مايا الخوري

الشاعر حبيب يونس: نبتعد عن الأصالة فأشدّ للعودة إلى جوهرها

10 آذار 2020

11 : 31

كل ما تراه عيناه، تترجمه أنامله نصوصاً، فمؤلفاته كتاب مفتوح عنيومياته، نقرأ فيه بالفصحى والعامي، شعراً ونثراً. حبيب يونس، إسم يختصر الشعر، الصحافة، الإعلام، الكتابة السياسية والقصصية والموسيقى، أصدر أخيراً مؤلفيه "يمكن ع بال الغيم شربة مي" و"أيقونات الغيم والتراب"، الأول شعري، والثاني نثر فني يتكاملان بحب الطبيعة والأرض. بمناسبة صدور مؤلفيه الجديدين كان لـ"نداء الوطن" حديث معه:


الشعر مرآة لحياة الشاعر ربّما، إنمّا وظيفته أن يكون مرآةً للنفس، خصوصاً عند بعض المنخرطين في الحياة العامة الإنسانية أو الإجتماعية، فيعبّرون عنها بشكل أو بآخر. إنما الأهم بالنسبة إلى الشاعر حبيب يونس هو أن يأخذنا الشعر إلى مكان بعيد نحتاج الكثير لبلوغه، وهذه هي لعبة الخيال.

لا يخفي يونس أن أفكاراً كثيرة طرحها شعراء، تحوّلت علماً. "فعندما قرر عباس بن فرناس أن يطير، جاء ذلك قبل دي فنشي والأخوان رايت. وعندما صعد جافلين إلى القمر وسان إكسوبيري إلى كوكب، شغّلا العقل وحرّكا العلم. لذا عندما يشطح الشاعر في خياله يوصلنا إلى العلم، فيدلّه إلى تطور الإنسانية". باختصار الشعر وفق يونس "ضمير الإنسان وخلاصه، فيه صلاة وشيء من الربّانية، حتّى أن القيامة الحقيقية قد تشبه إحدى النظريات الشعرية".

بعض الشعراء إلتزم إمّا المحكي أو الفصحى في المؤلفات، فيما تكتب الإثنين؟ جاوب: "يجب أن يكون الشاعر متمكّناً من عدّات الشعر التي تشكّل اللغة أحد عناصرها. فمفتاح أي نصّ أو قصيدة، كلمة أو عبارة أطوّرها، لتنبثق الفكرة، فتكون حيناً بالعاميّة وحيناً آخر بالفصحى. فضلاً عن أن المناسبة التي أشارك فيها تحكم أيضاً هوية اللغة، فأعطي لكل مقام مقاله". لافتًا إلى عدّة الشعر الأساسية:" معرفة اللغة والأوزان". 

واستطرد:"طالما أن العاميّة مسار جديد لمدرسة لم تتخطَ 60 عاماً، بعضه مستند إلى التجارب الأولى وبعض آخر في طور التجربة، ستنبثق آفاق جديدة للشعر ومناخات جديدة، خصوصاً أننا في منطقة تتميّز بإختلاط الثقافات وبالتالي المعرفة، ما قد يساهم بتكوين أفق جديد للشعر أو طرق جديدة له غير مسبوقة". وعما إذا كانت كتابة الشعر ترتكز على الموهبة أم الدراسة، جاوب:" يُفترض أن تكون موهبة. طالما أن الشعر والموسيقى متلازمان، وفق جرجي زيدان، والإنسان تكلّم شعراً أولاً ودمج القصيدة باللحن، ففي داخل كل منّا شاعر موزون، لأن الإنسان بطبيعته كذلك. لذا ما يختلف بين إنسان وآخر هو محيط نشأته، فإيقاع ابن الصحراء يختلف مثلا عن ابن الجبل، وهذه، تأثيرات ثانوية على الأصل".




وأضاف: "لو لم يكن والدي الشاعر أنطون يونس، مؤسس فرقة زجل، عايشتها في صغري لما كنت ربّما شاعراً. بعدها دلّني أساتذتي إلى اللغة والشعر. إنما هذا غير كافٍ، يجب دعم الموهبة بتطوّر ذاتي من خلال تكثيف القراءة والدراسة والتعلّم من تجارب الآخرين، لتقديم تجربة جديدة بدلا من الإنطلاق العبثي".

وفي مفهومه للكلاسيكية قال: "لا تنبع من عبث، بل هي جمع خلاصات لما سبق وهي المرجع، فتكمن أهمية الشاعر في كسر التابو من ضمن الجوهر، خصوصًا أن ما نعيشه اليوم هو مجموع المدارس الثقافية والأدبية والفنية التي وُجدت سابقًا لكنها لم تتطوّر لتصبح مدرسة". وردًا عن سؤال حول الرابط ما بين مؤلفاته الـ19، قال:" أسلوبي سواء بالفصحى أو بالعامية أو بالنثر الفني. أظنّ أن من يقرأ نصاً ما، يُدرك أنني الكاتب من دون توقيعي. وهذا ما يهمني فعلاً. إلى ذلك لا يمكنني تشبيه أعمالي في "الغزل" بموضوع علمي كتبته عن بحور الشعر.

