نوال نصر

جعجع بريء والحريري وجنبلاط لم يسمعا فقُتِلا

محسن دلول: عن انبطاحة عون أمام السوري والرسائل المشؤومة

1 نيسان 2023

02 : 00

القارئ النهم
محسن دلول، أبو نزار، حامل الحلول المستحيلة في نظر البعض، والمخبر في نظر آخرين، والرجل «غير السيادي» في رأي ثالثين. هو بلغ اليوم سنّ التسعين (مواليد 1933). تسعون عاماً مرّت كما «رفّة عين» وعجنته بالأسرار. نسأله عن أكثر ما يؤلمه من كل مخاض تجاربه فيجيب: حملتُ رسالتين مشؤومتين، واحدة الى كمال جنبلاط فحواها: لا تحاول قطع الخيط كي لا يقطعك، والثانية الى رفيق الحريري فحواها: فلّ. لم يستجب الرجلان فاستشهدا. أمسك بملف حلّ الميليشيات بعد الطائف ورافق ميشال عون الى سوريا يوم «قدم منبطحاً قسمه لها: «إذا إنتخبت سأكون سوري المنحى». وهو كان وزير دفاع يوم سُجن سمير جعجع الذي خرج كما قال «كما جواهر لال نهرو ونيلسون مانديلا». حوار مع أبو نزار في صالون شعبي، يستقبل فيه يومياً المعارف والأصدقاء، حكى فيه الكثير:




يبدأ القول: «الأحداث في ذاتِها لا تعكس كل الحقيقة». يتحدث عن ذلك وكأنه يمهّد لكل ما سيلي، وكأنه يريد أن يقول: ما هو ظاهر ليس دائماً كل الحقيقة. يسأل عن «نداء الوطن»، عن الصحيفة اليوم، ويتذكر حادثة جرت معه زمان مع «نداء الوطن» بطبعتها السابقة: «ذات يوم كتبتُ خبراً في الصحيفة لم يعجب رئيس تحريرها آنذاك الياس الغريافي. كان يحلق ذقنه ووصل إميل خوري. كنا نسمع عنه كثيراً وبأنه عمل مراسلاً حربياً في الحرب العالمية الثانية والتقى هتلر وآيزنهاور وتشرشل وستالين. جلستُ أسأله عن كل ذلك، فأتى الياس الغريافي وقال لي: تكتب وكأنك تجلس أمام الأستاذ وتقول له: صفْ مشاعرك. سأل إميل خوري عما كتبت. قرأه. وقال لغريافي: ممتاز إنشره. ومنذ ذاك اليوم بدأ يأخذني على محمل الجدّ. ويستطرد: كنت أقرأ كثيراً. قرأتُ ميخائيل نعيمه. وكان الرهبان في مدرستنا يمنعوننا من قراءة جبران خليل جبران لأن في كتابته إلحاداً. وكل ممنوع مرغوب. وحين سمحوا لنا بذلك، أول ما قرأت كتاب النبي.

الحاضر (تصوير رمزي الحاج)



ذكريات المدرسة

أبو نزار من ضيعة ملاصقة لرياق وحوش حالا. إنه من علي النهري. يصعد أسبوعياً إليها ويقول «أنا أنتخب في رياق، في القلم نفسه مع جورج عقيص. طفولتي كانت معذبة. والدي فلاح. ومدرسة الضيعة كانت بالكاد تعلم الطالب القرآن «جزء عم»، وحين ينتهي يقولون عن الولد ختم، ويطلبون منه أن يمشي في الضيعة ويرشون عليه الورود ويقدمون له الهدايا. هذا ما حصل معي. حين ختمت إنتقلت الى مدرسة في رياق حيث كان هناك أستاذ إسمه الياس، الياس يوسف شمعون، يعلمنا كل شيء. يوم انتقلت الى رياق التي تبعد عن علي النهري مسافة 500 متر شعرتُ، مع رفاقي، وكأننا في مجتمع آخر. لم نكن نعرف لغاتٍ ولا حتى كلمة «بونجور».

