جو إنجي بيكيفولد

"خطة السلام" الصينية في أوكرانيا لا علاقة لها بالسلام

14 نيسان 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الرئيس الصيني شي جين بينغ في الكرملين | روسيا، 21 آذار ٢٠٢٣

لم يحقق اقتراح السلام الصيني في الملف الأوكراني أي نتيجة، إذا افترضنا أصلاً أن دافع بكين الأساسي يتعلق بإرساء السلام في أوكرانيا. تبدو النقاط الاثنتا عشرة في "موقف الصين من التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية" مبهمة لدرجة ألا تشكّل خريطة طريق لإنهاء الحرب، بل يُفترض أن تُعتبر المبادرة الصينية جزءاً من المنافسة المعلوماتية والدبلوماسية المحتدمة بين الصين والولايات المتحدة. طبّقت الصين نشاطاتها الدبلوماسية بوتيرة أبطأ من العادة طوال ثلاث سنوات تقريباً بسبب أزمة كورونا، لكنها أطلقت في الفترة الأخيرة عدداً من مبادرات السياسة الخارجية، أبرزها اقتراح السلام المزعوم في الملف الأوكراني، حيث تهدف الصين إلى تعزيز مكانتها مقارنةً بالولايات المتحدة في ثلاثة أماكن محددة: الجنوب العالمي، وأوروبا، وأوكرانيا في حقبة ما بعد الحرب.



أولاً، تريد الصين أن تطرح نفسها أمام الجنوب العالمي كوسيطة سلام مستقبلية. خلال الأسبوع الذي طرحت فيه بكين اقتراحها بشأن أوكرانيا، أصدرت أيضاً وثيقة تُحدد تفاصيل المبادرة الصينية للأمن العالمي. لم يكن تزامن الخطوتَين مجرّد صدفة. أعلنت الصين عن مبادرة الأمن العالمي للمرة الأولى في نيسان 2022، وهي أهم خطة وضعها الرئيس الصيني شي جين بينغ لطرح هندسة أمنية عالمية جديدة يتوسّع فيها دور الصين في حماية السلام الدولي، لا سيما في الجنوب العالمي، عن طريق الحوار، والتنمية، والمفاوضات. تعرف بكين أن عدداً من دول الجنوب العالمي ينظر إلى الحرب بين روسيا وأوكرانيا بطريقة مختلفة عن الغرب، ويميل للانحياز إلى روسيا، ويدعو إلى إنهاء الحرب في مرحلة مبكرة عبر التفاوض.

ثانياً، يُعتبر الاقتراح الصيني جزءاً من محاولات بكين لإعادة ضبط علاقاتها مع أوروبا. في شهر شباط، زار الدبلوماسي الصيني المرموق، وانغ يي، فرنسا وإيطاليا والمجر، وحضر مؤتمر ميونيخ للأمن في ألمانيا حيث أعلن اقتراح السلام الصيني في الملف الأوكراني. في ميونيخ، ناشد وانغ القادة الأوروبيين الحاضرين في المؤتمر وأعلن أن المواجهات التي شهدتها حقبة الحرب الباردة في السياسات العالمية لن تتجدد إذا اختارت الصين وأوروبا الحوار والتعاون. تظن بكين أن تبدّل السياسة الأميركية تجاه الصين وانتقالها من التواصل إلى فك الارتباط الاقتصادي والمنافسة الأمنية هو تغيير دائم. لكن تفترض بكين أن أوروبا لا تزال جزءاً من اللعبة وتدرك أن روسيا، لا الصين، تطرح أكبر التحديات الأمنية على أوروبا. كذلك، تعرف بكين أن أوروبا لا تستطيع أن تبقى حيادية بالكامل بين الولايات المتحدة والصين. لكن كان المؤرخ رانا ميتر من جامعة "أكسفورد" محقاً حين قال إن الصين ستتابع تذكير الأمم الأوروبية بأن "التمسك بالخط الأميركي ليس الخيار الوحيد". نظراً إلى خسارة الصين الحتمية للولايات المتحدة، هي تريد أن تحمي علاقتها الاقتصادية مع أوروبا على الأقل وأن تضمن استمرار تعاونها معها في مسائل عالمية متنوعة.

