نوال نصر

يسمع بافاروتي وينصح بمشاهدة Scent of a woman

حين يفتح الياس عطالله أجندة الذكريات: هنا أخطأت وهذا أنا...

18 آذار 2023

02 : 00

المناضل (تصوير رمزي الحاج)
يتحدث عن الأمس، ويتحدث عن الغد، ويعد بأنه مستعدّ اليوم أن «"يثور مجدداً إذا لزم الأمر"». لم ييأس الياس عطالله (74 عاما) لكنه تبدّل كثيراً. لم يعد شيوعياً وليس "«أكيد أكيد يمينياً»". يقرأ بنهم ولا يلعب الورق. يسمع بافاروتي. وينصح بمشاهدة فيلم: Scent of a woman. يتحدث عن الشيوعية واليسار الديموقراطي و14 آذار وغازي كنعان و»"حزب الله"» وعن الفقر ودار المعلمين وزراعة الأفوكا والقشطه... ويختم بجملة كتبها للتوّ وتلخص درساً تعلمه من تجاربه: الحقيقة مسار لا نهاية له لذا يفترض البحث الدائم. حوارٌ شفاف مع الياس عطالله فيه من تفاصيل الماضي الكثير.


تجربة طويلة



هو ابن بلدة الرميلة، والبدايات، بداياته، كان فيها كثير من «الفقر والعوز». يقول ذلك بلا تردد وبلا مواربة شارحاً: «بيتنا في الرميله كان بعيداً عن بيوت الضيعة. ولدتُ فيه وكان صغيراً. لا، لا، كان صغيراً جداً جداً. كنا خمسة صبيان وأربع بنات. والدي كان محاصصاً زراعياً، يزرع ويقبض على القطعة. كنت أساعده، غصباً عني، أما اليوم فأزرع بحبّ لكني استبدلتُ البندورة واللوبياء والخس بالأفوكا والقشطة والأكي دنيا. أنا ابن الأرض. درستُ وتعلمت، بجهد إستثنائي مضاعف. كنت - ليس جميلاً أن أقول- الأول في صفي دائماً. والوحيد في عائلتي الذي تعلّم. لم يكن العلم في ضيعتي- في أيامي- منتشراً. ولم أسمع أهلي يوماً يقولون لي: يا الياس تعلّم. كانوا يريدون أن نساعدهم في زراعة الأرض وحصلت مشادات كثيرة مع والدي حول ذلك. درستُ في مدرسة الضيعة ثم انتقلت الى تكميلية صيدا ثم دخلت دار المعلمين المتوسطة. أمضيتُ ثلاثة اعوام فيها. كنت أتقاضى 90 ليرة لبنانية - هو اول أجر تقاضيته - وكان والدي يأخذ منه الجزء الوفير» ويعلّق: «الفقر أيام زمان كان أشد وقعاً. الفقراء الآن أغنى مما كنا».

إنتقل الى قانا. علّم هناك. وطلب واسطة لينتقل الى بيروت فنصحه أحدهم: «بلا واسطة وبلا بلوط وبلا تعليم ووجع رأس. قدّم على دورة الضباط. نحتاج الى ضابط في الرميله». رفض عطالله ذلك وقدّم على دار المعلمين العليا واختار، بالتزامن، إختصاص علم النفس والفلسفة.



يكتب خلاصة تجربته



عمري 5000 عام

هل أخذته بداياته الصعبة الى «ثورة الفلاحين» والشيوعية؟ يجيب بحسم «لا، لا أبداً. هناك مراحل عديدة في حياتي لكن، حتى عمر التاسعة عشرة كانت القراءة تأخذ كل وقتي. كنت أكرس حياتي لها. أستعير الكتب وادفع إيجارها ثم أعيدها وآخذ دفعة أخرى وهكذا دواليك. ويوم فتحت Mission Culturelle أبوابها في صيدا صرتُ أقرأ القصص الفرنسية أكثر من قبل. لغتي كانت سيئة لكن قراءاتي الدائمة بالفرنسية حسّنت لغتي كثيراً. كنت ألتهم القراءة وكأن الزمن سيسبقني. كان الكتاب صديقي الوحيد. وحصلتُ على جائزة على كمية الكتب التي قرأتها لفيلسوف عشقته هو بول بورساك. صرتُ أقرأ أكثر عن الفكر الروسي والأدب الفرنسي: دوستويفسكي وتولستوي ومعطف «غوغول». قرأتُ هؤلاء باللغتين العربية والفرنسية. إثنا عشر عاماً على هذا المنوال في بيت بعيد عن المساكن الأخرى في الضيعة نحو ألف متر. لا أصحاب لي. ولا ألعب الورق، وإخوتي يتذمرون كون ثلاثة منهم يلعبون بالورق ويحتاجون الى رابع». يضحك على حالِه وحالِهم.

