نوال نصر

بعد موسى وعلي وحسين وإيلي وناجي والحبل الجرار

تمنّى "نهاراً مباركاً" وأطلق رصاصة الرحمة... بيار صقر منتحراً

10 آذار 2023

02 : 01

في الجرد
«"لا يا بيار، ما تقهر يلّي بيحبوك، إنت إنسان مؤمن وكل الشدائد بتزول بقوّة الله. يا ربي. ما تتركيه يا عدرا. عدّ للعشرة يا بيار. و... و...»". كلام كثير. قلق كثير. بيار لا يجيب. مات بيار. إنتحر. يا ربّ دخلك. كيف حدث ذلك؟ بيار صقر انضمّ الى لائحة شباب ما عادوا يطيقون هذه الحياة المذلة. يا الله. هو انتحار "«أونلاين"» شهد عليه ملايين البشر على الأرض. فهل يهزّ من هم بلا إحساس؟

هو ظهر يوم الخميس. هو يومٌ آذاري مشمس. وهو وحيد مع كل الوجع. لم ينتبه كثيرون الى معاناة شاب - رجل (62 عاماً) مات قبل الموت مرات. كتب رسالة وضعها «بوست» على الفيسبوك وانتحر. كتب: «بعد كم يوم بيكون صرلي تلات سنين مسكر شغلي وقاعد بالبيت ناطر الفرج. وخلال شهرين بدي سلّم معملي. ما معي جدّد الإيجار ورح كبّ 32 سنة تعب هيك... مضطر أسس حالي من جديد كأنو بعدو عمري 26 سنة وأنا عمري 62... صرلي شهرين عمحسّ بحزن كبير... وما لقيت ولا إشارة أمل... إعتبروني ضحية الإنهيار... إفهموني....». وانتهى كل الكلام. لم يسمع هو من نادوه: بيار بيار، حبيب القلب، ما تعملها... بلاها يا بيار دخيل إجريك... صلّب إيدك ع وجك شدّة وبتزول. هم كانوا يكذبون عليه لتمرّ الغمامة السوداء من أمام عينيه لكنه لم يعد يصدق أن للغمامة القاتمة نهاية.



عاشق لبنان

ليس بيار أوّل المنتحرين ولن يكون، على الأرجح، آخرهم. لكن، أن ينتحر كل يومين أو ثلاثة شاب جديد، ما عاد قادراً على الإحتمال، فهذا أكبر من قدرة اللبنانيين، عموم اللبنانيين، على الإنتحار. أما من تسمى بالدولة فلا محل لها من الإعراب. لا تسمع وإن سمعت لا تهتم. وجع ما بعده وجع. هو القهر الكبير الكبير الذي لا يميّز لا بين مسيحي ولا شيعي ولا سني ولا درزي ولا وثني. قبل بيار، الجميل بهدوئه، بعدسته التي تلتقط تفاصيل التفاصيل، بعشقه للبنان الذي ذيّل صورة بروفايله بعبارة له: بحبك يا لبنان، بعشقه للطبيعة والنهر والعصافير، انتحر علي ابراهيم، إبن بلدة الوردانية الشوفية، وقبل الشاب علي إنتحر ابن الجنوب موسى الشامي، وقبل موسى انتحر إبن الزراريه حسين مروّه، وقبل حسين انتحر إيلي لحود... نبكي أم نغضب؟ الغضب لم يعد يكفي والبكاء لم يعد يجدي. هؤلاء جميعاً ناضلوا من أجل البقاء على قيد الحياة لا من أجل الإنتحار ولكن، بلغنا القعر، قعر القعر، حيث أصبح الإنتحار وحده الخلاص.

