جنى جبّور

بالشراكة مع "مؤسسة انتصار"

العلاج بالدراما... ماجيستير فريدة من نوعها في Usek

18 آذار 2023

02 : 10

من أجواء التكريم
منذ نحو سنتين، استحدثت جامعة "الروح القدس- الكسليك"، اختصاصاً جديداً هو الأول من نوعه في الشرق الأوسط بالتعاون مع جامعة Sorbonne Paris-Cite، ضمن رؤيتها الثورية لمتطلبات سوق العمل مستقبلاً، مطلقةً ماجيستير "العلاج بالدراما" ايماناً منها بدور الفن والثقافة في مساعدة المجتمعات على تخطي أزماتها وتحسين حالة شعوبها النفسية. وفي اطار عملها الدؤوب ومهمتها في نشر السلام في العالم، اختارت صاحبة السموّ الشيخة انتصار الصبّاح رائدة الأعمال الاجتماعية الكويتية، دعم هذا الاختصاص مؤمنةً قسماً من النفقات المادية التعليمية سنوياً للطالبات من خلال "مؤسسة انتصار" التي تسعى من خلالها إلى نشر ثقافة السلام وتنمية قدرات مليون سيدة وفتاة عربية عانين من الأزمات والحروب والعنف في بلدانهن، بهدف تعزيز التمكين الذاتي لكل امرأة، ومساهمتها لاحقاً في جهود بناء السلام وحفظه من القاعدة إلى القمة.

أولاً، لنبدأ بالتعريف عن "العلاج بالدارما"؛ هو العلاج الذي يجمع بين الدراما كنوع من أنواع الفنون وعلم النفس، لمساعدة الشخص على تفريغ مشاعره وانفعالاته من خلال اللعب والترفيه وأداء أدوار تمثيلية لها علاقة بالمواقف أو الصدمات أو الأزمات التي يعايشها حاضراً أو في الماضي أو من الممكن أن يختبرها في المستقبل. وهنا كان لا بدّ من سؤال الشيخة انتصار عن سبب اختيارها دعم هذا النوع من العلاج تحديداً امام كل العلاجات الاخرى المتوافرة؟ تجيبنا قائلةً: "تدور مبادراتي حول السلام لتمكين المرأة ذاتياً لتصبح سفيرة سلام في مجتمعها وداخل عائلتها ومن ثمّ في بلادها. للأسف، يوجد نوع من وصمة العار في العالم العربي بما يتعلق بالعلاج النفسي، ولا سيما بالنسبة للسيدة أسيرة الحرب أو العنف، التي يمنعها غالباً مجتمعها او من حولها من البحث عن التنفيس النفسي. استوقفني هذا الموضوع، وكان لا بدّ من القاء الضوء على العلاج النفسي بالدراما لأكثر من سبب؛ الأول لانه يختلف عن العلاج التقليدي الذي يركز على معالجة الأفراد فحسب، بينما يعزز العلاج بالدراما العقل والجسد والاحساس على حد سواء ما يفيد السلوك المجتمعي ككل. الثاني، يحد هذا النوع من منع المرأة من نيل العلاج النفسي، اذ يمكنها القول إنها متوجهة للمشاركة في فعالية ثقافية. أخيراً، يطلق العلاج النفسي بالمسرح العنان لصوت المرأة ويجعلها مرئية ومسموعة".

مقاومة ثقافية شرسة


لا تقتصر مشاكل سيدات لبنان على العنف وصدمات ما بعد الحرب التي يمكن أن يرثنها من أهلهم فحسب، فهن يعانين من اكثر من مشكلة بسبب اوضاعنا الراهنة، الا أنّه وعلى الرغم من ذلك لا يكف الفنانون والفنانات عن تنظيم فعاليات ثقافية على مختلف الاراضي اللبنانية، وهذا برأي الشيخة انتصار "أكثر من مقاومة، فالشعب اللبناني يعلم بالفطرة اهمية الثقافة في حياة الانسان". وتقول: "لبنان بلد رائد في استخدام الثقافة بين كل الدول العربية والأكثر تقبلاً للفن. أمّا الشعب اللبناني الجبّار فتراه رغم كل الأزمات يقاوم من خلال الفرح ويعلم جيداً كيف يستمتع إن كان من خلال المسرح أو الغناء أو الرقص. وصدقاً لو أنّ مشاكل اللبنانيين عانى منها شعب آخر لكان انتهى. باختصار، الهواء اللبناني مختلف، فمثلاً من خلال عملنا مع اللاجئات السوريات في مختلف البلدان، لاحظنا أنّ الموجودات في لبنان أكثر محبةً للحياة واكثر انفتاحاً على الفن مقارنةً بالمناطق الاخرى رغم وضعهن الصعب في المخيمات. فهنا تتمسك اللاجئة بأي فرصة للابتسام، بينما تبحث في البلدان الاخرى عن سبب للعبوس"، وتتابع: "أمّا المرأة اللبنانية فتدرك بطبيعتها البشرية كيفية التغلب على مشاكلها من خلال الثقافة، فتراها تتجه الى الفنون كنوع من العلاج النفسي البديهي"، مضيفةً: "صحيح أنّ في لبنان مشاكل كثيرة، وكل النساء مرحب بهن في برامج "مؤسسة انتصار"، فنحن عملنا مثلاً مع Stand For Women بعد انفجار المرفأ وقدمنا للسيدات العلاج بالدراما ولا سيما اللواتي دمر التفجير اعمالهن ونفسياتهن على حد سواء، ولمسنا بعدها تغيراً ملحوظاً في سلوكهن. فقد أثبت المسرح مراراً وتكراراً في العالم أجمع أنه أداة شرسة وفريدة للتغيير المجتمعي وتفكيك الصدمات، وأنّ بامكانه تغيير الشعوب، خالقاً مفاهيم حديثة وفاتحاً آفاق تفكير ثوري".