محسن دلول هو الإبن الأكبر (سبقه ولادة صبي توفي طفلاً سُمي حسين) وولد بعده صبي سميّ على إسم شقيقهما الراحل حسين. وهناك شقيقة واحدة. وكان والده يحب أن ينادونه أبو حسين لكن مدير المدرسة وكمال جنبلاط كانا يناديانه أبو محسن. لم يكن شقياً في طفولته ويقول: «كنت أفرح لشقاوة أصدقائي لكني كنت أكثر هدوءاً. وأتذكر أن احد الأولاد، من بيت حميه، أدخل الى صف الكيمياء ركوة قهوة. إستاء الأستاذ وضرب الطبشورة على اللوح ونادى المدير وطلب معرفة من أدخلها الى الصف. كنا 27 تلميذاً رفضنا جميعا ذكر من فعل ذلك. وأتذكر أن مدير المدرسة أصبح مطرانا في منطقة فورتاليزا في البرازيل. ويوم ذهبتُ مع الرئيس رفيق الحريري الى هناك قرأت عن الولاية فعرفت أن مطرانا من زحلة أصبح هناك. عرفتُ أن اسمه على إسم مدير مدرستي. إتصلتُ بقريبه رئيس غرفة الصناعة والتجارة والزراعة في زحلة ريمون جريصاتي وأخبرته أنني ذاهب الى البرازيل فقال لي: أرسل سلامي الى شقيقي في سان باولو والى إبن عمي في فورتاليزا. هناك، إلتقيت من جديد بمديري، كان قد أنشأ هناك أهم كاتدرائية في البرازيل. تركتُ الشيخ رفيق في احتفال السامبا وانتقلت مع مديري في نزهة وتكلمنا عن الماضي والذكريات وكيف أتى المدير مع رئيس المدرسة الى بيت والدي، الذي لم يرد أن أتابع تعليمي بسبب الفقر، على أن أساعده في فلاحة الأرض. يومها أتيا وقالا لوالدي إن المدرسة تريد تأمين تموينها من محصول والدي على أن تسدد المبلغ على دفعتين، الدفعة الأولى من خلال تعليم محسن والدفعة الثانية كاش. ويومها أخذاني معهما. وأعطيت الكتب والدفاتر مجاناً ولاحقاً علمت أنهما خططا لذلك كي أتعلم».

التجارب تعلّم. ماذا علّمت تلك التجربة محسن دلول؟ يجيب «علمتني أنني حين أصبحت مرتاحاً (مادياً) حرصتُ على تقديم منحٍ سنوية لطلاب مدرستي، المدرسة الشرقية. أولادي فعلوا أيضا مثلي. واستمريتُ في حضور كل حفلات التخرج». التجارب لا تنتهي ويعلّق على أول ما يخطر في رأسه حولها «كان عليّ أن أكون أكثر حذراً في حياتي الشخصية. هناك من يقول إن بعض تصرفاتي نتجت عن طيبة في القلب، وهناك من يقول إنها نتجت عن إهمال، وأنا أقول إنها مزيج من الحالتين. في كل حال تأخرت ولم أعد أستطيع أن أغيّر نفسي».

روح الفكاهة أيضاً حاضرة



كل عمره

ماذا عن رهاناته السياسة: ألم يُخطئ فيها أو في بعضها؟ يجيب «أعتبر أن جميع رهاناتي في السياسة كانت صحيحة. ولبنان لا يُحكم إلا برعاة. أتذكر أنه أيام الراعي السوري كانت تتشكل الحكومة في غضون 24 ساعة وكانت منتجة. السيادة كذبة كبيرة. لا سيادة مطلقة لدى أحد لكن هناك قرارات صحيحة. نحن مشكلتنا أننا كل عمرنا «منركب طرابيش». ويستطرد: البلد كل عمره «مفلس» ولم يعش يوماً في توازن بين الصادرات والواردات وأتذكر أنهم أتوا مرة بأهم خبير من السويد، جال على كل لبنان، ووجد ما هو غريب. رأى الفقراء جداً وفي الموازاة شاهد المقاهي مليئة بالناس. وحين راجع المسؤولين أجابوه: لا تستغرب فأنت لم تدون في تقريرك عدد اللبنانيين المغتربين الذين يرسلون أموالاً ولا عدد تجار الحشيشة ولا دور لبنان التجاري في ظل القطيعة بين الصين والسعودية... وكم أشبه اليوم بالأمس.

