جين داربي مانتون

ما لا يفهمه معظم الناس عن الاتفاق النووي الإيراني

12 أيار 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

مفاعل أراك النووي | إيران، 23 كانون الأوّل 2019

منذ خمس سنوات، سحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، وهو اتفاق متعدد الأطراف تم إبرامه في العام 2015 لفرض قيود على برنامج إيران النووي. تعهدت إدارتا ترامب وجو بايدن بإيجاد حل أفضل، لكن تفاقمت الأزمة النووية الإيرانية في المرحلة اللاحقة. لم تكن الضغوط الاقتصادية وعمليات التخريب الخارجية كافية لمنع طهران من زيادة قدرتها على تخصيب اليورانيوم بوتيرة ثابتة. اليوم أصبح النظام على بُعد أسابيع، أو حتى أيام، من اكتساب القدرات التي تسمح له بإنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية لتصنيع سلاح نووي إذا قرر اتخاذ هذه الخطوة.



تتراجع فرص إعادة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة مع مرور الأيام، لكن سيكون فهم طريقة عملها أساسياً لتكثيف جهود منع الانتشار النووي حول العالم مستقبلاً.

تُركّز معظم النقاشات المرتبطة بالاتفاق الإيراني على نقاط خاطئة. يظن النقاد أن ذلك الاتفاق كان متساهلاً أكثر من اللزوم لأنه اعترف بحق إيران بتخصيب اليورانيوم، وأنه كان محدوداً بدرجة مفرطة لأنه شمل بنود انقضاء وفشل في معالجة نشاطات شائكة أخرى مثل برنامج الصواريخ البالستية الإيراني ودعم البلد لجماعات عنيفة في الشرق الأوسط. في المقابل، يشيد المدافعون عن الاتفاق بقدرته على فرض رقابة دولية غير مسبوقة والتأكد من مسار البرنامج الإيراني. لكن لا يلتفت المعسكران بالقدر نفسه إلى تأثير الاتفاق على قدرات إيران النووية الفعلية.

أثبتت الأحداث الأخيرة أن الدبلوماسية لا تمنع الدول من طرد المفتشين، أو إطفاء كاميرات المراقبة، أو استئناف النشاطات المحظورة. لكن يغفل المعسكر الذي يعتبر خطة العمل الشاملة المشتركة اتفاقاً ضعيفاً عن الجوانب التي جعلته مهماً وجديراً بالثقة لمنع الانتشار النووي. هذا التوجه أربك النقاش العام في هذا الملف. بدل التركيز على جوانب الاتفاق القابلة للتعديل، يجب أن نُركّز على الجوانب التي تجعله فريداً من نوعه. من غير المألوف أن تنجح الجهود الدبلوماسية في كبح برنامج نووي أكثر تقدماً، لكن نجحت خطة العمل الشاملة المشتركة في تحقيق هذا الهدف بطريقة ما.

يتعلق جزء من قوة خطة العمل الشاملة المشتركة بموافقة إيران على حدود يصعب التراجع عنها، بما في ذلك التخلي عن سهولة الوصول إلى المعدات والمواد. اضطرت إيران مثلاً لتصدير الوقود المستهلك (يمكن استعماله لاستخراج البلوتونيوم خدمةً لبرنامج التسلّح) من مفاعلاتها البحثية. تعطي تنازلات أخرى آثاراً طويلة الأمد أيضاً. يصعب التراجع عن الحدود التي تؤثر بالبنية التحتية الخاصة بالمنشآت النووية. يطرح جزء من المفاعلات تهديدات مضاعفة على مستوى الانتشار النووي لأنه ينتج كمية إضافية من المواد التي يمكن استخدامها في الأسلحة، أو يكون أقل عرضة لقيود التصدير وضوابط أخرى على صلة بالإمدادات. تُركّز معظم النقاشات المتعلقة بإيران على تخصيب اليورانيوم، لكن اتكلت خطة العمل الشاملة المشتركة على تصميم المفاعلات منعاً لاستعمال البلوتونيـــوم لتعزيز الانتشار النووي.

