دوغ باندو

على الولايات المتحدة مناقشة مخاطر الحرب مع الصين

23 آذار 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

تدريبات روتينية للقوات المسلحة التايوانية في قاعدة عسكرية في كاوشيونغ | تايوان، 12 كانون الثاني ٢٠٢٣

بدأ خطر اندلاع الحرب بين الصين والولايات المتحدة يتصاعد. اضطربت العلاقات الثنائية بسبب زيارة الرئيسة السابقة لمجلس النواب نانسي بيلوسي إلى تايوان في شهر آب الماضي. ونظراً إلى احتمال حصول زيارة مشابهة من الرئيس الحالي لمجلس النواب كيفن مكارثي، حذّر الدبلوماسيون الصينيون المسؤولين الأميركيين من رد صيني قوي.



من المتوقع أن تحاول كتلة الحزب الجمهوري الانضمام إلى وفد مكارثي. لا يدرك عدد كبير من الأعضاء أهمية تايوان بالنسبة إلى جمهورية الصين الشعبية، فهم يتعاملون مع واحدة من أكثر المسائل الشائكة سياسياً في الصين وكأن بكين تستطيع تجاوز هذه المسألة بكل بساطة. خلال ندوة إلكترونية جديدة مثلاً، دعا النائب دون بيكون من ولاية نبراسكا إلى اتخاذ الخطوات اللازمة للاعتراف باستقلال تايبيه بِحُكم الأمر الواقع، علماً أن بكين مرّرت قانوناً يسمح لها بتنفيذ تحرك عسكري في هذا الملف. قال بيكون: "ستشعر الصين بسخط عارم في هذه الحالة وتُعبّر عن استيائها الشديد. هذا ما فعلته أثناء زيارة بيلوسي. لا بأس بذلك. يمكنها أن تستاء".

لكن قد لا تقف التداعيات عند هذا الحد. ذكر الجنرال مايكل مينيهان، في مذكرة تم تسريبها حديثاً إلى قناة "إن بي سي" وتوجّه فيها إلى قواته العسكرية: "حدسي يخبرني بأننا سنخوض القتال في العام 2025". أشادت صحيفة "وول ستريت جورنال" المعروفة بتأييد استعمال القوة بمينيهـــان، وتطرقت إلى ضـرورة "إثبات قوة الولايات المتحدة واستعدادها للقتال وصدّ أي غزو محتمل أمام بكين".

قد تبدو المعلومة التي كشفها مينيهان مدوّية، لا سيما منذ أن أعلنت الصين عن توسيع ترسانتها النووية بدرجة كبيرة لأنها باتت تعتبر الحرب احتمالاً أقرب إلى الواقع مع مرور الوقت. حتى أن الجنرالات في جيش التحرير الشعبي بدؤوا يكتبون على الأرجح مذكرات مشابهة لما كتبه مينيهان.

لكن لم تصدر ردود أفعال قوية من العاصمة الأميركية. حصدت مذكرة مينيهان بعض الاهتمام العابر على القنوات التلفزيونية، لكن سرعان ما تلاشت من الخطاب العام واستُبدِلت بنقاشات حول إرسال الدبابات إلى أوكرانيا، وعدم التخلّف عن تسديد الدين العام، وتقييم الحملة الرئاسية للعام 2024.

قد يتعلق أسوأ جانب من مذكّرة مينيهان بإجماع معظم صانعي السياسة في واشنطن على آرائه، ما يعني ضرورة أن تدافع الولايات المتحدة عن تايوان. في هذه الحالة، ستخسر بكين من دون أن يقوم المسؤولون في الحزب الشيوعي الصيني بأي حماقة. وإذا تصرّفت القيادة الصينية بطريقة غير منطقية لسبب غريب، ستنتصر الولايات المتحدة، ويعمّ السلام، ويتعايش الطرفان جنباً إلى جنب.