لا شك في أن نظرة أوروبا إلى الصين تغيّرت بطريقة جذرية خلال السنوات القليلة الماضية، فقد تبنّى صانعو السياسة والشركات في أوروبا نظرة أكثر تنافسية تجاه الصين، حتى على المستوى الأمني. في العام 2019، نشر الاتحاد الأوروبي وثيقة استراتيجية حيث اعتبر الصين "منافِسة منهجية". وفي العام 2021، قررت بروكسل تجميد الاتفاق الاستثماري بين الاتحاد الأوروبي والصين. كذلك، اتخذ صانعو السياسة الأوروبيون الخطوات اللازمة لاستعمال عدد من الأدوات الدفاعية الجديدة، منها التدقيق الاستثماري، وقوانين التجارة، والمعاملة بالمثل في مجال المشتريات. في الوقت نفسه، اعتبر مفهوم الناتو الاستراتيجي في العام 2022 الصين تحدياً أمنياً محتملاً على أوروبا. حتى أن استمرار الدعم الصيني للحرب الروسية في أوكرانيا زاد الأضرار المترتبة على علاقة الصين مع أوروبا.

لكن رغم هذه الانتكاسات، تستنتج بكين دوماً أن أوروبا توجّه رسائل مختلطة. يتكلم القادة وصانعو السياسة الأوروبيون عن المنافسة والخصومة مع الصين، لكنهم يعبّرون في الوقت نفسه عن رغبتهم الشديدة في متابعة التعاون مع الصين. عندما زار المستشار الألماني أولاف شولتس الصين في تشرين الثاني 2022، مع وفد مرموق من رجال الأعمال، أخبر رئيس الوزراء الصيني السابق لي كه تشيانج بأن البلدين لا يؤيدان فك الارتباط. وخلال المنتدى الاقتصادي العالمي هذه السنة في دافوس، سويسرا، ذهب وزير المال الفرنسي برونو لومير إلى حد التكلم عن استحالة استبعاد الصين وضرورة إشراكها في جميع المبادرات. هو قال إن الولايات المتحدة وأوروبا تحملان وجهات نظر مختلفة حول طريقة التعامل مع الصين. كذلك، أعلن شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنهما يعارضان أي عالم ثنائي القطب، ما يثبت أنهما يتوقعان دوراً مستقلاً لأوروبا في الشؤون الدولية. ترحّب الصين بالأفكار الفرنسية عن الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية، وهي رسالة ينقلها القادة والدبلوماسيون الصينيون إلى نظرائهم الأوروبيين في معظم الحالات. من المتوقع أن تكرر بكين هذه الرسالة أمام ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، خلال زيارتهما المشتركة إلى الصين هذا الأسبوع.

يجب أن يتشجّع القادة الأوروبيون على متابعة التحاور مع بكين وأن يتطرقوا أيضاً إلى الحرب الروسية في أوكرانيا. لكن يجب أن يُكَوّنوا نظرة واقعية عما يستطيع شي جين بينغ فعله أو ما ينوي القيام به لجعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوقف الحرب. قد تظن حكومات أوروبية أن إبعاد بكين عن موسكو ممكن، لكن يبقى هذا السيناريو مستبعداً.

ثالثاً، يُعتبر اقتراح السلام الصيني جزءاً من جهود بكين للمشاركة في إعادة بناء أوكرانيا بعد حقبة الحرب. تنص وثيقة الصين المرتبطة بأوكرانيا صراحةً على استعدادها لتقديم المساعدات والمشاركة في إعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع. ما من بلد أكثر جهوزية من الصين لإعادة بناء أوكرانيا، فهي بَنَت سكك حديد، وطرقات سريعة، ومطارات، وجسوراً، ومبانيَ شاهقة، محلياً وخارجياً، أكثر من أي دولة أخرى في آخر عقدَين أو ثلاثة عقود، ما يعني أن الشركات الصينية تتمتع بخبرة فريدة من نوعها في هذا المجال. كذلك، تملك الصين أموالاً كافية. يُفترض أن يكون الترحيب بالمساعدات والخبرات والاستثمارات الصينية اقتراحاً مغرياً بالنسبة إلى أوكرانيا. من وجهة نظر بكين، تسمح المشاركة في إعادة إعمار أوكرانيا بتقوية تواصل الصين العام مع أوروبا.

