ باسيل لأساليب الترغيب هذه؛ لعلمه المسبَق بأنّ فرنجيّة إن وصل سيكون مُحاطاً من الرئيس نبيه برّي ومن «منظمة حزب الله»، بالإضافة الى إحاطة جنبلاطيّة لأنّ البيك لا يعادي الأستاذ ويهادن المنظمة التي تضبط إيقاع المنظومة. وهذا ما يحتّم الذهاب إلى الثالث. ولن يكون على قاعدة الخيارات التي طُرِحَت في المرحلة الأولى.
من هنا، سيُظَهِّرُ هذا الفريق مرشّحه. ولكنّ ذلك مرتبط بتسارع الأحداث إقليميّاً، على عكس ما حاول إيحاءه أمين عام «منظمة حزب الله» في كلمته الأخيرة. وهذا ما يثبت ارتباطَه بمحوره الإقليمي، وعمله الدّؤوب منذ أكثر من أربعة عقود لتنفيذ الأجندة الإيديولوجيّة لهذا المحور. صحيح أنّه أصرّ في كلمته على جدّيّته في إيصال رئيس وإعادة تشكيل السلطة لاستقامة الأمور لكن عمليّاً هو مَن يعمَل على عدم إيصال الرّئيس عبر اجتهاداته في تفسير الدّستور في ما يتعلّق بمسألة النّصاب. بينما الدّستور واضح والمادّة 49 لا تُقرأ مِزاجيّاً.
أمّا بالنسبة إلى ما قاله سماحته حول دستوريّة التعطيل، فليسمَح لنا؛ تثبيت الأعراف الدّستوريّة الخاطئة على أنّها حقوق هذه مسألة لم تعد تنطلي على أحد.
التعطيل الذي اتّخذته هذه المنظمة نهجاً في ممارساتها السياسيّة فحوّلت بموجبه الديمقراطيّة التوافقيّة إلى ديمقراطيّة تعطيليّة مرفوض.
وسيقابَل حتماً بتعطيل على قاعدة «داوني بالتي كانت هي الداء». ومحاولة تبريره الحرام الدستوري بأنّه تحوّل إلى حلال وواجب عند الفريق الآخر هي محاولة ستسقطها التجربة إن أقدم فريقه على جلسة الانتخاب لأنّ التعطيل عندها لن يكون للتعطيل فقط من دون أهداف بل سيكون لعدم إيصال المشروع الإيراني الممانع الذي يتّهم غيره بالعمالة لعوكر، ويهدي عوكر وتل أبيب في البحر بالتفاوض المزعوم ما لم تستطيعا أخذه بالقوّة.
يبقى أنّ الفريق السيادي على ما بدا واضحاً حتّى الساعة لن يرضخ لابتزاز الوقت الذي يمارسه محور إيران. ولن يذهب إلى أيّ تنازلات كتلك التي قدّمها في 2005 بعدم استكمال تنفيذ الـ1559 أو في الـ2008 بتسوية الدّوحة.
وليدرك اللبنانيّون كلّهم أنّ المرحلة القادمة اتّضحت معالمها. وسيقودها مرشّح ثالث مشروعه محاربة الغباء والاستغباء والاستجداء السياسي. ومكافحة الغلاء الاقتصادي. والتلقيح ضدّ الوباء التعاملي والاستزلامي. ونبذ قلّة الحياء الكِياني. والوفاء ثمّ الوفاء لدماء الذين سقطوا ليبقى لبنان.
