كورينتين بينارغويار

أردوغان وخطر الفوضى

10 أيار 2023

المصدر: L'EXPRESS

02 : 00

حشد من أهالي الضحايا والمواطنين في موقع انفجار اسطنبول المدوّي | تركيا، ٢٠٢٢

ربما نجح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إخضاع الصحافة، لكن يصعب عليه أن يتهرب من الأنباء السيئة: بلغ مستوى التضخم 112%، وتراجعت الليرة التركية إلى أدنى مستوياتها تاريخياً، وحصدت زلازل 6 شباط حياة أكثر من 55 ألف شخص وهجّرت مئات الآلاف على الطرقات. في غضون ذلك، تشير جميع استطلاعات الرأي إلى هزيمته في الاستحقاق الرئاسي في 14 أيار الجاري. للمرة الأولى منذ عشرين سنة، تبدو مكانة أردوغان مُهددة.



لن يسمح أردوغان، رغم تدهور وضعه الصحي وتراجع فُرَصه الانتخابية، بأن تغلبه التغيرات المحيطة به. بدأ الرئيس في الأشهر الأخيرة يستعمل جميع وسائل الدولة التركية لضمان إعادة انتخابه، خلال الجولة الأولى في 14 أيار ثم الجولة الثانية في 28 أيار. هو عرض تقاعداً مبكراً على مليونَي كبير في السن، وضاعف الحد الأدنى للأجور، وتعهد ببناء 500 ألف مسكن عام جديد. كذلك، لا يكف رئيس الدولة عن قصّ الأشرطة يومياً والضغط على الأزرار لافتتاح مشاريع مدهشة في "نسخته الجديدة" من تركيا: أول حاملة طائرات مسيّرة، ووحدة تابعة لأول مركز نووي في البلد (بَنَتها شركة "روس آتوم" الروسية)، وأول دبابة تركية الصنع... باختصار، يبقى أردوغان محور جميع الأحداث. يقول المحامي أردافان أمير أصلاني، مؤلف كتابLa Turquie, nouveau califat ? (تركيا، دولة الخلافة الجديدة؟): "يتعلق أكبر أحلامه بأخذ مكانة أتاتورك وسط الأتراك. هو يريد إقناع الآخرين بأنه أب الأمّة الحقيقي من خلال إعادة التفاوض حول أخطاء الماضي، بعد مرور مئة سنة على نشوء الجمهورية". سبق وتجاوز حُكْمه عهد مصطفى كمال أتاتورك، ويبدو أنه لا يفكر بالتنحي.

خلال الفترة نفسها، اضطر خصمه الضعيف كمال كليجدار أوغلو لإلغاء اجتماعاته بسبب تهديدات العنف من جماعة "الذئاب الرمادية" التي تشمل قوميين متشددين مقرّبين من أردوغان. لكنّ شيئاً لن يوقف المعارضة التي تبدو حذرة في تحركاتها لكنها وحّدت صفوفها للمرة الأولى منذ عشرين سنة: تحالفت الأحزاب السياسية الستة الأساسية، من اليسار إلى اليمين القومي، في إطار ائتلاف كبير لدعم مرشّح واحد. يقول بيرك إيسين، أستاذ في العلوم السياسية في جامعة سابانجي، اسطنبول: "منذ بداية عهد حزب العدالة والتنمية، لم تكن المعارضة مؤهلة للفوز يوماً. تُعتبر هذه المرحلة حاسمة لأن المعارضة ستشعر باليأس وتجعل جميع معارضي الحزب الحاكم يفقدون الأمل في حال هزيمتها هذه المرة. يتابع عدد كبير من الأتراك العلمانيين مغادرة البلد، ما يؤدي إلى إضعاف المعارضة بدرجة إضافية وتصعيب أي تغيير للنظام خلال السنوات المقبلة".

سيكون يوم 14 أيار نقطة مفصلية في تاريخ تركيا. سيتجه حينها 64 مليون ناخب إلى صناديق الاقتراع للتصويت بِحُرية نسبياً. يقول دبلوماسي فرنسي مُطَمْئِناً: "هذه ليست أول انتخابات تشهدها تركيا. سبق وأثبتت هذه الديمقراطية قوتها". تبدو المعارضة مُنظّمة، وهي ستراقب درجة الالتزام بالقوانين في أقلام الاقتراع.