الشاهد على تاريخ



بالشورت

هناك من يقول إن عبد الحليم خدام هو من أدخل محسن دلول الى السياسة اللبنانية؟ يجيب «هذا غير صحيح أبداً. أنا قبله في السياسة. أنا من المعجبين بكمال جنبلاط. وأتذكر أنني كنت أقرأ له كل ما ينشر باسمه في مجلة «كل شيء». وكان اسم أستاذي في الأدب الفرنسي ميشال غريب. وكنت من عشاق صف جان جاك روسو والطبيعة. وذات يوم خميس قال لي أستاذي: خذّ إذناً وسنذهب معا. أخذني الى سوق النجارين حيث مكتب الحزب التقدمي الإشتراكي. هناك، التقيتُ كمال جنبلاط أول مرة وكنت أرتدي السروال القصير «الشورت» ولا أعرف أصول المخاطبة. صرتُ أتوجه إليه بصيغة «إنت». تحدثتُ معه دقائق وسألني: كيف تصنفني؟ أجبته: إصلاحي. ردّ ضاحكا: تقصد ترقيعي؟ سألني: ماذا تقرأ؟ قلتُ له: ميخائيل نعيمه. خرجت من داره وأنا غير مصدق ما حصل معي. أردتُ أن أعرف رأي أستاذي لكنه استمر صامتاً. وحين وصلنا الى عاليه قلت له: أستاذي ما رأيك باللقاء؟ أجابني: زفت.

هذا تقويم الأستاذ: زفت... لكنه بالواقع لم يكن كذلك. فبعد أسبوع عاد واتصل به ودعاه للصعود الى المختارة. هناك، عاد كمال جنبلاط وسأل محسن: ماذا تقرأ اليوم؟ أجابه: أحمد أمين «فجر الإسلام». وطه حسين. أهداه كتباً وطلب منه أن يقرأها على أن يتناقشا معاً لاحقاً حولها. وطلب منه أن يحضر مع رفاقه المهرجان الذي سيخطب فيه يوم الأحد. صعد محسن ورفاقه إلى المهرجان. وعن ميله السياسي الأول يقول «كنت عروبياً. أردت مع رفاق لي توحيد العرب من المحيط الى الخليج. وكنا نعترض حين نسمع من يتحدث عن الكيان اللبناني. ويومها نادى كمال جنبلاط بالكيان اللبناني النهائي الأبدي السرمدي فانسحبنا».



مع وليد جنبلاط



أحبَّ جنبلاط رفقتي

سؤالٌ بديهي: ماذا قد يلفت كمال بك جنبلاط بشاب، مراهق، اسمه محسن دلول؟ يجيب «ثقافتي على الأرجح. ولاحقاً، أحبّ رفقتي. وفي ثورة 1958 كلفني بمهمة إعداد تقرير أسبوعي عن حراك جمال عبد الناصر. كنت أنتقل على القدمين كي لا يلتقطوا التقارير التي بحوزتي. كانت التقارير في تلك اللحظة تركز على إسم رئيس الجمهورية، بين فؤاد عمون أو جواد بولس أو يوسف حتي. وأتذكر أن إعتراض بيت فرنجية كان على جواد بولس و...

وهكذا أصبح أبو نزار صديقا لأبي وليد. فهل يتذكر محسن دلول آخر أيام كمال جنبلاط؟ هل كان قلقاً؟ يجيب «هو كان يعرف أنه سيُقتل. كان روحانياً. وقال له العرافون في الهند ذلك وحددوا له السنة. وأتذكر أن طائرة الرئيس الجزائري هواري بومدين كانت تقلنا ذات يوم وحدثت زوبعة ومطبات ولم يعد الكابتن قادراً على التحكم بها. خفنا كثيراً. ووحده كمال جنبلاط أخرج كتاباً وراح يقرأ بهدوء وأجاب من سأل عن هدوئه: لن اموت هنا بل في منطقتي». ويستطرد دلول: «نقلتُ له رسالة لاحقاً من وزير خارجية تونس حبيب الشطي مفادها: قلّ لكمال عن لساني بوجود خيوط تمشي في المنطقة وعليه ألا يحاول تقطيعها لأنها ستقطعه. نقلتُ له ذلك. كما عدتُ ونقلت لاحقاً رسالة الى رفيق الحريري مفادها: فلّ من البلد. وكلاهما لم يسمعاني. نقلت رسالتين مشؤومتين الى شخصيّن عزيزين في حياتي».



