"أزماتنا السياسيّة والاقتصاديّة والاخلاقيّة تكمُن في عدم توفير الخير العام"...

الرّاعي: لا يُمكن ممارسة السّياسة بمعزل عن الحوار

11 : 30

أكّد البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، بعظة الأحد، في مناسبة عيد القديس يوسف أنّنا "نكرس لله بشفاعة القدّيس يوسف كنائس لبنان والشّرق الأوسط والعائلة، ليحميها من الأخطار".


وقال: "أساس الحوار هو الإصغاء أوّلاً لما يقولُه الله، علماً أنّ الله يُكلّمنا بشكل دائم بشخص المسيح، بكلام الإنجيل، بتعليم الكنيسة، بالإخوة الفقراء والمعوزين، بأحداث الحياة، بحلوها ومرّها، بشخص خدمة الكهنوت والمكرسين، وبصوت الضمير. إنّ كلام الله "نور وحياة"، بدونهما تخبط في الظلمة، وشلل العقل عن الحقيقة، والإرادة عن الخير، والقلب عن الحب والمشاعر والإنسانية. الحوار مع الناس يتأسّس هو أيضاً على الإصغاء. نسمعهم بما يقولون، ويتألمون، ويتوقون. ونسمعهم عندما نسبقهم إلى تلبية مشاعرهم وحاجاتهم قبل أن يتكلموا ويتظاهروا وينتفضوا. فالمسؤول هو الذي يُصغي ويبتكر ويميّز حاجات الذين هم في دائرة مسؤوليته. لا تستطيعُ الجماعة السياسيَّة ممارسة السياسة بمعزلٍ عن الحوار الصرّيح والمتجرد، والإصغاء المتبادل وتمييز القرار الواجب إتّخاذه، من دون فرض الرأي عنوة، ومن دون حساباتٍ مخفيّة، وبمعزل عن السعي الدؤوب إلى توفير الخير العام، الذي فيه تجدُ معناها ومبرّر وجودها، والذي يشكل الأساس في حقها بالوجود. يقتضي الخير العام توفير مُجمل شروط الحياة الإجتماعيّة والإقتصاديّة التي تمكّن وتسهّل لجميع المواطنين والعائلات والجمعيات البلوغ إلى كمال حاجاتهم".


وتابع: "ففي عدم توفير الخير العام يكمن مصدر أزماتنا: السّياسية والإقتصاديّة والماليّة والتجاريّة والأخلاقيّة. وهذا هو السبب الأساس لتعثر، بل لتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، وبنتيجة هذا التعطيل، شلل المجلس النيابي والحكومة والوزارات والإدارات العامة. بل هنا مكمن الفوضى والفساد وتفكيك أوصال الدولة وإفقار المواطنين والتسبب بقتلهم وموتهم جوعاً ومرضاً وانتحاراً. إذا سمع المسؤولون صوتَ الله عبر كلامه، لوجدوا الباب إلى الحلّ. فكلام الله يُحرّر ويوحّد. وأي كلام آخر آتٍ من المصالح الشخصيّة والفئويّة والمذهبيّة، يفرق ويباعد ويعطل سير الحياة العامّة".


وختم الراعي: "لا ينسينَّ المسؤولون السياسيون أن العمل السياسي هو خدمة الانسان، بموجب تصميم الله الذي أراد أن يؤلّف من الرجال والنساء عائلة بشريّة واحدة، يتعاملون فيها بروح الاخوة في ما بينهم، وبروح البنوة للخالق الواحد. ما يجعل جميع الأشخاص بحاجةٍ الواحد إلى الآخر، وهم في حالة ترابط. من شأن السلطة السياسية تعزيز هذا الترابط والتكامل بين المواطنين، وتسهيل سعيهم إلى إنشاء جمعيّاتٍ ومنظماتٍ عامّة وخاصّة، ووضع نظام اجتماعيّ يضمن خير كلّ شخص، إذ يتأسس على الحقيقة، ويحمى بالعدالة، وينتعش بالمحبة، وينمو بالحرية السائرة نحو مزيد من الاتزان البشري. نسأل الله بشفاعة القديس يوسف، شفيع العائلة البشرية، أن يمنح الجميع نعمة الإصغاء لكلامه، والعمل بموجبه على مثال القديس يوسف".


بعد القداس استقبل البطريرك الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الإلهية.