إرنست مونيز

تسلّح كوريا الجنوبية نووياً... سوء تقدير خطير

29 نيسان 2023

02 : 00

رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول متوسطاً نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مأدبة غداء تكريماً لزيارته الرسمية في وزارة الخارجية | واشنطن العاصمة، 27 نيسان 2023

يواجه الرئيس الأميركي جو بايدن مهمة شاقة هذا الأسبوع، فهو يستعد للقاء رئيس كوريا الجنوبية، يون سوك يول. يتعامل البلدان مع تهديدات مشتركة نظراً إلى زيادة قدرات كوريا الشمالية النووية، فضلاً عن نزعة الصين المحتملة إلى تطوير قوتها النووية. نتيجةً لذلك، أصبحت الحاجة إلى تكثيف التعاون لمعالجة هذه المشاكل وتحديات دولية أخرى، بما في ذلك الحرب الروسية في أوكرانيا وتطوير طاقة نظيفة لكبح التغير المناخي، مُلحّة أكثر من أي وقت مضى. في هذه الظروف، من المقلق أن يتطرق البعض في كوريا الجنوبية إلى فكرة تطوير أسلحة نووية علناً.

حتى يون وافق على توجّه هذا المعسكر حين قال، في شهر كانون الثاني، إن كوريا الجنوبية ستفكر ببناء ترسانتها الخاصة إذا تصاعدت تهديدات كوريا الشمالية. عاد يون وتراجع عن هذه التصريحات، لكن أثارت تعليقاته اهتمام المجتمع الدولي، إذ نادراً ما يتطرق أي بلد إلى موضوع تطوير الأسلحة النووية علناً، فكيف لو كان ذلك البلد ديمقراطية متحالفة مع الولايات المتحدة؟

لم يكن يون المسؤول الوحيد الذي ألمح إلى الخيار النووي، فقد دعا أوه سي هون، عمدة سيول ومرشّح محتمل للرئاسة مستقبلاً، إلى تطوير هذا النوع من الأسلحة لتلبية الحاجات الأمنية لكوريا الجنوبية. قد يطرح السياسيون أبرز البرامج المرتبطة بهذا الملف، لكن انبثق جزء من أقوى الأصوات التي تدعو إلى تصنيع أسلحة نووية من منظمات بحثية بارزة في كوريا الجنوبية. تكشف استطلاعات الرأي أن مشروع تصنيع ترسانة نووية محلية يحصد دعماً شعبياً كبيراً، لكن قد يتغير هذا الوضع حين تصبح مخاطر هذه الخطوة جزءاً من النقاش العام. يُفترض ألا يبالغ أحد في تصديق بعض استطلاعات الرأي والتعليقات التي يدلي بها المواطنون العاديون، لكنّ المواقف العشوائية التي يتخذها القادة تترافق مع تداعيات معينة، وقد حان الوقت كي تستعيد كوريا الجنوبية تماسكها إذا أرادت الاحتفاظ بدورها القيادي البارز في النظام العالمي. يجب أن يستفيد بايدن من القمة المرتقبة إذاً لتوضيح هذه المسألة.

تبدو التهديدات المطروحة على بلد يون حقيقية، لكن لن يكون إطلاق برنامج للأسلحة النووية في كوريا الجنوبية حلاً للمشكلة. بل إن مساعي اكتساب هذه الأسلحة في سيول، التي تُعتبر جزءاً أساسياً من النظام العالمي الذي يمنع الانتشار النووي وتستفيد من المعاهدة الدفاعية والمظلة النووية الأميركية، قد تؤدي إلى قطع جزء من أهم العلاقات الجيوسياسية التي يقيمها البلد بلا مبرر. نتيجةً لذلك، قد تصبح كوريا الجنوبية معزولة، ويضعف دورها كمُصدّرة أساسية للتكنولوجيا في الاقتصاد العالمي، ويصبح التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية مُهدداً، ويتراجع دور سيول كلاعبة جيوسياسية كبرى، ولا ننسى زيادة المخاطر النووية في المنطقة.

