روبين سيلفرمان

ماذا يحصل حين يخسر رئيس تركي الإنتخابات؟ لا أحد يعلم!

3 أيار 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

مناصرون لأردوغان في إحدى التظاهرات الإنتخابية

من المنتظر أن تشهد تركيا انتخابات رئاسية وبرلمانية في 14 أيار. قد يطيح هذا الاستحقاق بالرئيس رجب طيب أردوغان و»حزب العدالة والتنمية» الذي حَكَم البلد في آخر عشرين سنة. طوال هذه الفترة، ترك أردوغان وحزبه أثراً عميقاً في تركيا، فوسّعا دور الإسلام في الدولة العلمانية تقليدياً ونجحا في تقوية النفوذ التركي في الخارج. لكن تراجعت الثقة بالحكومة بعد سنوات من السياسات الاقتصادية الشائكة وغداة الزلزال المدمّر الذي ضرب البلد في شهر شباط الماضي، وهذا ما دفع شريحة واسعة من الناخبين إلى التشكيك بسمعة الإدارة التركية التي أثّرت دوماً على مستوى دعم الناس لـ»حزب العدالة والتنمية».



بعد مرور عقدَين، يصعب أن يتصوّر أحد رحيل أردوغان. تشير استطلاعات الرأي إلى احتمال هزيمته أمام مرشّح المعارضة، لكن يظنّ الكثيرون أنه سيبذل قصارى جهده للبقاء في السلطة من خلال استعمال امتيازات منصبه لانتزاع انتصار صعب أو تحدّي النتائج التي لا تصبّ في مصلحته.

تنجم معظم أجواء القلق المحيطة بالسباق الرئاسي في تركيا وردّ أردوغان المحتمل على نتائج الاستحقاق عن وضعه الاستثنائي في تاريخ السياسة التركية.

يصعب أن يتخيّل أحد تقبّل أردوغان الهزيمة بكل سهولة لأن هذا الحدث ليس مألوفاً: لم يسبق أن أطاحت الانتخابات بأي رئيس تركي بطريقة مباشرة.

كان أردوغان أول رئيس تركي ينتخبه الشعب مباشرةً بدل أن يختاره البرلمان، حتى أنه أشرف على انتقال البلد من نظام برلماني إلى نظام رئاسي. استلم جزء كبير من أسلاف أردوغان السلطة ورحلوا من دون إحداث أي ضجة، لكن حظي عدد صغير منهم بدعم حزب سياسي مؤثّر يميل إلى البقاء في السلطة إلى أن يسقطه الجيش أو يموت الرئيس بطريقة غير متوقّعة. ولا يبدو الاستثناء الوحيد على القاعدة مُشَجّعاً بأي شكل.

توفي مؤسّس تركيا ورئيسها الأول، مصطفى كمال أتاتورك، أثناء وجوده في السلطة عن عمرٍ صغير نسبياً (57 عاماً) بسبب أسلوب حياته الصاخب على الأرجح. ثم استلم خَلَفه وأقرب حلفائه، عصمت إينونو، السلطة طوال 12 سنة، إلى أن تعرّض «حزب الشعب الجمهوري»، الذي قاده مع أتاتورك، للهزيمة على يد جماعة منشقة حملت اسم «الحزب الديمقراطي» في العام 1950، خلال أول انتخابات حرّة ونزيهة نسبياً في تركيا. انتقد الديمقراطيون الدولة العلمانية المتغطرسة، وأشادوا بالقطاع الخاص، وتابعوا مسيرتهم مع سياسيين من أمثال أردوغان، وأثبتوا الرابط الطبيعي بين سياسة اليمين الوسطي والديمقراطية في تركيا. كان قرار أردوغان بإجراء الانتخابات في 14 أيار المقبل، تزامناً مع ذكرى انتصار الديمقراطيين على «حزب الشعب الجمهوري»، يهدف إلى التشديد على هذا الرابط.