لذا ما يجمع مؤلفاتي كلها هو "أنا" مكتملاً بمراحل عدّة، وما يفرقها هو اختلاف المواضيع".الغيم، التراب، الماء، مشتركة بين المؤلفين، فأي رابط مع الطبيعة؟ قال:"الأرض أساسية بالنسبة إليّ، فضلا عن الحنين إلى العائلة، شروال جدّي ، صنّارة جدتي، حضن والدتي، عرق والدي. نحن نبتعد راهنًا عن الأصالة، فيما أشدّ بها للعودة إلى جوهرها. أمّا الغيم فهو مختصر كل شيء لأنه يولّد المطر، والماء هي الحياة. لدي عطف غريب تجاه الغيم ربما لأنه شارد، يتيم، فقير بين الأرض والسماء، ربما هو عطشان أو مشتاق إلى الناس، لهذا السبب كتبت:" يمكن ع بال الغيم شربة مي".

هذان المؤلفان يكمّلان بعضهما البعض، وهما نوع من الومضات ونصوص قصيرة".وعن الفارق ما بين التغزّل بامرأة حقيقية أو خيالية كما حصل في مؤلفه "لوز النعس"، قال:" لا مفاضلة، الغزل هو الجمال من منظاري الشخصي. فعندما أتغزّل بامرأة، يجعلها حبي أجمل. وهذا الغزل لا يختلف تجاه امرأة إبتكرتها في نصّي. فما أخترعه أحاول الإرتقاء به إلى مطلق الجمال، لأجسّد الله عن حقّ، لأن الله هو الجمال المطلق، وبمقدار ما نقترب نحوه نكون أجمل".

وعن الأهمية الثقافية لجمعية "تجاوز"، إعتبر أن مهمة المنتمين إليها الإنفتاح على الفكر وتجاوز المألوف والموروث مع المحافظة على جوهره لنتعلّم عِبره ونتلافى شوائبه وأخطاءه وفي الوقت نفسه نفتح الآفاق على العصر. ولكنّ ثمة فراغاً على صعيد المفكّرين والمثقفين والصحافيين الكبار؟ جاوب:" صحيح رحل كبار، ولكن ينشأ أناس سيصبحون كبارًا في المستقبل، هناك من يسلّم الشعلة. وراء العلم فكر، والشعر جزء من الفكر".



وعن إندثار الصحافة المكتوبة واستبدالها بالصحافة الإلكترونية، قال:" الصحيفة الأولى كانت "صحيفة الحائط" في الصين، وقتها لم تكن هناك صحف مطبوعة حتى تحققت الثورة الصناعية الكبرى والطباعة. عالم الإنترنت عصر جديد، فما يهمّني هو قراءة الموضوع سواء نُشر في صحيفة مطبوعة أو إلكترونية. إنما تكمن المشكلة الأكبر في عدم توافر قرّاء، حيث أشار إحصاء رسمي في العام 2008 من ضمن حلقة تلفزيونية لي، إلى أن الشعب اللبناني يقرأ 8 دقائق فقط في العام. إلى ذلك هناك مشكلة أخرى، وهي توقّف صحف عن الصدور بسبب توّقف التمويل الخارجي، وتوّقف صحف أخرى بسبب تراجع سوق الإعلانات والتمويل الخاص، وهي لأناس نذرت حياتها للصحافة المكتوبة مثل جورج شحادة". 

من جهة أخرى وإنطلاقًا من كتابه "فليفساء"، رأى يونس أن السياسة تؤسس للمستقبل ولا تقوم على مصادر. لافتاً إلى انحدار الصحافة كلها، كونها انجرّت وراء الهجومات الشخصية والإعتبارات المصلحية. وقال:"إن كتابي بنّاء، أعلن موقفي، وأنتقد الآخر بالحجة وليس بالشخصي. وعندما تقارع الحجة بالحجة نستطيع تحقيق عصف فكري للوصول إلى الأفضل". 

وماذا عن واقع الإعلام المرئي؟ قال: "3 مواضيع إن لم تتوافر في برنامج تلفزيوني سقط: الجنس والإغواء، الأبراج والطعام، وهذه تحاكي غريزة الإنسان. كأن المشرف على هذا النمط الإعلامي يعتبر المُشاهد حيواناً يحاكي غريزته". وأضاف:"يمكن أن تكون الثقافة مواكبة للعصر لا جامدة، فيكون تلقينها بطريقة سهلة، لأن الثقافة هي المستند الذي ننطلق منه لبناء السياسة، وما دامت السياسة أخطر علم لأن مادتها هو الإنسان".


من ديوانه الجديد


صَوْت بْعيدْ

من ديوانه الجديد

هَـ الصَّوْت سَجْرا

ناقِصا عَصْفورْ،

يِلْفي عْلَيا

وْيِرْتي جِرِحْ بِخاطِرا الْمَكْسورْ.

هَـ الصَّوْت شَمْس

وْلَهْفتي تَ تِغْمرو

أَرْض وْعَ بالا توقَف قْبالو،

وتِتْمرّى بْقَصيدِةْ ريحتو...

وْما تْدورْ.


MISS 3