برنارد زاند

هل دمّر فلاديمير بوتين النظام النووي الدقيق؟

13 أيار 2023

المصدر: DER SPIEGEL

02 : 00

سحابة نووية إثر إنفجار قنبلة نووية فرنسية فوق جزيرة موروروا المرجانية عام 1971

يُعتبر العالِم النووي سيغفريد هيكر (79 عاماً) من أهم الشخصيات في البرنامج النووي الأميركي، فهو أجرى طوال 34 سنة أبحاثاً متواصلة في مختبر "لوس ألاموس" الوطني، حيث طُوّرت أول قنبلة نووية في بداية الأربعينات كجزءٍ من "مشروع مانهاتن". بين العامين 1986 و1997، عمل هيكر كمدير المعهد، فأصبح رابع خَلَف لروبرت أوبنهايمر، "عرّاب القنبلة الذرية". بدأ هيكر يُعلّم في جامعة "ستانفورد" بعد رحيله من "لوس ألاموس"، وهو يعمل بدوام جزئي راهناً كأستاذ في الهندسة النووية في جامعة "تكساس إيه آند إم" و"معهد ميدلبيري للدراسات الدولية" في مونتيري.




سيّد هيكر، يُهدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستعمال الأسلحة النووية منذ بدء هجومه على أوكرانيا، وقد علّق آخر معاهدة متبقية للحد من التسلح مع الولايات المتحدة. في غضون ذلك، تُوسّع كوريا الشمالية وإيران برامجهما النووية، وتُخطط الصين لزيادة عدد أسلحتها النووية الاستراتيجية بأكثر من ثلاثة أضعاف. أي من هذه التطورات تعتبره الأكثر خطورة؟

يتعلق أكبر مصدر قلق وشيك طبعاً باحتمال أن تستعمل روسيا الأسلحة النووية في أوكرانيا. يبدو أن تهديدات بوتين تهدف في المقام الأول إلى ردع الغرب. لكن يجب أن نتعامل بجدّية مع هذه التهديدات لأنها ترتبط بالأسلحة النووية. مع ذلك، يتعلق أكبر مصدر خطر بخليط من هذه التطورات كلها. بدأ كل شيء مع غزو أوكرانيا غير المبرر. يجب أن ننظر أولاً إلى حصيلة الخسائر البشرية الهائلة ومعاناة الشعب الأوكراني. أعرف أنه عامل مهم لأنني ولدتُ أيضاً بالقرب من الحدود البولندية الأوكرانية. لكنّ أكثر ما أثار قلقي بعد غزو أوكرانيا هو تأثيره على النظام العالمي النووي. أخشى أن يدمّر بوتين هذا النظام.

لماذا؟

كان النظام النووي في العقود الأخيرة يقوم على أربع ركائز، أوّلها ما يسمّيه البعض تحريم السلاح النووي. منذ العام 1945، حين تطورت هذه الأسلحة الجديدة للمرة الأولى ثم أصبحت قيد الاستخدام، لم يسبق أن استُعمِل أي سلاح نووي خلال الحروب. إنه أمر مدهش وهو لم يكن مجرّد صدفة، بل ينجم عن نظام تطوّر طوال عقود. أرادت بلدان عدة، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، التأكد من عدم استعمال الأسلحة النووية في أي ظرف، ولم يتم استخدامها فعلاً.

لكن تطوّرت عشرات آلاف الأسلحة من هذا النوع، وبقي منها 12500 سلاح بعد نهاية الحرب الباردة. اليوم، بدأ عددها يتصاعد مجدداً.