شهدت الانتخابات البرلمانية خلال الستينات والسبعينات مواجهة محتدمة بين جماعة يمينية وسطية بقيادة سليمان دميرل، وجماعة يسارية وسطية بقيادة بولنت أجاويد. لكن بقي الجيش مسيطراً على المستوى الرئاسي. كان الدستور المعمول به بعد انقلاب العام 1960 ينص على أن ينتخب البرلمان الرؤساء لولاية واحدة مدّتها سبع سنوات. وكان عجز الجماعات السياسية المتناحرة في البرلمان عن اختيار رئيس جديد في نهاية عهد فخري كوروتورك، في العام 1980، جزءاً من العوامل التي شجّعت الجيش على إطلاق انقلاب جديد في تلك السنة، وحلّ البرلمان، وصياغة دستور جديد، وجعل الجنرال كنعان إيفرين الرئيس السابع لتركيا.

أقدم النظام العسكري حينها على حلّ «حزب الشعب الجمهوري» و «حزب العدالة»، كما أنه منع دميرل وأجاويد من متابعة العمل السياسي. نظرياً، كان هذا الوضع ليسمح بظهور وجوه جديدة على الساحة التركية، لكن استرجع دميرل وأجاويد وسياسيون آخرون حقوقهم السياسية عبر استفتاء في العام 1987. أثناء غياب تلك الشخصيات، قاد ابن إينونو، إيردال، اليسار الوسطي وسيطر «حزب الوطن الأم» على اليمين الوسطي بقيادة صديق دميرل القديم، تورغوت أوزال. وعندما تقاعد إيفرين في العام 1989، أصبح أوزال أول رئيس مدني في تركيا منذ العام 1960.

حين توفي أوزال بطريقة غير متوقعة في العام 1993، جرّاء نوبة قلبية، قبل انتهاء عهده، تمكّن دميرل من ضمان فوزه بالرئاسة. لكنه عجز عن التمسّك بمنصبه لولاية ثانية بحلول نهاية عهده في العام 2000. كانت هذه الخطوة تتطلّب تعديلاً دستورياً ودعماً سياسياً يفتقر إليه. ثم خَلَفه رئيس المحكمة الدستورية، أحمد نجدت سيزر، الذي اعتُبِر خياراً مقبولاً من معظم الجماعات السياسية.

كانت النزعة المشتركة إلى الابتعاد عن معالم الدولة القومية والعلمانية، بدعمٍ من سيزر، كفيلة بتشجيع جزء كبير من الناخبين المتدينين والأكراد على دعم أردوغان و»حزب العدالة والتنمية» الناشئ خلال الانتخابات البرلمانية للعام 2002. كان أردوغان عمدة اسطنبول وعضواً في «حزب الرفاه الإسلامي» إلى أن تم حظره وإسقاطه من السلطة في العام 1998. ونظراً إلى وجود أردوغان خارج مقاليد السلطة في تلك الحقبة، استفاد هذا الأخير من فضائح الفساد ومن زلزال مدمّر كان كفيلاً بنسف ثقة الناخبين بالنخبة السياسية القائمة. لم يبقَ أي حزب من الأحزاب التي صوّتت لصالح سيزر قبل سنتين في البرلمان عندما أصبح أردوغان رئيس الوزراء في العام 2003.

عند انتهاء عهد سيزر في العام 2007، استبدله «حزب العدالة والتنمية» بشخصٍ محسوب عليه: عبدالله غول. وبعد وصول غول إلى السلطة، تمكّن «حزب العدالة والتنمية» من فرض سلطته على الأوساط البيروقراطية والسلك القضائي. لكن تركّزت السلطة بيد أردوغان وأقرب حلفائه بدل غول. لم يكن مفاجئاً إذاً أن يترشح أردوغان شخصياً للرئاسة خلال أول انتخابات رئاسية مباشرة في تركيا، في العام 2014، وأن يتنحّى غول من دون مقاومة ما يحصل.