في علمِ النفس يُقال إن للقلق أعراضاً. الهلع الشديد عارض. عدم القدرة على التحكم بالوساوس الفكرية عارض. تصبّب العرق عارض. ضربات القلب السريعة عارض... الشعور، يا عالم، بعدم الأمان أمر غير بسيط. ليس سهلاً على إنسانٍ أن ينام ويستيقظ وهو يحسبُ الدولار، ويقسمه على اللبناني، ويحسب ربطات الخبز التي قد يحتاج إليها أسبوعياً، والمال الضائع والوقت الضائع والعمر الضائع... بيار شعر بكل ذلك، مثله مثل علي وإيلي وحسين وموسى، وكما فعل العشرات ممن سمعنا عنهم، منذ دخلنا في الزمن الأسود وحتى بلوغنا جهنم الحمراء. لكننا، للاسف ننسى. اعتدنا أن ننسى لنعيش وهذا أسوأ ما فينا تجاه ما نحياه. نسينا ناجي الفليطي، ابن عرسال، الذي انتحر بسبب دين عليه، شنق نفسه لأنه عاجز عن إعطاء ابنته ألف ليرة. جورج زريق قرر أيضاً أن ينهي حياته فأضرم النار في جسده... فهل سمعت «دولتنا القبيحة» بكل هؤلاء؟ هل سمعت بأنين أم وأب وزوجة وابن وابنة وصلهم خبر إنتحار من خالوه قوياً صلباً؟

اليوم، سنسمع مجدداً إختصاصيي الطب النفسي يتحدثون عن الأسباب. سنسمع محطات التلفزة تتكلم مع إختصاصيي»إيمبريس» عن الإكتئاب الشديد الذي يؤدي الى الإنتحار. وسنسمع إجابات كثيرة. نحن بدورنا سألنا وأتتنا أجوبة أصبحنا نعرفها، عن ظهر قلب، فيها إشارات الى حياة سوداء قاتمة في بلادنا. فهل هناك مسؤول توقف عندها؟ لم نسمع ونشك أن يفعل.

بيار صقر كان من أفضل مصوري الطبيعة في لبنان. وقانون الطبيعة، كما تعلمون، هو الغريزة التي تجعلنا نشعر بالعدالة. بيار كان عادلاً جداً ومنسجماً مع الطبيعة وكان يزرع الفرح في أصدقائه. كان يرفض أن يرى دمعة ساخنة على وجنة رفيق ورفيقة. كان يحب رياضة الهايكنغ وكان وكان... وكان فعلاً ماضياً... وآخر ما التقطت عدسته كان دير مارضومط في بشعله. هو كان مناضلاً فهل يضعف مناضل؟ سؤالٌ لاح في أذهان الكثيرين. هل يعقل أن يكتب إنسان ينوي الإنتحار رسالة طويلة قبل أن يقدم على ما فعل؟ أليس الإنتحار «لحظة تخلٍّ»؟ موسى الشامي بدوره ترك رسالة صوتية لأحد أصدقائه للإعتناء بأطفاله... ثمة وقت، وقت قد يكفي، ليعيد المنتحر التفكير في ما قد يرتكب. فلماذا نفذ موسى ونفذ بيار بعد تسجيل وكتابة رسالة مطولة؟

بيار صقر وعشق لبنان



فكّر ...وانتحر

جمعية «إيمبريس» أحصت وجود 138 حالة إنتحار عام 2022. لكن كثيراً من العائلات لا تبلغ عن حالات الإنتحار، خوفاَ من الوصمة الإجتماعية. والسؤال: هل يتكلم من يريد أن ينتحر؟ هل يُعبّر؟ ألا يُقال إن من ينتحر عملياً لا يقول سأنتحر؟ الجواب «هناك أناس آلامهم لا تحتمل لكن إيمانهم يمنعهم من الإقدام على خطوة الإنتحار لهذا يتصلون خوفاً من أن يقعوا فريسة القلق ويترجموه، في لحظة تخلٍّ، الى انتحار. وهناك أشخاص تراودهم الأفكار الإنتحارية وينفذون. ظناً منهم أنه الطريقة الوحيدة لإنهاء الألم وللتخلص من الشعور باليأس وبانعدام القيمة».