هذا ما يوصلنا إلى الركيزة الثانية: الانتشار النووي. كان متوقعاً أن تكتسب بلدان كثيرة أسلحة نووية مستقبلاً بعدما أثبتت قوتها، وهذا ما قاله روبرت أوبنهايمر بعد "مشروع مانهاتن" مباشرةً. لكن يملك أقل من عشرة بلدان أسلحة نووية اليوم. إنه أمر لافت أيضاً. لا ينجم هذا الوضع عن معاهدة واحدة، بل عن نظام كامل يقوم على مبدأ منع الانتشار النووي، ومجموعة ترتيبات وضمانات أمنية، ومؤسسات مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ما هي الركيزة الثالثة؟

الإرهاب النووي. حتى اليوم، لم نشاهد سحابة فطر أو سحابة إشعاعية من جراء قنبلة قذرة فجّرها تنظيم إرهابي. حين نفكّر بكمية المواد النووية والإشعاعية الموجودة في العالم، سنلاحظ أنها كمية لافتة أيضاً. كيف يمكن حصول ذلك؟ تعاون الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة ضد الإرهاب النووي. أنا شخصياً شاركتُ في ست ورش عمل على الأقل مع خبراء نوويين روس. نحن نجتمع ونتساءل: ما الذي نحتاج إلى فعله لمنع الجماعات الإرهابية أو الدول المارقة من استعمال الأسلحة الإشعاعية؟

أما الركيزة الرابعة للنظام النووي العالمي، فهي تتعلق بمنافع الطاقة النووية. على عكس التفاعلات الكيماوية، تعطينا التفاعلات النووية طاقة هائلة يمكن استعمالها للخير أو الشر. تنتج الطاقة النووية أكثر من 10% من الطاقة العالمية. ويستفيد حوالى 40 مليون شخص من الطب النووي، على مستوى التشخيص أو العلاج. منذ أن كنتُ مدير "لوس ألاموس"، لطالما انشغلتُ بحصد أكبر منافع الطاقة النووية وتجنـب أسوأ جوانبها.

كيف يُهدد الغزو الروسي لأوكرانيا ركائز النظام النووي هذه؟

هو يُضعِف أسس الثقة التي سمحت لنا بالتعايش مع المخاطر النووية، ويُهدد التوسّع السلمي للطاقة النووية، ويزعزع الإجماع الذي منع استعمال الأسلحة النووية وانتشارها ووضع حدّاً للإرهاب النووي.

هل فاجأك قرار بوتين بتعليق معاهدة "ستارت الجديدة"؟

لا. جرى التوقيع على هذه المعاهدة في العام 2010، حين كان ديمتري مدفيديف رئيس روسيا. عندما عاد بوتين إلى الرئاسة، تراجع الروس عن معظم الاتفاقيات النووية. كان بوتين يُخطط منذ وقتٍ طويل إذاً للتراجع عن تلك المعاهدات وفعل كل ما يلزم لمنع الأميركيين من الوصول إلى المنشآت النووية الروسية. لكن اكتفى بوتين حتى الآن بتعليق معاهدة "ستارت الجديدة"، ولا تعني هذه الخطوة إبطال العقد. إذا انسحب نهائياً، نخشى ألا يلتزم البلد بحدود 2550 سلاحاً استراتيجياً.

هل من المبرر أن تناقش دول مثل كوريا الجنوبية، واليابان، وحتى أستراليا، مسألة تطوير أسلحتها النووية الخاصة بعد الهجوم الروسي ضد أوكرانيا؟

يجب أن نذكر أن الولايات المتحدة لا تكتفي بمنح نظام ردع نووي لهذه الدول. تبقى التحالفات معها أكثر أهمية. نحن نحتاج إلى تلك البلدان. ما زلنا نعاني من تداعيات عهد دونالد ترامب. أوحى موقفه بأننا لن نحمي تلك الدول إذا لم تدفع لنا المال. لكنّ العكس صحيح. الولايات المتحدة قوة بحرية. وكما يحصل في أجزاء أخرى من العالم، تُعتبر تلك الدول حليفتنا في شمال شرق آسيا، وهي تساعدنا على حماية الأمن في تلك المنطقة. نحن نحتاج إليها إذاً وسنتدخّل حين تصبح بخطر.

تتابع إيران بدورها توسيع برنامجها النووي. وجدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية آثاراً لليورانيوم هناك في شهر شباط وكان مخصّباً بنسبة 84%، أي أقل من العتبة اللازمة لتصنيع قنبلة ذرية بقليل.

