إيمان إبراهيم عبدالعال

أنقذوا الليطاني لتنقذوا لبنان

10 أيار 2023

20 : 12

ورد مؤخراً خبر من المصلحة الوطنية لنهر الليطاني على صفحتها الإلكترونية يفيد بأن المعامل الكهرمائية على النهر حققت وفراً على خزينة الدولة خلال الأعوام الأربعة ما بين 2019 إلى 2022 ما يزيد عن 258 مليون دولار أميركي.


هل كنت تعلم أيها المواطن أن معامل الليطاني منذ أن أنشأت في نصف القرن الماضي لم تتوقف عن العمل حتى خلال العدوان المتكرر على الأراضي اللبنانية، وهي مجهزة بقدرة 190 ميغاواط.


وتؤمن هذه المعامل طاقة متجددة وفيرة، صديقة للبيئة ونظيفة (خصوصاً خلال السنوات الممطرة وقد بلغ إنتاجها عام 2003 ما مجموعه مليار ومئة مليون كيلوواط ساعة)، وبذلك تساهم بالاقتصاد الوطني بتقديم الطاقة البديلة لمؤسسة كهرباء لبنان بأسعار زهيدة، مما يجعل هذه الأخيرة توفر العملة الصعبة لتأمين الفيول لتشغيل المعامل الحرارية.


يتم بيع الطاقة المنتجة في المعامل الكهرمائية إلى مؤسسة كهرباء لبنان بسعر متدني جداً وهو حالياً 60 ألف ليرة لبنانية للكيلوواط ساعة. مع العلم أن مؤسسة كهرباء لبنان تقبض ثمنها من المواطنين على أساس 10 و27 سنتا من الدولار الأميركي.


لكن حال البلد اليوم يهدد استمرارية هذه المعامل في الإنتاج بسبب تدني هذه التعرفة، خصوصاً أنّ المصلحة الوطنية لنهر الليطاني لم تعد تملك الموارد المالية لشراء قطع الغيار، ودفع رواتب مستخدميها الذين بالرغم من توقف جميع مرافق الدولة عن العمل لا يزالون يواظبون على عملهم وسهرهم على سلامة هذه المعامل وديمومة الإنتاج، ويشهد على ذلك الإنتاج الوفير الذي حققته هذه المعامل في سنوات الأزمة منذ عام 2019 وحتى اليوم، والذي بلغ نحو مليارين و600 مليون كيلوواط ساعة وفقاً لما أعلنته المصلحة الوطنية لنهر الليطاني على صفحتها الإلكترونية.


علماً بأنه قبل انهيار قيمة الليرة كانت المصلحة من أغنى مؤسسات الدولة، ولا عجب في ذلك، لأن مؤسسها المهندس إبراهيم عبدالعال بناها على أسس علمية متطورة تحاكي المستقبل وعلى أسس اقتصادية وطنية واضحة، وكانت تجبي ما يستوجب لها من مشاريع الري ومن الطاقة التي تنتجها. ولكن لسوء الحظ لم يكتمل مشروع الليطاني للري والطاقة، أضف إلى أن بحيرة القرعون، وهي أساس إدارة مياه النهر، أصبحت ملوثة، ولا أحد يهز ساكناً لمعالجة هذا الأمر. بالإضافة إلى انهيار الليرة اللبنانية وبالتالي انهارت قيمة مدخرات المصلحة، لأن جميع مستحقاتها ومدخراتها هي طبعاً بالليرة، كمؤسسة وطنية.


الله نعم على لبنان بوفرة نسبية من المياه، والسؤال الذي يطرح نفسه، هو لماذا لا تركز وزارة الطاقة والمياه على هذا المورد الطبيعي والوطني بامتياز والاستفادة منه لإنتاج الطاقة المتجددة الكهرمائية. والأمثلة كثيرة وسهلة التنفيذ، ابتداءاً مثلاً من استغلال مياه اليمونة الذي يتطلب تجهيزعنفة (turbine)على بحيرة اليمونة لأن جميع الشروط المائية متوفرة، كذلك الأمر على نهر العاصي، ونهر الكلب في جعيتا ونهر إبراهيم ونهر البارد ونهر بشري- أبوعلي... وإذا ما بحثنا بأدراج الوزارة لوجدنا الدراسات الكافية لتنفيذ هذه المشاريع الصغيرة التي توفر على الدولة ملايين الدولارات بدلاً من هدرها لشراء الفيول، ناهيك عن المشاريع الأخرى للري وإنتاج الطاقة على نهر الليطاني التي لم تنفذ إلى الآن ومنها مشروع سد الخردلي ومشروع سد كفرصير والتي أعدت بالزمن الذهبي لنهر الليطاني.


ولكن الوزارة بدل من أخذ هذا الاتجاه والاستفادة من مياه أنهارنا وينابيعنا التي تذهب هدراً إلى البحر، تبشرنا بصفقة جديدة وهي التعاقد مع عدة شركات خاصة لإنشاء مزارع طاقة شمسية في سهل البقاع والشمال والجنوب وجبل لبنان بتعرفات تفوق 5 سنتات من الدولار الأميركي لكل كيلوواط ساعة، في حين ترفض تعديل تعريفات الإنتاج الكهرومائي التي لا تزال 60 ألف ليرة للكيلوواط ساعة الواحد، أي ما يقل عن 0،06 سنتاً من الدولار الأميركي. كذلك لم يفصح بعد بدقة عن المكان الذي ستقام فيه هذه المزارع الشمسية، هل هي أراضي المشاع أو أراضي زراعية؟ وقد حذرنا دائماً من استغلال الأراضي الزراعية، إن في عكار أو في البقاع، لهكذا مشاريع.


الحل الآني لإنقاذ معامل الليطاني هو تعديل تعرفة الكيلوواط ساعة بشكل عادل يؤمن استمرارية صيانة وتشغيل هذه المعامل، لكي لا يكون مصير مصلحة الليطاني كمصير مؤسسة كهرباء لبنان، التي أفلست الخزينة وأفلست الليطاني، لأن المؤسسة ترفض تعديل التعرفة ولا تدفع المتأخرات المتوجبة للمصلحة والتي كانت قيمتها ما يزيد عن مئة مليون دولار أميركي قبل إنهيار قيمة الليرة اللبنانية وهي متأخرات عن سنوات سابقة للانهيار والتي خسرت قيمتها وأصبحت لا تتعدى مليون وخمسماية ألف دولار أميركي.


ولا يوجد كهرباء للشعب اللبناني!!