سوميت غانغولي

ما وراء التحالف العسكري بين مودي ونتنياهو

29 آذار 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

لافتة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ونظيره الهندي ناريندرا مودي | تل أبيب، 28 تموز 2019

اليوم، تبدو العلاقات الهندية ـ الإسرائيلية متعدّدة الأوجه، فهي تتراوح بين تدفّق سنويّ لسيّاح إسرائيليين شباب يأتون إلى شواطئ الساحل الغربي الهندي للاسترخاء بعد أداء خدمتهم العسكرية من جهة، وتعاون متزايد في مجال الزراعة باستخدام الريّ وبيع الأسلحة المتطوّرة من جهة أخرى. خلال العقود القليلة الماضية، تعمّقت هذه العلاقة وتوسّع نطاقها بدرجة ملحوظة، لا سيّما في عهد رئيسَي الوزراء ناريندرا مودي وبنيامين نتنياهو.

تعطي هذه الشراكة الوثيقة تداعيات كبرى على السياسة الإقليمية والعالمية، إذ تسمح هذه العلاقة الثنائية للطرفَين بتوسيع دورهما في الشرق الأوسط، لا سيّما في منطقة الخليج العربي. اتّضح هذا الواقع عند مشاركة البلدين في تحالف رباعي جديد بين الهند، وإسرائيل، والإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة، بهدف الحدّ من النفوذ الصيني إقليمياً وطمأنة الحلفاء حول استمرار الإلتزام الأميركي بشؤون المنطقة.

يظنّ الصحفي آزاد عيسى، في كتابه الجديد Hostile Homelands: The New Alliance Between India and Israel (أوطان عدائية: التحالف الجديد بين الهند وإسرائيل)، أن توسّع الشراكة بين هذين البلدَين يرتكز على تلاقي وجهات النظر العرقية والوطنية والإيديولوجية بين الطرفَين. يغطّي الكتاب المعلومات المعروفة أصلاً عن تطوّر هذه العلاقة الثنائية، وقد لا يجد المطّلعون على هذه الشراكة أي معطيات جديدة. مع ذلك، يلجأ عيسى إلى مجموعة من المصادر الأكاديمية والشعبية لطرح أبرز حُجَجِه.

يريد عيسى أن يثبت في كتابه أن الشراكة الاستراتيجية الناشئة بين الهند وإسرائيل تقوم على التخلي عن جميع المعايير الأخلاقية وباتت ترتكز على تقارب بين الميول الإيديولوجية، فضلاً عن روابط مادية تفيد الطرفَين في مجموعة من المجالات، بدءاً من التجارة وصولاً إلى الدفاع. قد تكون فكرته دقيقة جزئياً لأن مساعي تقوية العلاقات الهندية الإسرائيلية بدأت قبل ظهور الحكومتَين العرقيتَين والقوميتَين في البلدين.

اليوم، تقوم علاقة متعددة الأبعاد بين الهند وإسرائيل، وهي تتراوح بين تبادل السياح واقتناء أسلحة قوية. منذ وصول مودي إلى السلطة في العام 2014، أصبحت الهند أقل دعماً للقضية الفلسطينية، مع أنها لا تزال ملتزمة بها أمام الرأي العام. في العامَين 2015 و2016 مثلاً، امتنعت الهند عن التصويت على قرار في الأمم المتحدة كان ليحيل إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية على خلفية جرائم حرب مزعومة ارتكبتها خلال أزمة غزة في العام 2014.

ترتكز حجّة عيسى المحورية على الفكرة القائلة إن الشراكة الأمنية بين الهند وإسرائيل تبلورت خلال العقد الماضي، لا سيّما في عهد مودي، وسرعان ما زادت قوتها بعد ظهور قوى عرقية وقومية بارزة في البلدَين.

إنها فكرة منطقية طبعاً. في الهند، تتّضح هذه النزعة عبر تطوّر القومية الهندوسية في عهد مودي وحاشيته. حصلت عملية مشابهة في إسرائيل، وقد اتّضحت حديثاً حين أبدى حزب "الليكود" اليميني الذي يقوده نتنياهو استعداده لتقاسم السلطة مع أحزاب يمينية متطرفة، بما في ذلك حزب "الصهيونية الدينية" القومي المتطرّف والمعادي للعرب.

يتعلّق قاسم مشترك بارز بين الحكومتَين الهندية والإسرائيلية بعدائيتهما المعلنة تجاه الأقليات: المسلمون في الهند، والعرب المسلمون في معظمهم في إسرائيل. كان عيسى محقاً حين كتب أن مودي ونتنياهو يريدان تحويل بلدَيهما إلى ديمقراطيات عرقية تعطي الامتيازات للأغلبية. لا يمكن التشكيك بهذا المنطق لأي سبب. من الواضح أن هذا القاسم المشترك بين الحكومتَين ساهم في تقوية هذه العلاقة الثنائية.

لكن يشمل كتاب عيسى مجموعة من المزاعم الأخرى التي تحمل طابعاً تاريخياً ومعاصراً، وهي تسيء إلى جودة تحليله وتُحوّل الكتاب إلى مرجع مثير للجدل. لا تقتصر هذه المزاعم على بلدٍ دون سواه، مع أن طرحه المرتبط بالهند يبدو شائباً على نحو خاص.