لكن يبقى فوز أردوغان ممكناً رغم جميع الظروف. تعليقاً على الموضوع، يقول دبلوماسي أوروبي يَشْغَل منصباً في اسطنبول: "حين يدخل الأتراك إلى حجرة التصويت، سيختارون الاستقرار وأردوغان، حتى لو كان هذا الأخير سبب الفوضى". منذ أشهر، تشير استطلاعات الرأي إلى تفوّق كليجدار أوغلو بخمس أو ست نقاط، لكن تميل نتائج المرشّحين إلى التقارب رغم الزلزال الأخير ومستوى التضخم الجنوني. قد تخطئ هذه الاستطلاعات طبعاً، لا سيما في النتائج المرتبطة بالمرشحين الشعبويين "المعادين للنظام".

يتعلق السيناريو الأقرب إلى الواقع والأكثر خطورة على الأرجح بحصول انتخابات رئاسية متقاربة جداً. قد ينجح أردوغان في الوصول إلى الجولة الثانية، في 28 أيار، بفضل حملته المكثفة. لكن ما الذي سيفعله هذا الحاكم الاستبدادي إذا تعرّض للهزيمة؟ يقول سينان جيدي، خبير في الشؤون التركية في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن: "سبق ولاحظنا في الماضي أن أردوغان ليس مستعداً لخوض اللعبة الديمقراطية. في العام 2019، حين خسر حزبه رئاسة بلدية اسطنبول، قرر إلغاء التصويت [عادت المعارضة واحتفظت بهذا المنصب في مطلق الأحوال]. تبدو المخاطر حقيقية وهائلة: يشرف المجلس الأعلى للانتخابات على هذه الاستحقاقات الانتخابية، وهو يعجّ بأشخاص موالين لأردوغان. كيف يمكن التأكد من حرصهم على احترام الديمقراطية"؟ لا يتوقع عدد كبير من المراقبين أن يتخلى الرئيس عن منصبه بكل هدوء ويغادر قصره الأبيض الذي بُنِي فوق تلال أنقرة في العام 2014 ويتألف من ألف غرفة.

باستثناء السابقة التي تحققت في انتخابات بلدية اسطنبول في العام 2019، لا تزال ذكرى الانتخابات التشريعية في العام 2015 تطارد تركيا حتى اليوم. في شهر حزيران من تلك السنة، خسر حزب أردوغان الأغلبية في البرلمان وعجز عن تشكيل حكومة. ثم أعلن المسؤولون عن إجراء انتخابات جديدة في تشرين الثاني. يتذكر كارابكير أكويونلـــو، خبير في الشؤون التركية في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن، ما حصل في تلك الفترة قائلاً: "فجأةً، احتدم الصراع مع المقاتلين الأكراد في حزب العمال الكردستاني، وتحوّلت تركيا إلى منطقة حرب، وتكررت الاعتداءات الإرهابية. نتيجةً لذلك، تغيّرت الأجواء والخطابات بطريقة جذرية وسريعة، واسترجعت الحكومة الأغلبية في البرلمان بعد حملة ملطّخة بالدم". تجدّدت المخاوف نفسها بعد هجوم اسطنبول في 13 تشرين الثاني الماضي، وهو اعتداء نُسِب سريعاً إلى الأكراد في حزب العمال الكردستاني.

بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز 2016، بلغت أجواء القلق مستويات قياسية لدرجة أن يقرر أردوغان تطهير وكالات إنفاذ القانون، فأقال أكثر من 150 ألف موظف. يقول المحامي أردافان أمير أصلاني: "لقد أضعف الجيش والخدمة المدنية والسلك القضائي، وهاجم أساتذة الجامعات والعلماء وحظرهم... هو يستطيع اليوم أن ينفذ انقلاباً خاصاً به إذاً. لكن يجب أن تكون نتائج الانتخابات مثيرة للجدل كي يتخذ هذه الخطوة، لا أن يخسر بفارق كبير. بعبارة أخرى، سيتكرر ما فعله دونالد ترامب، لكن في الأناضول هذه المرة". لكن في المجالات التي سيطر فيها ترامب على المؤسسات نسبياً بعد أربع سنوات على وجوده في السلطة، يفرض أردوغان سيطرته منذ أكثر من عشرين سنة، ما يعني أن السلطات موالية له. مع ذلك، لم يتّضح بعد حجم ذلك الولاء.

تقول مروة طاهر أوغلو من مشروع "الديمقراطية في الشرق الأوسط": "إذا تعرّض رجب طيب أردوغان للهزيمة وكان الفارق ضئيلاً، قد يرفض التخلي عن السلطة. في هذه الحالة، سينزل معارضوه بأعداد ضخمة إلى الشوارع. تركيا لا تشبه إيران حتى الآن، ولا أظن أن عناصر الجيش أو الشرطة سيطلقون ذخائر حية على المتظاهرين، لكن قد تصبح أعمال العنف قوية جداً... سيحتاج الشعب التركي إلى المجتمع الدولي في تلك المرحلة".

