حسان الزين

قدر كمال جنبلاط قدرنا

18 آذار 2023

02 : 00

كأنّ كمال جنبلاط خُلِقَ ليكون ناسكاً أو أديباً أو فيلسوفاً وليس زعيماً

وضع القدر كمال جنبلاط في تناقض رهيب بين الإنسان- المثقف والسياسي. وأوصله ذاك التناقض مراراً إلى مواقف تراجيدية، آخرها مصيره الذي اكتملت فيه عناصر التراجيديا (أُغتيل في 16 آذار 1977).

كأنّ كمال جنبلاط خُلِقَ ليكون ناسكاً، شاعراً، أديباً، فيلسوفاً، وليس زعيماً أو حتّى ناشطاً سياسيّاً. لكنّ القدر آسرٌ وموجعٌ. وكمال جنبلاط، الإنسان المرهف، أدرك ثقلَ ذلك وتعذّب. روحه أسيرة في جسده. نفسه مقيّدة في دنياه. اسمه مكبّل في قصر عائلته، "عمود السماء" بالنسبة إلى فئة وازنة من "جماعته". وثقافته وفكره وأدبه في السجن.

وكمال جنبلاط عاش هذا القدر وواجهه. كان، وهو الذات التي تنشد الوحدة، أشخاصاً عدّة. كان، وهو الكائن الذي يتوق إلى التعالي، ملزَماً أن "ينزل" إلى السياسة واستحقاقات الزعامة ومتطلّبات الجماعة. وكان يحسب ذلك قعراً.

يا له من تناقض لا يُحتمَل.

وإذ حاول إيجاد حلٍّ لذاك التناقض، لكي "يتعايش" كمال جنبلاط الإنسان- المثقف- الأديب- الناسك، وكمال جنبلاط الزعيم والسياسي، اصطدم بالواقع الذي يأبى ذلك. ودخل في متاهة الألم المهول.

واصل المحاولة، لكنه توصّل إلى أن "النظام الطائفي" لاإنساني، ويضاعف التناقضات في داخل الإنسان وخارجه وما بينهما. فمأساته، وهي مأساة كل لبناني ولبنانية، في اعتقاده، ناتجة من التناقض المتأجّج دائماً، بين الإنسان والإنسانية من جهة، والواقع والسياسة من جهة أخرى، بين حريّة الكائن وقيمته من جهة واحتسابه من دون إرادته ضمن جماعة وموروثات ذلك واعماقه من جهة أخرى.

أنشد حلّاً، أنشد "نظاماً"

إنسانياً ديمقراطياً.

أنشد ذلك من توقه إلى تعايش الإنسان والسياسي في شخصه، وفي كل إنسان، وفي واقع لبنان. لكنّ الأمور ليست بالبساطة التي توحي بها العقائد وتوهم بها القوّة. تعقيدات الواقع جعلت السياسة تغلب الإنسان.

وإذ غلبت السياسة الإنسانَ هانت الحرب بالنسبة إلى الأقوياء ومن يريدون أن يكونوا أقوياء.

ولم تغلب السياسة في البلد المستباح الممزق فحسب، بل وصلت الحرب إلى لحظة لا بد فيها من "التخلّص" من كمال جنبلاط. لم يُقتل كمال جنبلاط السياسي فحسب، ولم يُقتل كمال جنبلاط الإنسان- المثقف فحسب، إنّما أراد القاتل قتل احتمال أن يتحول تعايش السياسي والإنسان- المثقف، سواء أكان في كمال جنبلاط أم في المواطن والمواطِنة في لبنان، أم في لبنان ونظامه ودولته، إلى حقيقة.

وإذا ما كانت السياسة التي انتصرت على الإنسان هي ما جعل "جماعة" جنبلاط، في ظروف الحرب ومناخات الإقليم والعالم، تعلّق بُعدَ الإنسان- المثقف في كمال جنبلاط وتحوّله إلى أيقونة على جدار، فإن كل لبناني ولبنانية (بمعزل عمّا إذا كانا مؤيّدين لجنبلاط أم لا)، معنيٌّ ومعنيّةٌ بلحظة القتل تلك ومعناها. وهي لحظة قتل لإرادة إزالة التناقض بين الإنسان- المثقف والسياسي، بين المواطن والنظام.


MISS 3