هو ما زال يقرأ. وبين يديه اليوم كتاب «العاقل: تاريخ مختصر للجنس البشري» ليوفال نوح هراري يقرأه بالنسخة الفرنسية :Sapiens: Une brève histoire de l›humanité ، هو يستمر نهماً في القراءة كيف لا وهو العارف أن من لا يقرأ يعيش حياة واحدة حتى ولو تجاوز السبعين أما من يقرأ كثيراً فيعيش خمسة آلاف عام.

نعود لنُجدد سؤالنا عليه: كيف أصبح الياس عطالله شيوعياً قبل أن يعود ويصبح «يسار ديموقراطي»؟ يجيب «أصبحت أكثر ميلاً الى الحزب الشيوعي قبل أن أتعرّف على أي كائن شيوعي. حصل ذلك يوم مررت بمحنة الإيمان واللاإيمان. قبلها، كنت مؤمناً كثيراً الى حين بدأت أضع شروط على الله وأطالبه بأن يعطيني إشارة. أصبحت أقول له وأكرر: أنا استأهل منك إشارة لأتأكد أنك موجود حقاً. إنتظرتُ ستة أشهر لكن الإشارة لم تأت فأعلنتُ أمام الله طلاقي للصلاة».

مع صور الأحفاد



نحو الشيوعية

أوّل شيوعي تعرف عليه عطالله كان أنطوان عبدو أستاذه في دار المعلمين المتوسطة ويقول: كنت أسمع أنه شيوعي. وهو رآني أقرأ صحيفة لا يقرأها إلا القريب من الشيوعية لكننا لم نتكلم معاً عن الشيوعية. كان بادياً علي أنني قد أكون معجباً بعبد الناصر في حين لم تكن لدي مواصفات الناصري. كنت حذراً تجاه كلمة الوحدة العربية وغير متحمس لفكرة القومية. تعرفت أيضا على قوميين سوريين في الجامعة، التي هي مرحلة الإحتكاك بالواقع السياسي، بعد الإحتكاك بالذات بالقراءة. ويستطرد: في أيام الجامعة، حاولت أن أتعرف أكثر على الشيوعي والقومي والتقيت مسؤول التنظيم في الحزب الشيوعي في كلية التربية ملحم بو رزق، لكنني لم أره مميزاً. أنا لا أريد شيوعياً «يكركر» شعارات فارغة بل شيوعياً يعرف المفكرين الفرنسيين والألمان والاميركيين. وطالما اعتبرت أن الشيوعي الذي يعرف هؤلاء يكون أكثر صدقاً ممن يفكر تحت سلطة الإتحاد السوفياتي. هو يكون أقرب الى العدالة خصوصاً أن منطق اللاإيمان عند هؤلاء المفكرين له مستنداته».

في العام 1971، أصبح عطالله (مبدئياً) شيوعياً، فمن أقنعه؟ يجيب: «حصل قبل ذلك نوع من إبتزاز. قدمت طلب إنتساب لرؤية منهجيتهم الجامعية من الداخل فوضعوا علي شرطاً هو انتخاب مرشح الحزب في الجامعة، وهذا ما لم أقبله خصوصاً أنني كنت عضواً أيضاً في الإتحاد الوطني لطلاب الجامعة اللبنانية في العام 1970. يومها، سقط الشيوعي ونجحت أنا. سقط أنور الفطايري (المسؤول السابق في الحزب التقدمي الإشتراكي) وسعدالله مزرعاني اللذان نزلا على لائحة الشيوعي وربحتُ أنا.

وأخيراً وليس آخراً، دخل الى الشيوعي وكان لديه تصور لسلطة الشيوعي، لكنه تصوّر نُخر من الداخل. ويقول: «إكتشفت يوماً بعد يوم أن صورة الشيوعي المثلى موجودة فقط في مخيلتي ولدى من كتبها. وهي، في التطبيق، ليست واقعية أبداً. فالتغيير الجذري من نمط حياة الى نمط مختلف تماماً مستحيل. هذا يحتاج الى أعوام كثيرة. ويقول: كنت نشيطاً في الجامعة وعلى علاقة جيدة مع الآخرين. وكانت "حركة الوعي" تستقطب فئات واسعة من الجامعيين. كانت الأقوى وسطياً ونحن على علاقة جيدة مع أعضائها. ولا أزال حتى الآن على علاقة جيدة مع بول شاوول.