يُفترض أن تخضع كل واحدة من هذه الفرضيات للاختبار إذا أراد المعنيون تجنّب كارثة حقيقية. يتعلق أهم عامل بضرورة أن تحمي الولايات المتحدة تايوان. ترتبط جمهورية الصين بعلاقات قديمة مع الولايات المتحدة. وعلى عكس مزاعم بكين، لا يحبذ عدد كبير من التايوانيين، لا سيما فئة الشباب، جمهورية الصين الشعبية.

أنهت حملة القمع في هونغ كونغ أي احتمال بإعادة توحيد الطرفَين طوعاً. لكنّ اقتراب واشنطن من شن الحرب في الفترة الأخيرة يكشف مشكلة تتعلق بالتعامل مع التحرك العسكري وكأنه مجرّد خيار سياسي بسيط. عملياً، تحمل الحرب طابعاً مختلفاً، ويُفترض أن تقتصر على خدمة المصالح الحيوية وصدّ التهديدات المطروحة على الولايات المتحدة بحد ذاتها. لا تطرح مكانة تايبيه هذا النوع من المخاوف. ولا يمكن اعتبار تايوان، التي تقع على بُعد مئة ميل فقط قبالة الساحل الصيني، إلا جزءاً من مصالح بكين الحيوية.

يأمـــل بعض المســـؤولين الصينيين في إخافة واشنطن لدرجة أن تمتنع عن الدفاع عن الجزيرة، لكن ثمة إجماع واسع على ما يبدو حول احتمال تنفيذ تدخّل أميركي، حتى أن هذا الخيار أصبح وارداً جداً. لن تكون متابعة ردع بكين مقاربة حتمية في جميع الظروف، حتى لو التزمت واشنطن بهذا النهج صراحةً. تبقى تايوان مهمة للصين أكثر من الولايات المتحدة. تتعلق المشكلة الأولى بالنزعة القومية المحض التي تستعملها بكين لإعادة توحيد بلدٍ تقطّعت أوصاله عن طريق الخطأ. أما المشكلة الثانية، فهي تحمل طابعاً أمنياً. لهذا السبب، ركّز الحشد العسكري الذي تتابعه جمهورية الصين الشعبية على قدرات الإكراه أو حتى الاستيلاء على تايوان عند الحاجة. سيكون صانعو السياسة الأميركية أغبياء إذا افترضوا أن المسؤولين الصينيين سيتراجعون بكل بساطة.

يُفترض أن يراجع القادة الأميركيون تاريخ بلدهم. رفض الشمال التخلي عن الجنوب في العام 1861 بسبب قوة النزعة القومية، أي الإيمان بمهمّة الولايات المتحدة شبه المقدسة. حذّر وزير الخارجية الأميركي ويليام سيوارد حينها من التدخل الأجنبي، فقال: "أي منافسة بين بريطانيا العظمى والولايات المتحدة ستُشعِل العالم أجمع". في المرحلة اللاحقة، بقيت فرنسا وبريطانيا العظمى خارج الصراع.

تُعتبر أي فرضيات تتوقع انتصار الولايات المتحدة في أي صراع محتمل متهورة في أفضل الأحوال. لا يصبّ العامل الجغرافي في مصلحة الولايات المتحدة مطلقاً. في هذه الحالة، ستنفّذ القوات الأميركية عملياتها على بُعد آلاف الأميال من ديارها، بينما يستطيع الصينيون استعمال عدد كبير من القواعد العسكرية في البر الرئيسي. كذلك، تستطيع جمهورية الصين الشعبية أن تسيطر على المجال الجوي فوق الجزيرة، وقد تُهدد بإغراق أي قوات بحرية أميركية إذا اقتربت من المكان. ولن يكون دعم الحلفاء مؤكداً في هذا الصراع، رغم الخطاب العدائي نسبياً في سيول وطوكيو.

