رفيق خوري

من لقاء الأدوار إلى صدام المصالح

7 آذار 2020

08 : 00

لبنان ينطبق عليه قول قديم عن قوم "في الدرك الأسفل يتطلعون إلى النجوم". ليس لأنه يتطلع إلى العالم لإخراجه من الدرك الأسفل في الأزمات، فهذا أمر طبيعي، بل لأنه يراهن ويتطلع إلى ما لا يرى سوى مظاهره: صراع جيوسياسي في المنطقة، أحدث فصوله معركة ادلب. والمراهنون طرفان: واحد يقوده "حزب الله" المشارك في المعركة، ويرى انتصار "محور المقاومة" وانعكاسه على لبنان. وآخر يقرأ في قول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف "إن أهداف روسيا وإيران وتركيا ليست متطابقة في سوريا"، فيرى ما يؤكد رهانه على فصل جديد في السيناريو: تفاهم روسي – أميركي على إخراج إيران وتركيا من سوريا، وترتيب تسوية سياسية تبدأ مرحلة جديدة في سوريا وتبدّل المناخ السياسي في لبنان والمنطقة وتعيد الروح للإقتصاد.

لكن معركة ادلب ليست نهاية حرب سوريا. ونهاية الحرب ليست نهاية الأزمة التي قادت إلى الإنتفاضة والحرب. وأكثر من يعرف ذلك هو الرئيس فلاديمير بوتين الذي يدير اللعبة كلها. في البدء كشريك للرئيس باراك أوباما في رعاية مسار جنيف لعب الورقة على الوجهين: سياسة "زرع الشوك على طريق أميركا"، وتكتيك التعاون والخلاف على تفسير "بيان جنيف" لتأخير التسوية السياسية كي لا تأتي على حساب النظام الذي كان في وضع ضعيف. وهو مارس قول فلاديمير لينين: "أضرب الجدار بقبضتك في نعومة، فإن كان صلباً تراجع، وإن كان ليناً أضرب بقوة". وعندما اكتشف أن الجدار الأميركي ناعم قرر الدخول العسكري في حرب سوريا.

بعد الدخول في خريف 2015 أدار بوتين اللعبة بالشدة في القصف واللين في ترتيب اتفاقات الهدنة: قضم ثم استراحة هضم. ترك داعش لأميركا والكرد، وركز على استعادة الأرض للنظام. ثم أشرك إيران وتركيا في "ضمان" خفض التعقيد. والآن مرحلة التصادم. إيران وميليشياتها تقاتل إلى جانب النظام تحت المظلة الروسية. وتركيا وميليشياتها تهاجم ضد إرادة موسكو حيناً وبتفهمها حيناً آخر. وها هو الرئيس أردوغان يبلع تهديداته ويذهب إلى موسكو للحصول على اتفاق لوقف النار.

ولا أحد يعرف إلى أي حدّ يستطيع بوتين الإستمرار في دور "الأكروبات" الذي يبقي الكرات في الجو: أميركا وإيران وتركيا والنظام واسرائيل. لكن صدام المصالح دقت ساعته بعد لقاء الأدوار. فما كسبته روسيا في سوريا كبير، ولا تستطيع توظيفه بلا تسوية سياسية وإعادة إعمار. والتسوية ليست حالياً في مصلحة تركيا وإيران ودمشق.

واليوم وقف نار. وغداً نار. وبعد غدٍ يأكل الكبار الصغار.