USEK تنفرد بالعلاج بالدراما

بالعودة الى مذكرة التفاهم التي تم توقيعها بين "الروح القدس- الكسليك" و"مؤسسة انتصار" في العام 2020، والتي بموجبها تلتزم المؤسسة بدعم 65 في المئة من نفقات الطالبات، تتحدث الشيخة انتصار عن سبب اختيارها هذه الجامعة موضحةً أنّها رائدة في الفنون وسبّاقة في التفكير بالاحتياجات المستقبلية، وتقول: "نحن نشكر "الكسليك" على مبادرتها، فبينما كنّا نبحث عن جامعات مهتمة في العلاج النفسي بالدراما، جلنا كل دول العالم العربي بلا نتيجة، الى أن اكتشفنا بالصدفة ان الـUSEK في صدد تطوير برنامج في هذا الاطار، فوقعنا مذكرة التفاهم سريعاً"، داعيةً الطالبات الى التسجّل في هذا الاختصاص، فبحسبها "هذه الشهادة ستفتح لهن آفاق عمل جديدة مستقبلاً، وسيتمكنّ من العمل في الشركات مثلاً من خلال تدريب الموظفين لأنّ للمسرح قدرة على التغيير وتعزيز الثقة في النفس وطلاقة الكلام والظهور بعيداً عن الارتباك والخوف من المواجهة".

وكانت جامعة "الروح القدس- الكسليك"، قد كرّمت الشيخة إنتصار الصبـّاح، الأربعاء الفائت في 15 الجاري، تقديراً لشراكتها مع الجامعة ولدعمها المستمرّ للطالبات، مطلقةً على قاعة HS304 المجهزة لتدريس الاختصاص إسم: "الفضاء التجريبيّ لمؤسسة إنتصار" Intisar Foundation Experimental Space.



الشيخة انتصار الصبّاح مع رئيس الجامعة الأب طلال هاشم



وفي هذا الصدد، تخبرنا رئيسة قسم الفنون المسرحية والأدائية في الجامعة الدكتورة لينا جبران أكثر عن طلاب هذا الاختصاص وأهميته، قائلةً: "خرّجنا هذه السنة الدفعة الأولى من طلاب "العلاج بالدراما" (6 نساء ورجلان)، الذين دخلوا مجال العمل على الأرض. قسم منهم يساعد اليتامى وقسم آخر يعنى بالمخيمات الفلسطينية واللاجئين السوريين، كما يهتم بعضهم بالأطباء والممرضات الذين ما زالوا يعانون من اضطراب ما بعد صدمة "4 آب". ومن خلال ورشة عمل نظمت في الجامعة، ساعدنا ايضاً طلابنا وأساتذتنا على تحفيز شعورهم بالراحة. فهذا النوع من العلاج لا يشترط أن يكون الفرد قد وصل الى المرحلة المرضية بل يمكن ان يساعد من يعاني من أزمة بسيطة من خلال النظر الى مشكلته من الخارج ما يسهم في التخلص منها".

وعن المدّة الزمنية التي يحتاجها المريض بعد خضوعه للعلاج بالدارما توضح "بين 15 الى 20 اسبوعاً، بحسب البروتوكول الدولي الذي نعمل وفقه. مع الاشارة الى ان بعض المؤسسات غير الحكومية تقدم احياناً 4 الى 5 جلسات مع اشخاص غير متخصصين، وهذا امر خطير لان هذا العدد القليل من الجلسات يريح الخاضع لها آنياً، فنتحدث عندها عن جلسات ترفيهية غير علاجية".



الشيخة انتصار ملقية كلمتها



فرص عمل وافرة

أمّا عن اقبال الطلاب على هذا الاختصاص فتشير جبران الى أنّ "الاقبال ما زال خجولاً في ظل الاوضاع الراهنة في البلاد، فالطلاب يترددون في الغوص في اختصاص جديد. الّا أنّه كما ذكرت كلّ من تخرّجوا بدأوا العمل فوراً، ولا سيما أنّ غالبية الجمعيات تتلقى التمويل اللازم لتقدم بدورها الدعم النفسي، كما أنّ بعضهم اسسوا جمعياتهم الخاصة"، مضيفةً: "يخضع طلابنا الى 800 ساعة تدريب مع معالجين مختصين، يمرون خلالها من مرحلة المراقبة الى الممارسة تحت اشراف معالج نفسي ومعالج بالفنون لوضع البرنامج الأنسب لكل حالة"، مشجعةً الطلاب على "التسجل في هذا الاختصاص المفيد لمجتمعنا المريض لمساعدته على الشفاء ولا سيما أنّ المسرح ذاكرة ومرآة كل المجتمعات على اختلافها".


MISS 3