السيجارة لا تفارقه (تصوير رمزي الحاج)



المسؤول الطالبي

تبوأ مسؤولية الطلاب في الحزب الشيوعي. أسندت إليه هذه المهمة في البداية. وطُلب منه المكوث أطول مدة في الجامعة حتى لو اضطر أن يرسب. ويقول: «بعد انتهاء الحرب حدثت مشاكل بيني وبينهم، وفي إحدى المرات، قاموا بانتدابي في عز نشاطي الجامعي، للذهاب الى بودابست للمشاركة في لقاء الشبيبة اللبنانية مع اتحاد الشباب العربي. كان النشاط مملاً. كل يوم تأتي الصحف ونقرأ أما رأس الهرم، وهو سوفياتي، فيختصر الجميع في المؤتمر. وكانوا يعطوننا مالاً وفيراً لكن لا يمكن الإستفادة به خارج الإتحاد. وأتذكر أنني إختلفت مع الحزب وأرسلت لهم رسالة أنني لست من هذا الصنف الذي يجلس في مكتب بلا مبرر وأريد العودة. لم يهتموا برسالتي، فوضبت حقائبي وغادرت من دون وداع أحد. أخذوا بعدها موقفاً مني لكنني طالما أيقنت «أنهم- هم وغيرهم- كلما علّوا شخصاً (في التراتبية) يأخذون من قيمته وقدره».

يُشعل الأستاذ الياس سيكارة، ينفث دخانها عالياً، ينظر إليها تذوب ويتابع: «رجعت الى لبنان. انتهت الجامعة وانتقلنا الى الأحياء. كنت عضواً في قيادة منطقة بيروت بصفة مسؤول في الجامعة. سافرت الى إيطاليا وعدت، فوجدتُ تشكيلات جديدة وضعوني فيها في منطقة حي السلم. لم أكن حينها أعرف بوجود منطقة بهذا الإسم. أردتُ أن أغادر لكن «الفلّة» من الحزب بحاجة الى أسباب أكبر من ذلك فتريثت».



الموقف من سورية

ينفث السيكارة مجدداً. يسأل إذا كنا نتضايق من رائحتها ويتابع ذكريات العمر: «بدأ خلافي مع الحزب في العام 1984 وكان الرئيس يومها جورج حاوي. لم يكن خلافي معه شخصياً بل نتيجة موقفي من سورية. قلت لهم علاقتنا مع النظام السوري لا تحتمل ويجب أن نفك هذا الوثاق تدريجياً. عارضوني في الحزب و»اشتلق» السوري (شَعرَ) بإصراري على عدم تدخل سورية بطبيعة المقاومة الوطنية الداخلية في لبنان. وسرعان ما وصلنا الجواب من جهة سورية: لا تعتقدوا أن بيروت تحررت. لم أكن يومها في الواجهة وقلة كانت تعلم بذلك. كنت عضو مكتب سياسي حينها والمسؤول العسكري والتنظيمي في الحزب. كنت الشخص الوحيد، الى حد ما، الموجود عملياً في لبنان.

نعود لنسأله: متى تمّ فصلك من الحزب بسبب مشاغبتك الدائمة؟يجيب: «صدقيني، لا أعرف اذا كانوا قد فصلوني أم لا. انا في الحقيقة من غادر. فصلوني مرّة، يومين أو ثلاثة، ثم رجوني أن أعود، فأجبتهم: لم أغادر ولا أريد أن أعود. في كل حال، بقيت بعد العام 85 كمسؤول تنظيم، وتركت المسؤوليات كلها في 1988حين أوقفوا المقاومة» ويستطرد: إلتقينا بحافظ الأسد مرتين أو ثلاثاً خرجت منها بانطباعات خطيرة. في احد اللقاءات عاتب حافظ الاسد جورج حاوي قائلا له: «لا تكرر سيرة وحدة لبنان وسورية، فهذا الأمر ينفذ لا مجرد كلام». هذه الكلمة شعرتُ بخطورتها لأن السلوك على الأرض بالفعل كان كذلك. أرادوا إلغاء لبنان وعملوا من أجل ذلك، أما الكلام الذي خاطبوا به العالم والجامعة العربية فمختلف. مارسوا إلغاء معالم الدولة والمؤسسات وكلفوا حاكماً علينا هو غازي كنعان».