بيار فكّر ربما باقتراف فعل الإنتحار، وكتب الرسالة، وخاف أن ينشرها. خاف أن ينفذ ما يعتبره - هو نفسه - إثماً. إيمانه منعه مرات ومرات من ذلك، لكن حين أظلمت بوجهه نهائياً نشر الرسالة وأقدم. هو سيناريو. هو أحد السيناريوات التي تداول فيها من شهدوا على الإنتحار الأونلاين، لكن، في النهاية، لا أحد يعرف الحقيقة ومدى المتاهة التي يعيشها المنتحر إلا... هو.

غريب هو الشعور العارم الذي يتمدد بين البشر الذين يرون الضعف في آخرين، في آخر، في شخص يفكر بالإنتحار أو انتحر. بيار نشر رسالته قرابة الساعة الثانية ظهراً واستهلها: نهاركم سعيد... هي من 715 كلمة وكتابتها لا تكون «كوني فكانت». هو ختمها بعبارة: «وحياة الله عم بكتب هالأسطر وعم بشهق بالبكي». أتتصورون كمّ الدموع التي انهمرت من عينيه؟ رفاقه ومعارفه واصدقاء الفيسبوك الوهميون كلهم أصبحوا واحداً. كلهم نادوه وأحدهم واسمه طوني كتب له: يا ريت بتكون خيي الكبير يا ريت... أنا ما عندي إخوي وبحاجة لخيّ وإذا بتسمح كون أنا خيّك أنا مستعدّ بإمكانياتي الكاملة». اللبنانيون لهم قلب، لهم قلوب ومشاعر، وكلهم كتبوا ما يدمي.

رحل بيار صقر، الآدمي بيار، وأصبح الفيسبوك في لحظات أسود حزيناً. ولكن، نعود لنجدد السؤال: لماذا انتحر بيار؟ هو قبل يومين، قبل 48 ساعة، وعد: سأقوم قريباً بجولة نهارية على كل الأديرة والكنائس القديمة: مارضومط ومارريشا ومار اسطفان وماريعقوب وسيدة البلاطة. لم يصدق بوعده هذه المرة. شيء ما منعه. هو القهر القهر؟ هو سرّ الإنتحار.




الرسالة الأخيرة



الرسالة الأخيرة

نهاركم مبارك ،

بعد كم يوم بكون صرلي ثلاث سنين مسكر شغلي بسبب الازمة وقاعد بالبيت ناطر الوقت والفرج،

خلال شهرين بدي سلّم المعمل وبالطبع ما معي جدِد إيجار وعندي مشاكلي الصحية،

صرلي فترة كل ما اتصور حالي عم بِخلي معملي وكب هالـ 32 سنة تعب هيك ، يروحوا ضيعان اغضب واخوَت ، خصوصاً انو مضطر ارجع اسس حالي عن جديد كأنو بعدني متخرج من الجامعة وعمري 26 سنة وانا عمري 62 !!! يعني بعد سنتين لازم روح عالتقاعد وبالدول يللي بتحترم حالها «معزز ومكرّم « بينما امكاناتي المادية هلأ «عالأرض» ، لا رصيد مالي لدي!

انا عطول شخص إيجابي ومرح انما الأفق تسكر امامي تقريباً.

انا ربيت بعيلة مسيحية مؤمنة على يد والد آدمي محب صلب ومكافح، رباني على محبة لبنان، كتير وزيادة، على الكرم ومساعدة الغير والاستقتال لمساعدة الفقير.

انا ما بقى فيني عيش بدون قدرة على انشاء عيلة ، اهتم بأخواتي المحبين بوالدي يللي بفتخر جداً فيه!

معنوياتي ما بتسمحلي استمر هيك والاوضاع باتجاه الانهيار اكتر.

ما فيي عيش بدون ما تابع خدمة القضية، يللي اعطيتها 40 سنة من عمري من وقت معركة زحلة بلشت شوف حالي مكافح تقاعد قبل وقتو بعد شوي يمكن ما رح يكون معو ياكل!

الأفق شبه مسكّر

صرلي شهرين عم بحس بحزن كبير وعم بزيد.