أصبح النقاش النووي في كوريا الجنوبية وعلاقة الردع المتوسعة مع الولايات المتحدة أكثر تعقيداً بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. طرح بعض مراقبي كوريا الجنوبية ادعاءً مثيراً للشك مفاده أن التهديدات النووية التي يطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منعت التورط العسكري الأميركي المباشر في أوكرانيا، وتساءلوا عن قدرة كوريا الشمالية على استعمال التكتيكات نفسها ضد الولايات المتحدة إذا تورطت في صراع مع جارتها الجنوبية. كذلك، حاول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب منذ سنوات قليلة انتزاع مساهمات دفاعية متزايدة من كوريا الجنوبية عبر التهديد بسحب القوات العسكرية من شبه الجزيرة. يجب ألا يستخف أحد بالضرر الذي أحدثه ترامب حين أضعف ثقة الآخرين بالضمانات الأمنية الأميركية في مناطق جغرافية متنوعة. ورغم الجهود الكبرى التي تبذلها إدارة بايدن لإصلاح ذلك الضرر، تُقيّم كوريا الجنوبية صوابية اتكالها على الرؤساء الأميركيين المستقبليين لدعم هذا التحالف والضمانات الأمنية التي يقدّمها.

لكن لن تعالج كوريا الجنوبية مشاكل الأمن القومي عبر تطوير نظام ردع نووي، بل إن هذه الخطوة ستنتج تحديات جديدة وعواقب قد تكبح صعود سيول كقوة رائدة عالمياً، وتُهدد الازدهار الاقتصادي والأمن القومي في الوقت نفسه. يجب أن تفهم حكومة كوريا الجنوبية وشعبها حقيقة هذه المخاطر بالكامل قبل أن تفكّر بهذا المسار المحفوف بالمخاطر.

صُمّم نظام منع الانتشار النووي العالمي بعد تقييم العواقب المحتملة، علماً أن جزءاً كبيراً منها سيكون حاداً. اضطلعت الولايات المتحدة بدور محوري لابتكار هذا النظام والحفاظ عليه. منذ منتصف الستينات، كثّفت الولايات المتحدة جهودها داخل هذا النظام لمنع الانتشار النووي في دول الخصوم والحلفاء على حد سواء. يُفترض أن تُطبَّق السياسة نفسها مع كوريا الجنوبية أيضاً.

تستطيع واشنطن اللجوء إلى أدوات عدة في حال انتهكت كوريا الجنوبية واجباتها الواردة في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، أو أقدمت على تخصيب أو إعادة معالجة أي مواد تقدّمها لها الولايات المتحدة انطلاقاً من اتفاق التعاون النووي المدني بين الطرفين، أو إذا تلقت تكنولوجيا للتخصيب أو إعادة المعالجة من مصادر أخرى. وإذا تجاوزت كوريا الجنوبية أياً من هذه الخطوط الحمراء، تستطيع الولايات المتحدة أن تلغي تعاونها في مجال الطاقة النووية مثلاً وتنهي أنواعاً معينة من المبيعات العسكرية والمساعدات الاقتصادية، بما في ذلك الاعتمادات أو القروض الأميركية التي تتلقاها كوريا الجنوبية. وإذا ذهبت سيول إلى حد اختبار جهاز نووي، ستضطر الولايات المتحدة لوقف بيع المعدات الدفاعية وتصديـــر بعض التقنيات الأساسية إلى كوريا الجنوبية المسلّحة نووياً، بموجب "قانون غلين المُعدّل" في العام 1977. لكن على عكس الحالة السابقة، لا وجود لأي إعفاءات من عقوبات "قانون غلين"، ما يعني ضرورة تطبيقها حتى لو ترددت أي إدارة أميركية مستقبلية في فرض العقوبات على سيول.