حصرية المقاومة

في العام 1985 أرسل غازي كنعان وراء الياس عطالله وجورج حاوي فماذا قال لهما؟ يجيب عطالله: ذهبنا الى شتورا. جلسنا في قهوة وبدأ في مدح الحزب الشيوعي قائلاً: انتم مناضلون وكذا وكذا... قلت الله يستر. طرح موضوع المقاومة وقال: يا رفاق هذا موضوع استراتيجي اكبر من لبنان. هذا مشروع لا امكانية لتركه بين ايدي احزاب. وسيادة الرئيس يتمنى عليكم التجاوب. واستخدامه كلمة سيادة الرئيس هنا معناه أن القرار اتخذ وممنوع بعده البحث أو الرفض. وطلب منا كنعان إبلاغهم عن كل عملية تحصل وعن كل حركة وفاصلة، كما وجوب تنسيق العمل مع «حزب الله». كلامه نزل علينا مثل جبل وقلت في نفسي: العمى ما هذا. لم نكن نتوقع أن تصل معهم الأمور الى هذا الحدّ. نظرت اليه وقلت له: من الناحية اللوجستية من المستحيل إبلاغكم متى تحدث العملية. المجموعة تذهب الى التنفيذ وحين تقطع المناطق المسماة محررة نفقد الإتصال بها ولا نعرف متى ستنفذ. تصبح تلك المجموعة صاحبة القرار لا نحن. وقلتُ له بالحرف: لا يمكن أن نعرف كيف ستؤول إليه العملية كما لا يمكنك أن تقول لنا أنكم ستأخذون القرار بدلاً منا. أجابني: بلى، وهذا طبيعي. قلت له: حتى لو استطعتُ معرفة كامل التفاصيل لن اخبرك. خرج الشرّ من عينيه. ضرب يده على الطاولة. طارت فناجين القهوة. وردّ: ستدفع الثمن غاليا. ومضى».

بدأت إغتيالات قيادة الحزب الشيوعي ويعدد عطالله من بينهم: سهيل طويله وحسن حمدان ومسؤول منطقة بيروت و...قرروا مصادرة قرار واجب المقاومة من الحزب الشيوعي. في أوائل عام 1986 نشأت المقاومة الإسلامية. ما أراده السوريون هو التمهيد لبقاء مقاومة واحدة. إغتالوا 20 مقاتلاً شيوعياً في قلب الجنوب وأنا أعرف من فعل ذلك. أصبحت إسرائيل وراءنا وعدو آخر أمامنا.

حصلت أمور كثيرة. يروي الياس عطالله تفاصيل من تفاصيل كثيرة عاشها في مراحل دقيقة. يتذكر العمليات العسكرية التي كان يقوم بها الحزب من الناقورة الى وادي ديلو الى النبطيه الى بيروت والجبل. لكن السوري، في النهاية، قرر. الرفض معناه قتلنا على الأرصفة وتنفيذ التهديد معناه بداية الإنكسار. وفي النهاية، بعد عودتي من السفر الى بيروت قالوا لي: غيرنا مسؤولية المقاومة. لم تعد أنت المسؤول. نفذوا القرار السوري.

فصلت من دون إعلان الفصل. في العام 1988 عادوا وقالوا لي: عدلنا في المسؤوليات مجدداً ويمكنك أن تختار أي مسؤولية تريدها. أجبتهم: ولا واحدة. لم يريدوا تظهير سبب الخلاف الحقيقي وبحثوا، في الحزب، كثيراً عن أسباب أخرى. لم يريدوا أن يظهروا ضعفاء الى هذا الحدّ.

أنشأتُ - وأنا في الحزب الشيوعي- التيار اليساري الديموقراطي. رفضوا فكرتي ضمناً لكنهم، في مؤتمر الحزب السادس، وافقوا. وحصل ذلك إبان سقوط الإتحاد السوفياتي. لكن، في المؤتمر السابع، عادوا ورفضوا وجود التيار اليساري. في المؤتمر الثامن أرادوا إعادة إنتخابي في المكتب السياسي في الحزب الشيوعي رفضت. وفي النهاية حصل الإنفصال. لم أطرد بل كان خلافاً أكبر من الطرد. فعلوا ما أرادوه وأنشأت أنا اليسار الديموقراطي.