كتابه عن كمال جنبلاط




نقل رسالتين مشؤومتين الى اثنين إغتيلا على يد دولة طالما اعتبرها مقربة وراعية. أليس هذا غريباً؟ يجيب «لا أعتقد أنهما إغتيلا بقرار سوري. مرة التقيت أنا ووليد (جنبلاط) بالرئيس بومدين فسأل وليد: من قتل كمال جنبلاط؟ أجبته: الجميع شاركوا بقتله من خلال التخلي الدولي والموافقة العربية. أجابني بومدين: كل الحق معك. أضاف دلول: إغتيل كمال جنبلاط سياسياً قبل أن يغتال جسدياً».

استشهد كمال وخَلَفه وليد. وأمور كثيرة تغيرت يتحدث عنها دلول «يوم أتى وليد جنبلاط لم نفهم أن لكل واحد مزاجاً وثقافة ونظرة. أما نحن فكنا نخبره عن إنجازات والده وماذا كان يقول للسادات وبومدين والأسد وصدام حسين والملك عبدلله والملك فيصل. ولم نكن نتكلم عن وليد أبداً. كان هناك ما يشبه الغربة بيننا. ربما هو فارق العمر. وبعد استلام وليد بأسبوع واحد قرر نحو اربعين شخصاً من مسؤولي الحزب الإشتراكي الإستقالة. واتفقنا أن نغادر على مراحل. وحين بدأت الإستقالات تتوالى سألني وليد: هل ستتركني أنت أيضاً؟ أجبته: سأفعل كي ترتاح. أجابني: أريدك الى جانبي. لاحقاً فصلني وعاد بعد ثلاثة أيام وطالبني بالعودة. رفضت. وقد أدركت في ما بعد أنني كنت مخطئا لأنني أردت أن يكون نسخة طبق الأصل عن والده وهذا صعب. وأقول اليوم أن وليد نجح في السياسة أكثر من والده».

يفكّر (رمزي الحاج)



السياسة مثل الهواية

لم يكن محسن دلول يريد، على حد قوله، الدخول في السياسة «أنا أول شيعي في المنطقة يحصل على شهادة بكالوريا. طالبني الكثيرون بدخول السياسة لكنني لم أكن مقتنعاً. لكن، السياسة مثل الهواية، تكتسب تدريجياً. أوّل موقع رسمي تبوأه هو وزير زراعة وعُين عام 1991 نائباً عن منطقة بعلبك مكان صبري حماده. ولم يكن للوزارة مبنى في ذاك الحين فشغلنا مبنى المشروع الأخضر».

انتهت الحرب في لبنان. انعقد مؤتمر الطائف. وبدأت العمل على حلّ الميليشيات. لكن، قبل كل ذلك، كان هناك طموح رئاسي شديد شهد محسن دلول عليه. يقول «جاءني ضابط خدم في اللواء الثامن مع ميشال عون وقال لي: أثق كثيراً بهذا الرجل الذي أصبح قائداً للجيش. وهو يرغب في إقامة علاقات مع السوريين. أجبته: وما هو دوري؟ أجابني: مدّ جسراً بينه وبين سوريا. سألتُ ضابط آخر عن ميشال عون من رياق اسمه فهيم الحاج - كان قائداً لسلاح الطيران- فأجابني: ما تشد إيدك. وحذرني منه. ضعت. إعتقدت أن الضابط الحاج ماروني وقد تكون لديه مصالح ورغبة في أن يكون هو رئيساً للجمهورية. طرحت الموضوع على حكمت الشهابي فسألني: إفعل ما قال لك فهيم. في الموازاة، زارني مراراً ألبير منصور وألبير مخيبر وسمير عون. كانوا يشتغلون لعون. عدت واتصلت بالشهابي فاقترح أن يوجه الرئيس السوري دعوة الى ميشال عون. كانت السيَر الذاتية تصل الى سوريا من كل الجهات باستثناء واحد امتنع عن ذلك هو نسيب لحود. كنت أراهم يتلهفون على الرئاسة وأخذ الرضى وأتساءل: هل هكذا تكون السيادة؟ وأرسل ميشال عون سيرته الى سوريا عام 1988 وقال أمام السوريين في بلودان: «إذا انتخبت رئيسا سأكون سوري المنحى. وأخبر السوريين أن إيلي الفرزلي وكريم بقرادوني يعملان مع العراق. صرتُ أردد: أف أف أف... ما هذا الإنبطاح؟ فقال لي خدام: أنت معنا أو ضدنا؟ وفي الزيارة الثانية وافق السوريون أن يكون ميشال عون رئيساً وهذا ما أبلغه رفيق الحريري الى فايز قزي. لكن حصلت حادثة الهليكوبتر التي خطفها ضابط الى الجبل ( الضابط ماجد كرامه) وبدأ ميشال عون بالقصف. حصل ذلك مع وصول الأموال العراقية إليه فأعاد ترتيب خططه على أساس جديد».