استأنفت إيران إنتاج اليورانيوم منخفض التخصيب بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي الدولي. في محطات الطاقة النووية، يجب أن تتراوح نسبة التخصيب بين 3 و5% تقريباً. يُعتبر التخصيب الذي يصل إلى مستوى 20% سلمياً. أما اليورانيوم المُخصّب بنسبة 84%، فهو مُعَدّ لتصنيع الأسلحة. لم يثبت الإيرانيون إذاً أنهم يجيدون رفع مستوى تخصيب اليورانيوم فحسب، بل إنهم كثّفوا عمليات التخصيب فعلاً. وإذا تابعوا عملياتهم بالوتيرة نفسها، من المنطقي أن نفترض أنهم سيتمكنون من إنتاج مواد كافية لتصنيع بعض الأسلحة النووية خلال ستة أشهر.

كيف يمكن أن يتعامل المجتمع الدولي مع نظام يقمع حركة واسعة تطالب بالديمقراطية منذ أشهر، تزامناً مع تخصيب كميات كبيرة من اليورانيوم؟


أفضّل أن أستعمل عبارة "أنا مجرّد عالِم" للرد على هذا النوع من الأسئلة. يصعب التوفيق بين المسألة النووية وتطوّر مهم مثل الحركة الداعمة للديمقراطية في إيران. عند التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران في العام 2015، ظننتُ أنه قرار صائب للحد من المخاطر المطروحة. لم نكن نستطيع الحصول على كل ما نريده، ولم تكن تجارب الصواريخ لتتوقف. لكننا نجحنا في تعطيل إنتاج البلوتونيوم والحد من تخصيب اليورانيوم.

عبّرت إسرائيل عن تحفظات كثيرة بشأن الاتفاق، فقد شككت الحكومة باستعداد إيران للتخلي عن طموحاتها النووية.


لم نكن نعرف حينها المعلومة التي توصّل إليها الموساد الإسرائيلي ومفادها أن إيران كانت تملك برنامجاً نووياً جدّياً خلال التسعينات، أي قبل فترة طويلة من إبرام الاتفاق النووي. لم يكن البلد ينوي تصنيع قنبلة كما كنا نظن، بل أراد تصنيع ترسانة نووية كاملة. للتوفيق بين الاتفاق النووي وعوامل مؤثرة أخرى، أظن أن إيران يجب أن تبذل جهوداً كبرى، أبرزها الاعتراف بامتلاك برنامج من هذا النوع ثم إثبات انتهائه. لكن للأسف، تبدو خياراتنا لتحقيق هذه الأهداف محدودة جداً اليوم. كما أن قمع الحركة الداعمة للديمقراطية يزيد المشكلة تعقيداً.

في مقابلة سابقة مع صحيفة "دير شبيغل"، حذّر هنري كيسنجر من تحوّل الأسلحة النووية اليوم إلى مصدر خطر غير مسبوق في عصر الحروب السيبرانية والذكاء الاصطناعي. حتى أنه شكك بقدرة السياسيين على التحكم بهذه التكنولوجيا. هل تشاركه هذه المخاوف؟


عندما يطلق شخص بعمر كيسنجر وخبرته هذا التحذير، يجب أن يتنبه الجميع إلى كلامه. لقد تفاجأتُ بتشديده على موضوع الذكاء الاصطناعي واحتمال تكليف الآلات باتخاذ قرارات نووية استراتيجية. أنا أشاركه هذه المخاوف. لكني لستُ متشائماً بقدره لأن البشر يُفترض أن يتدخلوا في هذه المرحلة ويقولوا بكل وضوح: كل شيء تحت سيطرتنا ولن نكلّف أنظمة الحلول الحسابية بهذه المهام. لهذا السبب، قد نستفيد من التاريخ، والكتب، والأبحاث، والتعليم في الجامعات. إذا عدنا وقرأنا قصة أزمة الصواريخ الكوبية مثلاً، سنفهم أهمية القرارات البشرية. في ما يخص الأسلحة النووية، تحتل القيادة السياسية الأهمية الكبرى. أشعر بالقلق إذاً من نوعية الأشخاص الذين ننتخبهم لقيادة الدول. يجب أن نقلق من الذين يضعون أصابعهم على الزر النووي.


MISS 3