وصرت صلي قبل ما نام لقديسي شربل يفتحها بوجي واذا لأ لـ ألله ياخدني،

اطلع على عنايا كل اسبوع ما لقيت ولا اشارة امل،

القلق كبر اكتر والحزن صار اقوى مني،

والله ما عم بيبعت ورايي

منشان هيك قررت اليوم انا روح لعندو

ما بقى فيي كمّل

جبت معي بارودتي

(يللي هي امانة من القضية عندي )

قررت انهي حياتي

كنت حابب موت شهيد كرمال قضية لبنان

متل كتير من رفاقي

كرمال كرامتنا وحريتنا كمسيحيين

لأنو من زمن مار يوحنا مارون نحنا الوحيدين بهالشرق قرارنا حرّ وعنفواننا قد جبال الارز

. . . بس شو بدي اعمل،

اعتبروني شهيد او بالضبط ضحية الانهيار

يللي ورا كتلة الشر المعممة بالاسود يللي مخباية

تحت الارض بالضاحية

انا ضحيتو وضحية توابعو الفاسدين عِمَدا الحرامية يللي تواطؤا معو مقابل المال والسلطة المسيحيين منهم قبل المسلمين

ما بدي سمّيهم تا ما لوث اخر صفحة بكتبها بأساميهم،

انشالله مار مخايل يظهر عليهم وبسيفو يدبحهم.

بطلب من اهلي واخواتي وعائلاتهم المحبة والسماح

. . . يتفهموني

وبعتذر من شباب القوات اللبنانية والسياديين الشرفا،

( مش من البعض منهم الانانيين المزوّرين ) اني مار رح كون موجود وقت ينادي الواجب

بوصي بـ 5 شغلات :

1- انو ينلّف نعشي وبالتسلسل :

بعلم لبنان

بعلم القوات اللبنانية، المؤسسة يللي عطيتها من عمري اربعين سنة في سبيل لبنان، مؤسسة بشير يللي حافظ عليها سمير فريد جعجع برموش العين ولعشرات السنين وما تعب وبعدو عم بواجه،

بعلم الكتائب اللبنانية يللي جذوري نمِت بتربتها،

في البدايات ، روح الكتائب يللي انا بعرفها وبحبها،

كتائب رينه صقر وسليم عاصي وفوزي خزاقة وجورج سعادة وديب نجيم وميشال البش،

كتائب يوسف الضاهر، انطوان نجم، جود البايع، الوزير جورج سعادة وسمير جعجع،

كتائب بشير الجميل والشهيد الحبيب بيار بالروحية والنضافة.

2- بالتأبين تبعي، قدام كل الناس القاء نبذة عن نضالي زمن الحرب والمسؤوليات يللي تسلمتها متل اي شهيد لأني بشوف حالي فيها خصوصاً نشاطي ورا الخطوط، مع العلم انو كنت انا عطول محتفظ فيهم لـ ألي وما بحب احكي شي،

بس هلأ رايح موت وما بقا في لزوم للتحفظ بالعكس .

3- اذا امكن وضع لوحة تذكارية على نيتي جانب الكنيسة بموقع البطولة «الغرفة الفرنسية»صنين وقت يللي بتلاقوا مناسب

4- اقامة قداس على نيتي عشية او يوم عيد الرب بـ 6 آب بكنيسة الرب بجرد تنورين هالجرود يللي بدمّي هي وجرد العاقورة وجرد صنين يللي رح اترك روحي فيهم.

5 - لـ اخواتي تيضللوا متل ما ربانا الوالد يلتفو ع بعضهم متل ما هني هلأ ويضللوا لبعض عطول ينتبهوا لاولادهم يللي بحبهم كتير ويفرحوا منهم.

. . . اخيرا بفتخر بأمرين

انو والدي رينيه امين صقر،

انو تعرفت عن كثب على حقيقة سمير فريد جعجع على خلاف كتير ناس مضللين ، الانسان المؤمن الصلب المؤتمن وخصوصا المتواضع الآتي من عيلة متواضعة مؤمنة، يعني متلنا متلو، منشان هيك حطيت ثقتي فيه وتابعت التزامي بالقضية معو

... مع محبتي

ملاحظة : مفتاح الـ jeep على المذبح