مصغٍ جيّد



حركة اليسار الديمقراطي

ماذا عن هذا اليسار الذي لعب لعبته في قصّة «سوريا اطلعي برّا» وحرية وسيادة وإستقلال؟ يقول رئيس تيار اليسار الديموقراطي الذي أصبح حركة: «لم يكن تشكيل اليسار الديموقراطي إنشقاقاً كما لم يكن شيوعياً. تطور التيار وأصبح حركة وكنا في قيادتها أنا وسمير قصير والياس خوري وزياد ماجد ونديم عبد الصمد وحسن كريم... طرحنا فكرة عدم الإلتصاق بمنطق عمل الأحزاب التقليدية. أنشأنا المنبر الديموقراطي مع حبيب صادق وبدأنا الإجتماع كل يوم خميس، نناقش معاً الوضع المتأزم والتفكير بكيفية إنهاء الإحتلال السوري. سميناه إحتلالاً لأول مرة. وفي العام 2000 قال البطريرك مارنصرلله بطرس صفير: أما وقد انسحب الإحتلال الإسرائيلي فماذا عن الإحتلال السوري؟

هناك من شعر برئيس حركة اليسار الديموقراطي وكأنه أقرب، في مرحلة ما، الى اليمين.. يقاطعنا بجواب حاسم: «لا، أبداً، إعتبرتُ في تلك الفترة أن مسألة تحرير لبنان ليست بين يمين ويسار، فالمسألة لم تكن الإختلاف في وجهات النظر، بل هي مسألة وجود دولة لبنانية حاكمها سوري. أردنا إسترجاع الدولة قبل الحديث عن إصلاحات».

بين التجربتين، في الحزب الشيوعي وفي اليسار، اين يجد الياس عطالله نفسه؟

اكيد انا في اليسار. انا وفي الحزب الشيوعي كنت مؤمنا باليسار وكانوا يعتبرونني دائما المشاكس.

من حيث المفاهيم والمعايير، كم هناك في اليسار الديموقراطي من الحزب الشيوعي؟

يجيب عطالله: اعتقد أن اليسار هي النقيض. هي الوجه الآخر والمنطق المختلف لعملية التغيير. نحن مع الدولة الطبيعية مع التغيير وليس مع الثورة العبثية. والتغيير برأينا مسألة تخضع للإرادة الشعبية وللإنتخاب ولا تسقط كما البراشوت. ثانياً، التنظيم الشيوعي مركزي أما تنظيمنا نحن فديموقراطي. هم يتحدثون عن المركزية الديموقراطية لكن ما اختبرناه دلّ الى وجود مركزية لا ديموقراطية. فالمؤتمرات عندهم شكلية مركزية ولا تعكس رأي القاعدة ابداً.

نصل الى ثورة 14 آذار التي بلغت أول هذا الأسبوع عامها الثامن عشر، كيف يتذكرها الياس عطالله؟ يجيب: حصل تحالف تدريجي بيننا وبين قرنة شهوان ووليد جنبلاط والمستقبل والقوات والكتائب. بدأنا نحن والقرنة ثم أصبحنا على تماس وتكوين مشترك. لم نكن نحن في القرنة لكنهم هم كانوا في المنبر. وقمنا بصياغة المواقف سوية واتسع التحالف مع وليد(جنبلاط) والحريري (رفيق)... وحدث نقاش أوسع وصولاً الى بريستول.

أخطاء في مرحلتين

حكي كثيراً عن أخطاء اقترفت في 14 آذار، ما رأيه هو؟ وماذا عن أخطائه هو في مختلف المراحل؟ يجيب «أعترف أنني إرتكبتُ أخطاء في المرحلتين، مع الشيوعي وخارجه. شاركت بارتكاب أخطاء المبالغة في العلاقة مع الفلسطينيين وتسليم القرار اللبناني الى الواقع الفلسطيني، حتى أصبحنا من المدافعين عن الثورة الفلسطينية لا عن وجود لبنان. لبناننا ذاب في الثورة. وهذا خطأ كبير في السياسة منذ البداية الى النهاية. الفلسطينيون وضعوا أيديهم على البلد واقعياً ونحن قبلنا. أضاف: إرتكبنا أيضاً في 14 آذار اخطاء جمة كنت شريكاً فيها. أخطأنا أننا يوم انتصار 14 آذار وخروج السوري لم نكمل المواجهة. قبلنا بنصف انتصار. وسمحنا نحن بتفرد زعماء الطوائف بمستقبل الثورة والتحكم بمصير الناس.