غيّر أردوغان منصب الرئاسة على مرّ عهده. خلال ولايته الأولى، تدخّل مراراً في قرارات الحكومة وتصرّف بطريقة مسيّسة وغير مقبولة برأي عدد كبير من خبراء القانون. ثم سمح استفتاء مدعوم من أردوغان، في العام 2017، بإقرار تعديلات دستورية تلغي صلاحيات رئاسة الحكومة وتُحوّل تركيا إلى نظام رئاسي. استعمل أردوغان سلطته المستجدة خلال ولايته الثانية للتدخل في القطاعات الاجتماعية القليلة التي حافظت على درجة من الاستقلالية.



كمال كليجدار أوغلو


نجح الرؤساء الأتراك الذين وصلوا إلى السلطة بعد انقلابات أو بدعمٍ من الجيش في تعديل المؤسسات بالشكل الذي يناسبهم، لكنهم كانوا يفتقرون إلى الأحزاب السياسية للتواصل مع الرأي العام. في المقابل، حصد الرؤساء الذين قادوا الأحزاب السياسية دعماً شعبياً واسعاً، لكنهم لم يؤثّروا يوماً على مؤسسات الدولة بهذه الطريقة المباشرة. يُعتبر أردوغان استثنائياً لأنه يسيطر على الدولة ويستفيد من دعم قاعدة شعبية كبيرة لا تريد تنحّيه من السلطة. إذا خسر في انتخابات الشهر المقبل، ستكون خسارته بفارق ضئيل. كما أنه يبلغ 69 عاماً، ما يعني أنه صغير نسبياً مقارنةً بعمر القادة الأتراك السابقين في نهاية مسيرتهم السياسية. باختصار، لا يستطيع أردوغان الاقتداء بشخصيات كثيرة للتخلّي عن السلطة بطريقة سلمية.

لتبديد مخاوف أردوغان من الخسارة وما يرافقها من تداعيات محتملة، من الأفضل أن تتجنّب أحزاب المعارضة التركية انتقاد الرئيس، وتُوجّه رسالة إيجابية توضح فيها للناخبين الخطوات الواعدة التي تنوي اتّخاذها بعد وصولها إلى السلطة. كانت هذه المقاربة جزءاً من استراتيجية «حزب الشعب الجمهوري» خلال حملته الناجحة لرئاسة بلدية اسطنبول في العام 2019.

اشتهر كمال كليجدار أوغلو، وهو أبرز منافِس لأردوغان وزعيم «حزب الشعب الجمهوري»، لأنه انتقد مخالفات «حزب العدالة والتنمية»، وهو يجمع منذ ترشيحه بين برنامج انتخابي إيجابي ووعود بإنهاء الفساد. ركّز كليجدار أوغلو على المسائل المالية والرعاية الاجتماعية، تزامناً مع التشديد على وضع حدّ لتدفّق الأموال إلى مجموعة قوية من الشركات المحسوبة على «حزب العدالة والتنمية». كما أنه أشار إلى الفرق الكبير بين الانقسامات التي يثيرها نظام «الرجل الواحد» بقيادة أردوغان، وتنوّع تحالف المعارضة الذي يقوده «حزب الشعب الجمهوري» لكنه يشمل أحزاباً مختلفة من الناحية الإيديولوجية تريد جميعها إزاحة أردوغان من السلطة. لكن لم يتّضح بعد إلى أي حد سيكون هذا التوازن مفيداً لإثارة حماسة الناخبين من دون تحريض أردوغان على التمسّك بالسلطة.

يحمل تحالف كليجدار أوغلو المتنوّع أهمية كبرى، نظراً إلى عجز أي شخصية سياسية تركية عن منافسة أردوغان. هذا الوضع هو من صنع أردوغان شخصياً، فقد تم تهميش سياسيين واعدين مثل عمدة اسطنبول، أكرم إمام أوغلو، وزعيم «حزب الشعوب الديمقراطي» المحسوب على الأكراد، صلاح الدين دميرتاش، عن طريق الملاحقة القضائية أو الاعتقال. لقد احتاج أردوغان إلى رؤية ثاقبة وأفكار مبتكرة كي يصبح أول مسؤول يكسب هذا الكمّ من السلطة. لكن هل سيتقبّل أيضاً تحوّله إلى أول رئيس يتخلّى عن السلطة؟


MISS 3