رفيق خوري

بداية مسار صعب: من يزيل الحواجز؟

11 آذار 2020

09 : 00

كان مكتوباً على الجدار أننا سنصل إلى العجز عن دفع الدين العام. لكن التركيبة السلطوية استمرت في استسهال الإقتراض لتمويل العجز وضمان الأرباح للنافذين ورعاية الفساد والهدر والسطو على المال العام والمال الخاص. وحين دقت ساعة الحساب لم يبق أمامنا سوى إعلان الإفلاس برأس مرفوع.

فليس أمراً عادياً أن يعترف رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب بأن "الدولة لم تعد قادرة على حماية المواطنين وتأمين الحياة الكريمة لهم" من دون التسليم بالمعنى الدستوري والقانوني لذلك: فقدان الشرعية. ولا كان ما قرره مجلس الوزراء والأوصياء على الحكومة من "تعليق" سداد الدين مجرد قرار غير عادي بمقدار ما هو مسار يتطلب اتخاذ قرارات كثيرة تقطع مع الماضي.

ومن الطبيعي أن يبدأ النقاش في الشكل ثم في المضمون. السؤال في الشكل هو: هل كان عرض الموضوع قليل الإقناع بسبب ضيق الوقت أم كان يمكن الإقتداء بالجنرال ديغول القائل: "إن الطريقة التي تعرض بها المشكلة قد تكون أفضل من النتائج؟" والمسألة في المضمون ليست تفضيل الحل الداخلي على التوجه إلى صندوق النقد الدولي بل مدى القدرة أو العجز عن تجاوز الحواجز على طريق الحل الداخلي. فلكل خيار أنصاره وإيجابياته وسلبياته. وأسوأ خيار هو تطبيق بعض وصفات صندوق النقد من دون دولاراته.

ذلك أن إعادة هيكلة الدين العام ليست حلاً من دون أن ترافقها إعادة هيكلة الإقتصاد. وفي الحالين شيء من الإصطدام بأصحاب النفوذ الذين كدسوا الأرباح على حساب الدين العام. وشيء من ممانعة الذين حرصوا على توظيف الرأسمال المالي في اقتصاد الريع بدل ممارسة سياسات الإقتصاد المنتج. وشيء من التصور أن دولة مفلسة تستطيع إنقاذ البلد. وكيف؟ بالإعتماد على الذين قادونا إلى هاوية الإفلاس.

التحدي الكبير هو الإنتقال من مرحلة الإتفاق على المحاصصة في توزيع الأرباح إلى مرحلة توزيع الخسائر في دفع فاتورة الإصلاح الجذري. فما نحتاجه هو تغيير السياسة والأدوات والأداء. وما لم يعد استمراره ممكناً هو تحميل الطبقتين المتوسطة والفقيرة الثمن وترك الذين أُثروا بالصفقات والنهب والمقامرة بأموال المودعين يكدسون المزيد من الأرباح.

من المفارقات أن لبنان الذي بلا دولة تقريباً "مدوّل" مالياً واقتصادياً وسياسياً، ومطلوب منه رفض الوصاية المالية الدولية. وليس غريباً أن ندور وندور على طريق الحل الداخلي ثم نعود إلى صندوق النقد الدولي. والرجاء ألّا نجد أنفسنا نردد قول الرئيس ايزنهاور: "ابقوا التكنوقراط خارج السلطة".