خالد أبو شقرا

"طويلة العمر" ستكون مختلفة... وتُعَدّ على أصابع اليد

مصارف ما بعد الأزمة... وتحدّي الثقة

29 شباط 2020

03 : 50

القطاع المصرفي سيُبنى على أسس أمتن
الدور المحوري الذي لعبه القطاع المصرفي في الإقتصاد اللبناني، سيبدو كالنزهة أمام المهمة المنوطة به مستقبلاً. فالإقتصاديات المتطوّرة والحديثة تتطلّب بنوكاً محوكمة وذات استثمارات ضخمة في التكنولوجيا والذكاء الصناعي وأنظمة السلامة ودرء المخاطر، ومكافحة تبييض الاموال وليس فقط في تشييد الأبنية الشاهقة وتفريخ الفروع. الكثير من الأسماء والعلامات التجارية المصرفية الموجودة اليوم ستزول غداً، وسيُبنى القطاع على أسس جديدة أمتن.

التحديات المستقبلية أمام المصارف اللبنانية كبيرة، وأوّلها استعادة الثقة، وهذا لن يتوفر مع الكثير من البنوك الموجودة، وفي ظل التعاميم الاستنسابية غير الرسمية. فالمستقبل الذي من المفروض ألا يكون بعيداً يتطلب أمرين اساسيين: الأول، عودة تدفق الودائع التي انخفضت في نهاية العام 2019 الى حدود ( 10-) مليار دولار مقارنة مع حوالى (5+) مليارات في العام 2018. والثاني، طمأنة المواطنين في الداخل لإعادة المبالغ المسحوبة من المصارف، والتي تقدّر بنحو 5 مليارات دولار، إلى البنوك.

الثقة أوّلاً

الأموال الجديدة لن تدخل الى النظام القديم فاقد الثقة، وهذه ليست خاصية لبنانية بل إنها اسلوب عام عالمي. فالمصارف اليونانية وعلى الرغم من مرور 10 سنوات على نشوء الازمة، وإلغاء الكابيتال كونترول منذ منتصف العام 2019 ما زالت تعاني من تدهور الإيداعات وزيادة في السحوبات.

بالإضافة الى القوانين العادلة والذكية المفروض تشريعها وتطبيقها فإن "تقليص حجم القطاع المصرفي على طريقة "BAD BANK"، أو ما يعني تحويل المصارف المتعثرة وغير القادرة على تكوين المؤونات اللازمة، الى شركات مساهمة كما حصل مع "بنك انترا"، هو المطلوب. وليس الدخول في عمليات الدمج والاستحواذ"، يقول رئيس مجلس إدارة FFA برايفت بنك جان رياشي.

عدا عن أن كثرة المصارف عددياً في اقتصاد صغير تولد المشاكل أكثر بكثير مما تحسن القدرة التنافسية، فان تقليص عدد المصارف المتعثرة بشكل جذري يحمي صغار المودعين الذين ينتقلون تلقائياً الى المصارف الجيدة، فيما يتحول كبار المودعين الى مساهمين وينتظرون الى حين تصفية أصول الشركة للحصول على اموالهم. تحدّيات الرسملة

حالة أخرى سيواجهها القطاع في المستقبل القريب تتمثل في ضرورة استمرار بعض المصارف المؤهلة بسبب حجمها أو أهميتها على الصعيد الوطني أو بسبب مواردها البشرية او خلافه، لكن المشكلة في المقابل انها لا تملك من الأموال الخاصة او القدرة على إعادة الرسملة وتأمين المؤونات الكافية لانتشالها. هذه الحالة سيُتعامل معها برأي رياشي على طريقة "BAIL IN". وبالتالي ستعمد المصارف إلى تحويل جزء من ودائع زبائنها إلى أسهم. إنما هذا يتطلب إصدار قانون من المجلس النيابي لتشريع مثل هذا الإجراء، لأنه ليس بالإمكان الاقتطاع من حسابات المودعين وتحويلها مساهمة من دون نص تشريعي.

"ينطلق مبدأ الـ BAIL IN من أن المودع هو الدائن، وعليه فهو الأولى بتمويل المصرف بدلاً من تدخل الحكومات وضخ أموال دافعي الضرائب في المصارف المتعثرة على غرار "BAIL OUT" كما حصل عقب الازمة المالية العالمية في العام 2008"، يضيف رياشي.

ما تبقّى من مصارف، يُعدّ على أصابع اليد الواحدة، سيُلبي متطلبات الرسملة من أموال أصحاب المصارف وشركائهم وزبائنهم بصورة طوعية. وهذه المصارف التي سيكون حجم خسائرها من المؤونات مقبولاً، ستستمر بشكل طبيعي.

المعالجات في القطاع المصرفي، كما تبدو، لن تأتي دكمة واحدة بل سيتم التعامل معها CASE BY CASE أي كل حالة على حدة، وسينتج عنها في النهاية عدد قليل من المصارف الكبيرة لن يتعدى الستة، وبعض المصارف العائلية ذات الخصوصية والقليل من المصارف المتخصصة، وهو سيكون أكثر من كاف للإقتصاد اللبناني.

العنوان الكبير للمصارف يجب ان يكون في المرحلة المقبلة استعادة الثقة، وهذا لن يتم الا من خلال وجود مصارف خالية من أي موجودات قابلة للتعثر، وان تكون المؤونات المتخذة قادرة على تغطية الخسارة برساميل اضافية. خصوصاً مع ما سيرافق المرحلة المقبلة من إعادة هيكلة الدين العام الذي تحمل المصارف جزءاً كبيراً منه، ومن ضمنه الدين على مصرف لبنان وتعثّر القروض في القطاع الخاص.

"اختراعات"... الفوضى

الورشة الاصلاحية في القطاع المصرفي يجب ان تترافق مع اصلاح المصرف الأم، "فتراكم المشاكل كان نتيجة عدم تطبيق قانون النقد والتسليف الجيد، وليس العكس"، يشير وزير المال الأسبق د.جورج قرم. فالتطور العالمي اليوم هو ان تكون المصارف المركزية مستقلة تماماً عن السلطة السياسية، وخارج أي حوكمة أو محاسبة من قبل الدولة، وهذا ينطبق على سبيل المثال لا الحصر على المصرف المركزي الاوروبي. مصرف لبنان يملك بدوره خاصية مميزة فهو يخضع لوصاية من قبل مفوضية الحكومة لدى البنك المركزي، الذي من المفروض ان تصدر بشكل سنوي، تقارير عن مطابقة عمل "المصرف" مع قانون النقد والتسليف. إنما المشكلة بحسب قرم "هي في تخطي القوانين وجنوح المركزي إلى مجالات ليست من اختصاصاته، على غرار امتلاك شركة طيران وتغطية تحويل 80 في المئة من موجودات المصارف التجارية اليه، والامعان في "الاختراعات" التي أدت في النهاية إلى هذه الفوضى". موجودات المصارف التي كان يُفاخر بها على انها تمثل 4 مرات حجم الاقتصاد الوطني، كانت عنصراً سلبياً وليس ايجابياً في الإقتصاد، حيث انها امتصت كل مقدراته. وعليه فإن الدور المستقبلي للمصارف يجب ان يكون بخدمة قطاع الانتاج وليس الاقتصاد الريعي. ويجب في النهاية ان يترافق دورها، بحسب رياشي، مع موضوع بالغ الأهمية وهو "إقرار رفع ضمان الودائع من 75 مليون ليرة الى 300 ألف دولار التي تمثل قيمة تعويض نهاية الخدمة للطبقة الوسطى".


MISS 3