لكن تواجه بكين عاملاً معقداً آخر بسبب توسّع الروابط بين كييف والاتحاد الأوروبي، وحلف الناتو، وواشنطن. قبيل القمة التي جمعت الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا في كييف، في شهر شباط من هذه السنة، أعلن رئيس الوزراء الأوكراني، دينيس شميهال، جدولاً زمنياً يمتد على سنتين لضمان عضوية البلد في الاتحاد الأوروبي. قد تكون هذه الخطة طموحة أكثر من اللزوم، لكن تخطط أوكرانيا للاصطفاف إلى جانب أوروبا التي تزداد تخوّفاً من قوة الصين المتزايدة. يشعر عدد كبير من البلدان الأوروبية بالقلق من الاستثمارات الصينية في البنية التحتية الأساسية، ويبدو الاتحاد الأوروبي مُصمّماً على أداء دور بارز في إعادة إعمار أوكرانيا وتعافي البلد لضمان تطبيقه للإصلاحات بهدف تحضير كييف للانتساب إلى الاتحاد. وإذا لم تعد أوكرانيا مستعدة للحفاظ على دورها كدولة عازلة بين حلف الناتو وروسيا، يقضي الخيار الوحيد أمام كييف بالبحث عن ضمانات أمنية معينة من الناتو و/أو الولايات المتحدة، ما قد يسمح بإبعاد أوكرانيا عن بكين. لكن لم تغلق أوروبا الباب بالكامل في وجه الصين بعد. وما لم تنضم أوكرانيا إلى حلف الناتو رسمياً، وهو أمر صعب طالما تستمر الحرب مع روسيا، قد تتحول الاستثمارات الصينية إلى شكلٍ بديل من الضمانات ضد العدوان الروسي. ونظراً إلى اتكال موسكو المتزايد على الصين، قد تصبح الاعتداءات العسكرية الروسية التي تؤثر على مشاريع البنية التحتية المرتبطة بالاستثمارات الصينية في أوكرانيا مستبعدة.

لكن تتمتع الصين في نهاية المطاف بقدرة محدودة على فرض حل سلمي للحرب الروسية الأوكرانية. تدعو خطة السلام التي طرحها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال قمة مجموعة العشرين في بالي، في تشرين الثاني الماضي، إلى استرجاع سيادة جميع الأراضي الأوكرانية وانسحاب القوات الروسية بالكامل. من المستبعد أن تطلب بكين من موسكو التصرّف على هذا الأساس. لهذا السبب، تشكك واشنطن ومعظم العواصم الأوروبية بمبادرة الصين. حذرت الولايات المتحدة وأوكرانيا حديثاً من إعطاء أي أهمية لخطط السلام البديلة التي تهدف إلى وقف إطلاق النار من دون انسحاب قوات الغزو الروسية بالكامل.

لكن رغم عجز مبادرة السلام الصينية عن إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، ما كانت بكين لتخسر شيئاً من خلال طرح اقتراح مبهم في الملف الأوكراني. حتى أن هذا الاقتراح يسمح لبكين بالاستفادة من الشرخ القائم بين الغرب والجنوب العالمي في ملف الحرب. وإذا كان الاقتراح يساعد الصين أيضاً على تحسين علاقتها المتدهورة مع أوروبا ويزيد فرص التواصل مع أوكرانيا بعد الحرب، لن يكون هذا الإنجاز بسيطاً بأي شكل.


MISS 3