لكن، هل كنتم تملكون القدرة وأنتم تبدون وكأنكم الأكثر ضعفاً؟ يجيب: الإنتفاضة طابعها وطني وكان ممكناً استخدام رصيدنا الشعبي. في كل حال، وعلى عكس ما يقال، لم تنته 14 آذار أو بالأصح إنتفاصة الإستقلال. هي أصبحت عملياً في حالة جمود. وكان علينا عدم السماح بتفرد البعض بمصيرها. كنا قوة تملك القدرة على المعارضة. كان علينا أن نرفض الدوحة والتراجعات والتنازلات... التريث والتعقل الزائدان خطأ. طرحت يوم مأتم سمير قصير: لماذا دائما نذهب الى بيت القتيل. فلنذهب هذه المرة الى بيت القاتل في بعبدا. اتصل بي البطريرك صفير ووليد جنبلاط وقالا لي: لا نوافق على ما تطلبه، أي الصعود الى بعبدا. هذه سابقة مرفوضة. توقفت. ونصف انتصار، كما تعلمون، هزيمة. لو تابعنا لما سمحنا لـ»حزب الله» بالوصول الى ما بلغه اليوم. ذهبوا الى الدوحة من دون علمنا، فقلت لهم: أكلتم قتلة ودفعتم ثمنها في السياسة.

اليوم، من هم اصدقاء الياس عطالله من تلك المراحل؟

عملياً لم اعمل عداوات. كلهم اصحابي. ارى وليد وأرى شخصيات من القوات وفارس (سعيد). لست منخرطا تحالفياً مع احد لان لا اطار موجود وأنا مع اطار يطرح الامور ويحددها. ويستطرد وكأنه يريد تحديد الإطار: سلاح «حزب الله» مثل سلاحنا الذي أخذ الطائف قرار مصادرته. إنتهت المقاومة. «حزب الله» ميليشيا مسلحة وتعمل لفرط اجهزة الدولة لمصلحة الدول الاقليمية. مفروض تنقطع العلاقة مع حزب الله.

يتكلم عطالله عن المفروض والمطلوب... فهل يملك نفس الزخم الذي كان عليه في ما مضى؟ يجيب «أملك الإستعداد الكامل لانتفاضة شعبية مطلوبة وبإلحاح. مستحيل صمود بلد بدون أساسيات الصمود وتكوين الدولة. فلتكن مواجهة سلمية. نحن سلاحنا وضعناه أمانة لدى الجيش اللبناني وعليه أن يحفظ الأمانة. فليحمن.

كيف تمضي نهارك؟

التقي بعض الأصدقاء ممن يملكون العقل الشغال، كوني لا أحب تسمية النخب، نتناقش معاً في المسائل والتجارب. وأعترف بوجود فراغ اكثر من اللازم. رياضياً، أمشي قليلا. وأنوي الإهتمام أكثر بذلك حالياً كوني بدأت أشعر بأن «همتي ثقيلة». لا ألعب الورق. أحب سماع الموسيقى الكلاسيكية. أسمع لوتشانو بافاروتي. وأشاهد أفلام نتفليكس وأجد صعوبة في إيجاد الأفلام الجيدة.

ما دمت مدمن مشاهدة نتفليكس فهل من فيلم تنصح به؟ يجيب بعد تفكير: Scent of a woman هو فيلم صدر من زمان(1992) لكني أحببتُ فيه كثيراً الخطاب الأخير الذي قدمه البطل ( آل باتشينو) حول أهمية الأخلاق في تربية الأجيال. قال كلاماً قاسياً لكنه حقيقي. هو فيلم ضد الإنتهازية والوشاية.

ختاماً، نعود لنسأله: كم تبلغ نسبة الشيوعية في الياس عطالله؟ يجيب بسؤال: «هل ستالين شيوعي؟ في داخلي ستالين وماركس هو جزء مني لكني لا اصنف الفكر راديكالياً أو ثورياً أو يميناً. في الختام، يكتب الى قراء «نداء الوطن» جملة تلخص كل تجربته: الحقيقة مسار لا نهاية له لذا يفترض البحث الدائم.


MISS 3