التفاصيل كثيرة. ماذا عن تسليم الميليشيات السلاح؟ وماذا عن دخول سمير جعجع الى السجن في وقت كان دلول وزيرا للدفاع؟ يجيب «تعرفت على سمير زمن حلّ الميليشيات. صعدتُ إليه مع ألبير منصور أول مرة. ودعاني الى البقاء على الغداء لتناول الكبة البشراوية التي أعدتها والدته. وحصلت خلال ذلك مصارحة كاملة بيننا حضرها نادر سكر وجورج كساب. وأسس ذلك الى ثقة بيننا. كنت أزوره دائما وذات يوم سألني: إذا دخلت الحكومة من برأيك سيكون حليفي؟ أجبته: نبيه بري ووليد جنبلاط. لم يعجبه طبعاً ذلك. قلت له: هناك مصير مشترك بينكم. وأتذكر أننا أعدينا لجنة للتباحث في شأن السلاح ضمتني أنا وسامي الخطيب وميشال المر وروجيه ديب. ويوم التصويت كانوا قد وعدوا سامي (الخطيب) بأنه سيكون رئيس حكومة فمشى مع ما تريده الميليشيات وهو ما فعله أيضا روجيه ديب. فقال لي ميشال المر: إذا صوتنا فسنأكلها. تمارضنا وأجلنا الجلسة. المصالح تجمع. لاحقا، تدخل الراعي السوري فضبط الإيقاع وقال لسامي الخطيب «تضبضب».



مع جعجع

سجن سمير جعجع تحت سابع أرض. فهل التقى به وزير الدفاع محسن دلول آنذاك؟ يجيب «لا، لم ألتق به أبداً. ماذا سأقول له؟ عرفت منذ البداية أنه بريء من قصة الكنيسة. وقال لي ميشال رحباني أنه ضرب جريس الخوري كفين كي لا يعترف بعكس ذلك لكنه أصرّ. لم تكن هناك أي مصلحة لسمير بذلك. في كل حال، تأكدنا لاحقاً أن كل ما قاله كذب. وإذا سألتِ اليوم فأقول لك: هو بريء. لكن، ما حصل خدمه. السجن أعاد تكوينه من جديد. السجون تصنع رجالاً. أصبح جعجع زعيماً كبيراً مثل نهرو في الهند ومانديلا (نلسون في جنوب أفريقيا). الحبس للرجال ستّ نوال (متوجهاً لي) والظلم يعطي قوة.



رفيق الحريري

ماذا عن صداقته مع رفيق الحريري؟ يجيب دلول: «تعرفت عليه بواسطة وليد جنبلاط. كان يريد أن يبيعه مزرعة في جزين. ذهبنا سوياً الى السعودية. إلتقينا الأمير عبد لله ثم رفيق الحريري. كان وليد يحدثه عن مزرعته وهو يتحدث في السياسة. هذا كان اللقاء الأول. بعدها ذهبت الى فرنسا مع أولادي الذين كانوا يستعدون للمغادرة الى أميركا للتعلم. والتقيت هناك صدفة غبريال متى مالك الفنادق في دول كثيرة. دعانا الى مونت كارلو وهناك التقيت ريمون إده الذي كان في البوريفاج. تحدثنا عن ذكريات وكان متحمساً للحديث عن حصانه الذي تركه في البقاع. لاحقاً، إتصل بي الرئيس الحريري قائلاً: قال لنا وليد أنك هنا ونحن نجتمع على قاربي للتباحث في سبل حلّ الأزمة في لبنان. نتمنى أن تشاركنا اجتماعاتنا. أرسل لي سيارة وأقلتني. وشاركت كمشاهد بالنظارة. وحين انتهوا من إعداد الورقة الختامية (لاتفاق الطائف) بلّغوا كل القوى السياسية في لبنان أننا اتفقنا. إتصل وليد جنبلاط وطلب أن يتكلم معي قائلاً: إربح بعض الوقت قبل إعلان البيان الختامي. رجعت وقلت لهم: دعوني أبيّض البيان النهائي بنفسي. وافق الجميع. أعدت كتابته مع بعض الإضافات. كانوا قد تكلموا عن الإنماء المتوازن فأضفت: بعد إجراء إحصاء دقيق. هم لم يدققوا بالنسخة التي بيضتها وحين طبعت ووزعت قامت قيامة المسيحيين. المسيحيون ينزعجون من كلمة إحصاء. وبعد يومين، إتصل بي رفيق الحريري وقال لي: ربحت وقتاً و»كتّرت». كانت الهواتف على القارب تحت الرقابة والتنصت فسمع المخابرة التي جرت بيني وبين وليد».