يتعلّق واحد من أوضح الأمثلة في كتاب عيسى المنحاز بانضمام ولاية جامو وكشمير المتنازع عليها إلى الهند في العام 1947. هو لا يذكر تواطؤ باكستان الفاضح لدعم حركة تمرّد ضد آخر حاكم للولاية، مهراجا هاري سينغ.

يُكرر عيسى الفكرة الباكستانية المألوفة التي تدعو إلى انضمام الولاية إلى باكستان بما أنها تشمل أغلبية مسلمة. لكن تُضعِف هذه الفكرة كلامه عن العلاقة القائمة مع إسرائيل لأن الهند كانت تلتزم بالعلمانية نسبياً في بداية عهدها كدولة مستقلة. لكن يذكر عيسى أن الهند لا تهتم كثيراً بحقوق المسلمين رغم التزامها المعلن بالعلمانية في عهد جواهر لال نهرو.

لكن لا تقف أفكار عيسى المُضلّلة عند هذا الحد للأسف. في تشرين الثاني 2008، أطلقت جماعة "عسكر طيبة" المسلّحة والمدعومة من باكستان اعتداءات إرهابية ضد مجموعة من المواقع في مومباي، فقتلت أكثر من مئة شخص. مع ذلك، لا يعتبر عيسى عناصر تلك الجماعة إرهابيين، بل يفضّل استعمال كلمة "معتدين" لوصفهم.

حتى أنه لا يناقش سياسة باكستان القديمة التي تقضي باستعمال عملاء إرهابيين وخطيرين ضد الهند. يسلّط عيسى الضوء على اعتداءات مومباي في العام 2008 لانتقاد قرار الهند باللجوء إلى إسرائيل لتلقّي المساعدة ومكافحة الإرهاب بعد ردّها الفاشل على الهجوم الإرهابي.

أخيراً، يعجّ كتاب عيسى بتلميحات لا تخضع لأي تدقيق واسع. بدل الاعتراف مثلاً بأن الدول تشتري أسلحة متقدّمة دوماً من أي موردين مستعدين لتأمينها بكلفة مقبولة، هو يذكر أن ازدهار العلاقة بين الهند وإسرائيل تحمل تصميماً خطيراً من ناحية معينة.

هو يُركّز بشكلٍ أساسي على نقل أجهزة الاستشعار الإلكترونيـة التي يمكن استعمــالها على طول الحدود لرصد المتسللين. ونظراً إلى خبرة إسرائيل الواسعة في هذا المجال والمشاكل التي تواجهها الهند على حدودها المؤلفة من جبهتَين مع باكستان والصين، لا يمكن اعتبار قرار نيودلهي بشراء هذه التقنيات صادماً. حين تتماشى الاعتبارات البراغماتية المرتبطة بالأمن القومي مع زيادة التقارب الإيديولوجي، يصبح هذا النوع من صفقات الأسلحة شائعاً.

على صعيد آخر، يطرح إقدام الهند على شراء واستعمال معدّات مراقبة محلية من الشركة الإسرائيلية الخاصة "بيغاسوس" (كُشِف النقاب عن هذه الصفقة في تموز 2021) أسئلة جدّية عن التزام حكومة مودي بحماية خصوصية المنشقين والمعارضين السياسيين في الهند وحرياتهم المدنية. يناقش عيسى هذه المسألة بشكلٍ عابر ويعتبر اقتناء هذه التكنولوجيا مثالاً آخر على ازدراء الحكومتَين بالحريات المدنية. لكن كانت هذه الصفقة تجارية بطبيعتها، وهي لا تدخل في خانة نقل التكنولوجيا بين الحكومات.

كذلك، يتطرّق عيسى إلى الجماعات الداعمة للقومية الهندوسية المعاصرة في الولايات المتحدة وعلاقاتها التي تسمح بدعم منظّمات مؤيّدة لإسرائيل. هذه الروابط موجودة حتماً، لكن لا يمكن التأكد حتى الآن من تأثيرها على رسم مسار الشراكة الاستراتيجية بين الهند وإسرائيل أو زيادة قوتها كما يكتب عيسى. يظنّ هذا الأخير أن البلدين طوّرا علاقة وثيقة مبنية على المنافع المتبادلة، حيث يقوي كل فريق العلاقات القائمة بين الحكومتَين اليمينيتَين في الهند وإسرائيل.

لا شكّ في أن مسار الشراكة الهندية الإسرائيلية شَهِد تحولاً كبيراً بقيادة مودي وتزامن مع توسّع نفوذ نتنياهو. ومن الواضح أن المشاريع العرقية والقومية المشتركة بين هذين الزعيمَين جاءت لتعزّز التقارب المتزايد بين الدولتَين. من المؤسف إذاً أن تَضْعَف أدق فكرة يطرحها عيسى في كتابه بسبب نزعته إلى الإغفال عن الوقائع وطرح مزاعم مثيرة للجدل.


MISS 3