قد تتّضح أسوأ العواقب في قطاع الطاقة الكوري الجنوبي. يوفّر برنامج الطاقة النووية في كوريا الجنوبية حوالى 30% من كهرباء البلد، وهو يتكل على استيراد وقود اليورانيوم، ما يعني أنه سيتأثر بالرد الدولي بقوة لأن الدول التي تزوّد البلد بوقود نووي، كجزءٍ من مجموعة الموردين النوويين، ستضطر لحرمان كوريا الجنوبية من هذه الإمدادات، بموجب التوجيهات الدولية، إذا تخلى البلد عن اتفاقية الضمانات التي التزم بها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقد يفضّل الكثيرون وقف المساعدات أيضاً حتى لو لم تتجاوز كوريا الجنوبية هذه العتبة. بعيداً عن إمدادات الطاقة المحلية، من المستبعد أن تنجح خطة سيول الطموحة بالتحول إلى مُصدّرة أساسية للمفاعلات النووية، وهو واحد من أبرز أهداف سياسة يون. باتت القوة النووية تحظى بقبول متزايد باعتبارها أداة مهمة لمحاربة التغير المناخي، ومن المنتظر أن يتوسّع نطاقها في أجزاء عدة من العالم. سبق وانتشرت تكنولوجيا المفاعلات النووية الكورية الجنوبية، بدعمٍ من سلسلة الإمدادات الأميركية، في الإمارات العربية المتحدة، وقد يُمهّد عدم الاستفادة من هذا النجاح الواضح لتوسيع النفوذ الروسي والصيني في الشرق الأوسط ومناطق أخرى.

من المتوقع أن تعارض الصين، جارة كوريا الجنوبية وأكبر شريكة تجارية لها، تَسلّح سيول نووياً، حتى أنها قد تكثّف ضغوطها العسكرية والاقتصادية لمنع هذا التطور. من المنطقي أن تتجاوز هذه العقوبات تلك التي فرضتها بكين بعد نشر نظام الدفاع الصاروخي الأميركي في سيول، في العام 2017، علماً أن هذه الخطوة كلّفت كوريا الجنوبية مليارات الدولارات.

في غضون ذلك، ستتأثر سمعة كوريا الجنوبية ونفوذها بدرجة كبيرة إذا قرر البلد تصنيع أسلحة نووية. يصعب أن يُسمَح لكوريا الجنوبية باستضافة اجتماعات دولية كبرى أو حضور قمة لحلف الناتو، كما فعل يون في السنة الماضية، إذا غرق البلد في جدل محتدم حول برنامج الأسلحة النووية.

بدل إطلاق هذا المسار الشائك الذي لا يخدم مصالح كوريا الجنوبية ولا الولايات المتحدة، يجب أن يستغل البلدان القمة المرتقبة في البيت الأبيض لتعزيز تحالفهما القائم منذ 70 سنة ومعالجة التحديات الناشئة بطرقٍ تضمن الاستقرار النووي بدل إضعافه وتوسيع انتشار الأسلحة النووية، ما يعني ضرورة تقوية نظام الردع عبر زيادة التنسيق بين القدرات العسكرية الأميركية والكورية الجنوبية، وتحسين الخطط وآليات التواصل في زمن السلم وفترة الأزمات. يتطلب هذا الهدف أيضاً متابعة العمل لجعل شبه الجزيرة خالية من الأسلحة النووية عبر تجديد التواصل الدبلوماسي مع كوريا الشمالية. يعني ذلك أن تبتكر الولايات المتحدة خطوات لإدارة المنافسة الاستراتيجية وتجنب المخاطر النووية مع الصين، مهما بدت هذه المهام شاقة.

يُفترض أن يستغل يون هذه القمة من جهته لإعادة التأكيد علناً على التزام كوريا الجنوبية بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، ويجب أن يرحّب بايدن بهذا الالتزام نظراً إلى البيئة الأمنية المقلقة في البلد ويشدد بدوره على الأهمية التي تعطيها الولايات المتحدة لواجباتها الدفاعية المشتركة.

تبدو التحديات الأمنية التي تواجهها سيول وواشنطن حقيقية، لكن تبرز في الوقت نفسه فرص واقعية لتطوير تحالفهما العميق استناداً إلى القيم والمصالح المشتركة. تعكس مساعي كوريا الجنوبية لاكتساب أسلحة نووية سوء تقدير خطير، وهو سيناريو يُفترض أن يرفضه كلا البلدين.


MISS 3