وكتب عن رفيق الحريري




الأحداث كثيرة. وبين روايات محسن دلول الكثيرة يبدو واضحاً أنه ليس على وئام مع مروان حماده. فوليد جنبلاط إتكل عليه بالعرقلة و»ربح الوقت» وليس على حماده الذي كان هناك. ليس هذا فحسب، فالرئيس الحريري عاد واتصل بدلول وقال له: الفرنسيون والأميركيون يريدون لقاء مع أمين الجميل ووليد جنبلاط - الذي كان في سوريا - ذهبت الى حكمت الشهابي وطلبت منه أن يتكلم مع حافظ الأسد من أجل ذلك. وفي حال، لم يكن ما يراد فليعلن وليد فشل الإجتماع من باريس. وعلمتُ لاحقاً أن الرئيس حافظ الأسد أعجبته فكرتي وقال عني: أنقى من عين النسر. ذهبت مع وليد في طائرة صغيرة وفي مطار «لو بورجيه» جاء مروان حماده وأخذ وليد جنبلاط وتركني في المطار... إنها حكاية طويلة. وبعد أيام، بينما كان دلول يلعب الورق مع سمير فرنجية وجورج حاوي وسعدلله مزرعاني، إتصل به وليد جنبلاط معلناً فشل اللقاء.

ننظر في وجه محسن دلول. تغير الرجل كثيراً لكن ذاكرته تستمر وقّادة. وتستمر روح الدعابة تحاكيه في كل كلمة. هو كان (أقله في البداية) يحب تعليم الأدب العربي. وهو تسلل الى السياسة، كما تتسلل الهواية الى الإنسان، وتدريجيا أحبها. والسؤال التالي: هل يصغي أبو نزار الى كلام الناس؟ يجيب: إذا كان الكلام بريئاً. لكن، هل في السياسة اللبنانية براءة؟ يجيب «طبعاً. سليم الحص بريء. رفيق الحريري بريء. والبريء يتعذب. كمال جنبلاط أيضا تعذب.

خلاصة تجربته بقلمه



ماذا عن الأولاد والأحفاد؟

لدى دلول ثلاثة صبيان وبنت واحدة. ولديه اثنا عشر حفيداً. جميعهم في الخارج. وهل هناك بينهم من قد يصبح سياسياً؟ يجيب «جاد، حفيدي، يحب السياسة ويتمتع بالحنكة وهو طلب موعداً من دون معرفتي من نجيب ميقاتي، كما التقى وليد جنبلاط، وهما يتحدثان يومياً. وما هي نصيحة الجد الى الحفيد؟ أن يقرأ كثيراً وأتمنى ان يكون لديه مكان عند الجماعة الشيعية. أتمنى أن لا تبقى الأمور ضمن الثنائية الشيعية.

هو يتمنى ماذا عن القناعة؟ يجيب «لا شيء ثابت إلا الله. أؤمن بالتطور وبأن الحياة فيها إرتقاء وهبوط، وصعود الى الجبل ونزول، وأحيانا قد يحتاج أحد الى من ينزله عن الجبل.

وينهي محسن دلول الذكريات بخلاصة: الحياة رحلة قد تكون ممتعة وأحيانا حزينة وما بين الفواصل قد يكون أهم ما فوق الفواصل».