بموجب ذلك الاتفاق أيضاً، تعهد المجتمع الدولي بالمشاركة في تحويل مفاعلات الأبحاث المرتبطة بالمياه الثقيلة في مدينة "أراك" الإيرانية إلى تصميم أكثر تماشياً مع المشاريع العلمية المدنية وأقل تناسباً مع برامج التسلح. من دون هذه التعديلات، كان المفاعل لينتج ما يكفي من البلوتونيوم في الوقود المستهلك لتصنيع قنبلة أو اثنتين سنوياً بعد البدء بتشغيله. منذ العام 2019، سرّعت طهران عمليات تخصيب اليورانيوم، لكن أدت منافع تطوير المفاعل البحثي، حتى الآن على الأقل، إلى تعزيز مراقبة إنتاج البلوتونيوم. لن تسمح هذه الخطوة وحدها بمنع الانتشار النووي، لكنها تكبح قدرات إيران المستقبلية.

لا تحظى التدابير التقنية التي تسمح بتخفيض المخاطر، كتلك الواردة في خطة العمل الشاملة المشتركة، باهتمام كبير من الرأي العام، لكن كان دورها بارزاً في سياسة واشنطن لمنع الانتشار النووي ويُفترض أن يستمر هذا الدور. طوال عقود، استعمل الدبلوماسيون اتفاقيات التعاون النووي للتأثير على تصميم المفاعلات، والتشجيع على الالتزام بتدابير الحماية، وزيادة الاتكال على السوق النووي العالمي.

يؤكد إطار العمل الذي اتفقت عليه واشنطن وبيونغ يانغ ولم يعد ساري المفعول اليوم على استمرار نتائج هذا النوع من التنازلات. لا يدرك الكثيرون أن ذلك الاتفاق كبح قدرة كوريا الشمالية على إنتاج البلوتونيوم بشكلٍ دائم. بمساعدة اليابان وكوريا الجنوبية، تعهدت الولايات المتحدة ببناء مفاعلَين نوويَين "مقاومَين للانتشار النووي" عبر استعمال المياه الخفيفة إذا أوقفت كوريا الشمالية بناء مفاعلَين بالغرافيت المعتدل، علماً أن هذا النوع من المفاعلات يجيد إنتاج البلوتونيوم أكثر من الكهرباء. مع مرور الوقت، لم يعد إنقاذ مواقع البناء المجمّدة ممكناً. بقيت كوريا الشمالية قادرة على بناء ترسانة نووية، لكنها تكتفي حتى اليوم بإنتاج كميات كبيرة من البلوتونيوم في إطار برنامج تسلّــــــح محلي في موقـــــع واحد في "يونغبيون".

لكن لا تُعتبر اتفاقيات منع الانتشار النووي مثالية طبعاً. قد يُعاد بناء المخزون، وهو ما فعلته طهران بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق. وفق تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية في شباط 2023، تملك إيران راهناً حوالى 87 كيلوغراماً من اليورانيوم المُخصّب بنسبة 60% و435 كيلوغراماً من اليورانيوم المُخصّب بنسبة 20%. في المقابل، لم يكن المخزون الذي تخلّت عنه إيران بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة قريباً من مستوى تصنيع الأسلحة، بل إنه بدأ يقترب من التخصيب بنسبة 60% في العام 2021. وحتى أنظمة المراقبة المكثفة لا تضمن أن تمتنع الدول عن متابعة بعض نشاطاتها سراً. كانت كوريا الشمالية تملك برنامجاً سرياً لتخصيب اليوارنيوم عندما كان إطار العمل المتفق عليه ساري المفعول، وقد أجرت على الأرجح أبحاثاً غير شرعية عن التسلّح. لكنّ هذا الطابع السرّي يكبح التقدّم إذا تزامن مع اتفاقيات تفرض رقابة عالية المستوى. بعبارة أخرى، لا تستطيع الدول أن توسّع نطاق نشاطاتها أو تسرّع إيقاعها كي لا يكتشف أحد أمرها.

لا يخطئ المدافعون عن خطة العمل الشاملة المشتركة حين يشيدون بنطاق المراقبة الذي يفرضه الاتفاق الإيراني ونظام التحقق من النشاطات. ولا يخطئ المشككون بالاتفاق عندما يتكلمون عن حدوده، بما في ذلك فشله في كبح تحركات إيرانية مقلقة أخرى محلياً وخارجياً.