تتحدى هذه العملية الانتقالية كل ما يمكن تصوّره، سواء كانت عنيفة أو سلمية، ويصعب توقّعها بقدر ما يصعب تصوّر تركيا بلا أردوغان. لكن يؤكد توعّكه خلال إطلالاته التلفزيونية الأخيرة ونتائج الاستطلاعات على أنه لم يعد رئيساً لا يُقهَر، وسيكون صدى سقوطه مدوّياً أكثر من دونالد ترامب في الولايات المتحدة أو جايير بولسونارو في البرازيل. حتى أن هزيمة أردوغان قد تشكّل انتكاسة كبرى للحكام المستبدين حول العالم وانتصاراً مباشراً للديمقراطية. تحلم المعلمة حواء من اسطنبول بهذه اللحظة، فتقول: "في يوم خسارته في الانتخابات، سأضع قناع الغاز على وجهي وأسارع للرقص في الشارع. أعرف أن الشرطة ستنتشر في كل مكان وتستعمل الغاز المسيل للدموع، لكنها لن تمنعني من الصراخ بأن الديمقراطية انتصرت".

في مطلق الأحوال، يُفترض ألا يتوقع أحد حصول تغيير إيجابي كامل بعد تجدّد الآمال بنشوء تركيا ديمقراطية. يقول كارابكير أكويونلو محذراً: "لن يحصل تحوّل جذري في تركيا بين ليلة وضحاها". يشمل التحالف الذي يدعم كمال كليجدار أوغلو عدداً من القوميين، بعضهم يميني أكثر من أردوغان نفسه في المسائل الاجتماعية، لا سيما موضوع احترام الأقليات. تُخطط المعارضة أصلاً للتفاوض مع بشار الأسد لإعادة 4 ملايين لاجئ سوري من الأراضي التركية، وتتلاحق ردود الأفعال التي تُعبّر عن قلق شديد مما ينتظر أوروبا في تلك الحالة.

على صعيد آخر، قد تصبح علاقة القارة الأوروبية وتركيا أقل صدامية، لكنها لن تكون مثالية. يقول بيرك إيسين: "ستتوقف الخلافات الشعبوية مع قادة العالم الآخرين وستصبح تركيا أكثر قرباً من الغرب حتماً، لكن لن تكون التغيرات جذرية في العمق. لقد توسّع الشرخ بين مواقف تركيا والغرب خلال السنوات الأخيرة في مسائل أساسية مثل الهجرة، وقبرص، ومنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط".

تقضي خطوة أولية مهمة، ولو أنها رمزية بطبيعتها، برفع الفيتو التركي عن انتساب السويد إلى حلف الناتو. لكن في الملف الأوكراني، لا تزال أنقرة تحاول التوفيق بين موسكو وكييف، نظراً إلى عمق وأهمية روابطها الاقتصادية مع روسيا. يوضح سينان جيدي: "تبدو المشاكل الاقتصادية التي تنتظر القادة الجدد هائلة. ستضطر تركيا لتوسّل المؤسسات الدولية للحصول على المساعدات، بما يتجاوز ما تحتاج إليه للتعويض عن أضرار الزلازل (أكثر من مئة مليار دولار)".

تتعلق أكبر التحدّيات حتماً بالتوصل إلى اتفاق بين الفائزين. للوصول إلى السلطة، وحّدت المعارضة صفوفها حول مشروع "الكل إلا أردوغان"، لكنها تعجز عن الاتفاق على تسويات أخرى. يقول بايرام بالجي، خبير في الشؤون التركية والمدير السابق للمعهد الفرنسي لدراسات الأناضول: "على المستوى الداخلي سيتراجع التوتر، ويتحرر البلد، وتَفْرَغ السجون. كذلك، تُعتبر مسألة الأكراد من المواضيع التي تجازف بإثارة استياء الفائزين وتقسيمهم. حتى الآن، يسعى هؤلاء إلى تحقيق هدف مشترك، وهو رحيل أردوغان، لكن يسهل أن ينحرف مشروعهم عن مساره عند التدقيق بالتفاصيل".

قد يعتمد أردوغان المقاربة التالية في حال هزيمته: الاحتجاج بسبب سرقة الانتخابات، والتذرّع بمؤامرة خارجية والرحيل من السلطة، ثم الانتظار لفترة ومراقبة أعدائه وهم يمزقون بعضهم البعض قبل العودة إلى الساحة بقوة. في النهاية، قد يخالف الانقلاب الذي يخطط له أردوغان جميع التوقعات...