سناء الجاك

بلا إحساس

1 نيسان 2023

02 : 00

لم تكتشف الذرَّة بربارا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، عندما وصفت المسؤولين اللبنانيين بـ»عدم الإحساس»، ولم تخترع البارود عندما دعتهم إلى ضرورة إخراج بلدهم من أزمته. وقالت إنهم يفتقدون الشعور بالجدية لإخراج البلد من أزماته.

الأرجح أنّها بدت كطبيبة نفسية أو كمصلحة اجتماعية عندما قالت: «نحض القادة اللبنانيين على تبني الشعور بالإلحاح الذي افتقدوه»، داعية الى الإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية.

ونحن نقول للست بربارة: يطعمك الحج والناس راجعة، فغالبية اللبنانيين سبقوك، من الكندرجي إلى سائق التاكسي إلى أستاذ الجامعة إلى بائع الخضار ونسوة الحي. كلهم أشطر منك في تشخيص أمراض جماعة السلطة. ويعرفون أنّ حاكمك ظالمك وبلا إحساس. صحيح أنّ شرائح واسعة لا تزال تعتبر قلة الإحساس حكراً على زعماء الآخرين وأحزابهم، في حين أنّ زعيمها هو التّقيّ النّقيّ الطّاهِرُ العَلَمُ... لكن الصحيح أيضاً أنّ الوعي الشعبي جراء القهر المشترك، حتى في صفوف المريدين، بدأت تتبلور مفاعيله.

فالواضح أنّ مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، بذلت مجهوداً على الفاضي لتكتب تقريرها هذا، لتتحفنا بما توصلت إليه من نتائج باهرة. فالمسؤولون اللبنانيون احتلوا مواقفهم على الخريطة السياسية لأنهم بلا إحساس، إنجازاتهم تدل عليهم، وليس على دبلوماسيين من قماشة الست بربارة أن تنتظر إلى «يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» لتدينهم، فهم يعرفون أنّ لبنان في جهنم، و»ليس لديه مخرج آخر من أزمته سوى التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي». وهم يتجاهلون تحذير الصندوق شبه النهائي حول الوضع الاقتصادي، من أنّ «لبنان على مفترق طرق خطير... ومن دون الإصلاحات السريعة، سيغرق البلد في أزمة لن تنتهي أبداً».

والأهم، أنهم يتجاهلون أنّ صلاحيتهم في طور النفاد، ولم تعد تكفي ادعاءاتهم بأنهم يغارون على المال العام، وأنهم يعانون من الفساد أكثر مما يعاني أي مواطن نهبت أمواله وحقوقه، أو أنهم حاضرون لتحمّل مسؤولية أفعالهم.

كل ما يهمهم أن يستمر تشريفهم بتمثيل أحزاب وقوى سياسية تبتلي بنكسات متتالية جراء فائض الفساد والاستهانة بالناس وأحوالهم المعيشية. كل ما يهمهم هو العمل لاستمرار نظام الخوف من الآخر وتكريس الحاجة إلى الحزب الطائفي، وفق قاعدة ان الطائفة ستر وغطاء... ومن يغير عادته تقل سعادته.

كل ما يهمهم هو تمسيح الجوخ والتباري في الدفاع عن أولياء نعمتهم، حتى لو استوجب الأمر تحويل مجلس النواب إلى حلبة للشتائم لأنّ عبثهم وانتهاكهم للدستور والقوانين وفق مصالح هؤلاء الأولياء لم يعد يؤتي ثماره، وتحديداً لصدوره عن نائبين أعيدا إلى البرلمان حماية لهما، لأنهما وزيران سابقان مطلوبان للعدالة في جريمة تفجير مرفأ بيروت، وهما منتميان إلى حزب كان له ملفه المشين، كما بقية الأحزاب والميليشيات التي شاركت في الحرب الأهلية اللبنانية من العام 1975 إلى 1989، حتى أوقفها اتفاق الطائف... ولم ينهها على ما يبدو.

وأيضاً على ما يبدو، لم تعد الحلبة محكومة بالمصارعة الحرة مع حكم مرتش وحاكم يساهم في التنكيل ببقايا حياة اللبنانيين ويطلب إليهم أن «نتحمّل بعضنا لنمرّق الأزمة».

وقلة الإحساس لا تقتصر على الداخل بل تتجاوزه إلى دول كبرى، تبحث في مستنقعات الفساد والإهمال والفوضى عن مسارب تغذي عبرها صفقات ترتد عليها انتعاشاً اقتصادياً بالنهل مما تبقى من الموارد المحتملة في بلد ربما لن تعود محتملة قيامته، بفضل كل المتواطئين عليه.

ست بربارة اسمحي لنا... لم يعد يقنعنا أداء محلي ودولي «بلا إحساس» للمتاجرين بالبلد وناسه.


MISS 3