لكنّ حصر التركيز بالمسائل المرتبطة بنطاق البنود ومدتها يزيد الأوهام بشأن إمكانية إبرام اتفاق أفضل، ما يعني احتمال التوصل إلى حل فاعل للأزمة النووية الإيرانية عبر زيادة الضغوط أو تكثيف الجهود الدبلوماسية. وحتى إدارة بايدن بحد ذاتها كانت تميل في البداية إلى تأييد اتفاق "أطول وأقوى" مع إيران. لكن تبقى خطة العمل الشاملة المشتركة بالغة الأهمية لتخفيض المخاطر المطروحة لأنها تؤثر مباشرةً على قدرات طهران النووية حاضراً ومستقبلاً. نجحت هذه الخطة لفترة قصيرة في توسيع نطاق الأمان من خلال كبح البرنامج النووي الإيراني وفرض آليات تسمح باحتواء النظام. وكان التزام إيران بالاتفاق خلال أي مرحلة من المراحل ليعطي آثاراً طويلة الأمد على حجم أي ترسانة مستقبلية، والجداول الزمنية للتسلح، وقدرة طهران على تجاوز العتبة النووية من دون أن يلاحظ أحد مستوى تقدّمها.

تزداد صعوبة منع الانتشار النووي حين تتقدّم البرامج النووية لأسباب متعددة: التمسك بالمسار نفسه، ووفرة المصالح الشخصية، والعجز عن عكس المعارف والخبرات العلمية. كذلك، قد لا يعطي التطور النووي منافع كبرى على المستوى الدبلوماسي، ما يعني أن تفتقر الدول التي تملك برامج متقدمة للمصداقية على طاولة المفاوضات. إنه وضع مقلق، إذ تظن طهران على ما يبدو أن الاقتراب من العتبة النووية يمنحها نفوذاً دبلوماسياً متزايداً. كان إبرام خطة العمل الشاملة المشتركة إنجازاً مستبعداً أصلاً، نظراً إلى وضع برنامج إيران النووي في العام 2015. ومن المتوقع أن تتفاقم هذه المشاكل حين تزيد قدرات النظام الإيراني.

تدهورت فرص حل الأزمة النووية الإيرانية بطريقة سلمية في آخر خمس سنوات. أصبحت طهران مجدداً على شفير الاختراق النووي، وزادت صعوبة معالجة المخاوف المرتبطة بالانتشار النووي عن طريق الدبلوماسية. بالإضافة إلى العوائق التقنية، تدهورت الظروف السياسية بدرجة كبيرة أيضاً. أضعف انسحاب ترامب الثقة بمصداقية الالتزامات الأميركية. ثم أصبح التواصل مع إيران أكثر تعقيداً من أي وقت مضى منذ العام 2021، حين استُبدِلت حكومة حسن روحاني بإدارة الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي الذي يشكك بصوابية التعاون الدبلوماسي مع الغرب. في غضون ذلك، تلاشى الإجماع بين بقية الموقّعين الأصليين على الاتفاق (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، فرنسا، الصين، روسيا، ألمانيا، الاتحاد الأوروبي)، وعمدت إيران إلى تعميق روابطها وتنويعها مع أنظمة استبدادية أخرى، بما في ذلك روسيا.

في هذه المرحلة، فات الأوان على إعادة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة على الأرجح. مع ذلك، أثبت هذا الاتفاق أن التفاوض على حدود فاعلة لكبح البرامج النووية المتقدمة ممكن. في الحد الأدنى، يُفترض أن تُوجّه التوعية بشأن فاعلية هذا الاتفاق النقاشات المستقبلية حول استراتيجية منع الانتشار النووي وتخفيض المخاطر النووية مع إيران ودول أخرى قد تحاول اكتساب هذا النوع من الأسلحة. علّق مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك ساليفان، في الفترة الأخيرة على مساعي "التوصل إلى نتيجة تكبح برنامج إيران النووي عن طريق الوساطة الدبلوماسية"، ويكشف موقفه أن واشنطن بدأت تتعامل بجدّية مع القدرات النووية مجدداً. في ذكرى انسحاب إدارة ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة، يجب ألا نسمح للمساعي الوهمية الرامية إلى تحسين الاتفاقيات المحتملة بإخفاء المنافع العملية لكبح البرامج النووية الخطيرة واحتوائها.