خسرت الولايات المتحدة للأسف معظم تجارب الحرب التي تحاكي الصراع في تايوان. وحتى أكثر النتائج تفاؤلاً، بما في ذلك سلسلة أدارها حديثاً "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"، تعتبر كلفة النصر مرتفعة على نحو استثنائي. لم تتعرّض تايوان للغزو في أي لحظة، لكن توصّل تقرير مركز الدراسات إلى الاستنتاج التالي: "في معظم السيناريوات، هزمت الولايات المتحدة/تايوان/اليابان غزواً برمائياً تقليدياً أطلقته الصين وحافظت على استقلالية تايوان. لكن ترافق هذا الدفاع مع كلفة عالية. خسر الأميركيون وحلفاؤهم عشرات السفن، ومئات الطائرات، وعشرات آلاف العسكريين، وتدمّر الاقتصاد التايواني. كذلك، انعكست هذه الخسائر الهائلة سلباً على مكانة الولايات المتحدة في العالم طوال سنوات".

قد يكون أي غزو صيني برمائي صعباً، لكن تبقى التحركات الأقل وطأة، مثل الحصار، ممكنة وهي تطرح تحديات سياسية مضاعفة على واشنطن. بحسب الظروف القائمة، قد تجد الولايات المتحدة نفسها في مواجهة قابلة للتحوّل إلى صراع ينتظر فيه كل طرف الطلقة الأولى. كذلك، قد يصبح تصعيد الوضع تهديداً دائماً: لم تتمكن الولايات المتحدة من تجاهل القواعد العسكرية في البر الرئيسي، لكن كان استهدافها ليجبر بكين على توسيع نطاق الحرب على الأرجح. لم يسبق أن خاضت قوتان تقليديتان كبيرتان حرباً شاملة وهما تملكان أسلحة نووية.

أخيراً، قد تؤدي أي هزيمة لجمهورية الصين الشعبية إلى زعزعة الوضع السياسي، لكن من المستبعد أن توصل إلى السلطة نظاماً ليبرالياً وسلمياً وموالياً للغرب. بل من المتوقع أن ينشأ نظام أكثر قومية في هذه الحالة، فيبدأ بالتسلح لخوض جولة ثانية من الصراع، على غرار ما فعلته ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى. لحماية تايوان عسكرياً، يجب أن تتابع واشنطن مساعيها إذاً لاحتواء أي قوة عظمى أو منافِسة محتملة لها على الطرف الآخر من العالم. سبق وأصبحت أعباء الولايات المتحدة مفرطة على المستوى المالي، ومن المتوقع أن تتدهور هذه الأرقام سريعاً خلال العقد المقبل وما بعده. ولا مفر من أن تتصاعد هذه التكاليف مستقبلاً، لا سيما بعد الحرب.

تزداد أهمية منع الحرب منذ البداية نظراً إلى الكلفة الكارثية للصراع. يُفترض أن يصبّ معظم التركيز على بذل الجهود الدبلوماسية اللازمة لإبرام اتفاق بين جمهورية الصين الشعبية، والولايات المتحدة، وتايوان، لإخماد التوتر والحفاظ على الوضع السلمي الراهن رغم جوانبه المزعجة. كذلك، يشير النجاح في تطبيق عقوبات الحلفاء على روسيا إلى إمكانية إنشاء تحالف مشابه لتحذير الصين من العقوبات الاقتصادية التي تنتظرها إذا قررت استعمال القوة ضد تايبيه.

باختصار، يجب أن يجري صانعو السياسة الأميركية حواراً جدّياً مع الشعب الأميركي حول خوض صراع محتمل من أجل تايوان. لن تكون الحرب مع الصين مهمّة سهلة بأي شكل، حتى أنها لن تترافق مع الفشل المدمّر الذي واجهته الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان. بل سيكون أي صراع مع جمهورية الصين الشعبية كارثياً في جميع الأحوال، وقد يقضي على الأمّة كلها إذا فشلت محاولات الحدّ من تصعيد الوضع. يُفترض أن تدفع مذكرة مينيهان جميع المعنيين إلى خوض نقاش عاجل، شرط ألا يتصدّر عناوين الأخبار ليوم واحد ثم ينساه الناس في خضم مشاغلهم اليومية الأخرى.