أنشال فوهرا

الرئيس الروسي يواجه تهديدات متزايدة من مواطنيه

العصابات الروسية تُحاول إسقاط بوتين عن طريق العنف

15 أيار 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

صورة الرئيس بوتين تُستعمل كهدف في ميدان الرماية في لفيف | أوكرانيا، 18 شباط 2022

إنخرط رومان بوبكوف في المشهد السياسي الروسي عبر معسكرَي اليمين المتطرف واليسار المتطرف معاً قبل أن يكرّس نفسه لحملة مسلّحة تهدف إلى إسقاط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحجّة إرساء الديمقراطية. في العام 2011، انتقل إلى كييف بعد اعتقاله في روسيا بسبب مشاركته في احتجاجات معادية لبوتين. ربما تحقق أكبر نجاح في مسيرته خلال الشهر الماضي، في 2 نيسان، عندما قُتِل المسؤول الدعائي الروسي المرموق، فلادلين تاتارسكي، في أحد مقاهي "سانت بطرسبرغ". تنتشر شائعات مفادها أن بوبكوف استعان بقاتل بطلبٍ من جهاز الاستخبارات الأوكراني وشارك في التخطيط لعملية الاغتيال.



في دردشة طويلة مع صحيفة "فورين بوليسي" عبر رسائل مشفّرة، تذكّر بوبكوف داريا تريبوفا، القاتلة المزعومة، واعتبرها "من أفضل الأشخاص" الذين قابلهم على الإطلاق ووصفها بـ"البطلة" لأنها عارضت الغزو الروسي لأوكرانيا. هو لم يؤكد على دوره الشخصي في الاعتداء ولم ينفِه، لكنه اعترف بأن الشبكة التي يعمل لصالحها، "روسبارتيزان"، شاركت في "تصفية المسؤول الدعائي في فريق بوتين ومجرم الحرب فلادلين تاتارسكي". ثم تكلم أيضاً عن حصول تنسيق بين جماعات حزبية روسية أخرى. في الوقت نفسه، زَعَم "الجيش الجمهوري الوطني" (جماعة حزبية أخرى يمثّلها النائب السابق إيليا بونوماريف) أنه مسؤول عن الاعتداء.

يصعب التأكد من مزاعم بوبكوف، لكن يستحيل إنكار قوة التزامه وثقته بنفسه. عبّر بوبكوف عن اقتناعه بأن حرب العصابات التي يقودها الروس ستكون الطريقة الوحيدة للتخلص من بوتين، واعتبر الاحتجاجات السلمية التي ينظمها المنفيون الروس في أوروبا غير نافعة وقصيرة النظر أو حتى غير أخلاقية. لكنه لم يبذل جهوداً كبرى لإنكار وجود انقسامات استراتيجية عميقة وسط المعارضة الروسية، فقال: "نحن، في أوكرانيا، نعيش تحت وطأة الهجمات الصاروخية. ويجازف رفاقنا في روسيا بحياتهم وحريتهم في معركتهم ضد الاستبداد. في المقابل، يجلس المنفيون السياسيون الروس في مقاهي أوروبا ويتبادلون الأحاديث". هو يريد أن "يعترف الغرب بحق الروس الأحرار بمحاربة الشر وأن يحترم هذا الحق".

منذ غزو أوكرانيا في شباط 2022، وقعت اعتداءات غامضة في أنحاء روسيا. غيّرت المتفجرات مسار القطارات، وفجرت خطوط الكهرباء، ودمرت جسراً كان يربط بين شبه جزيرة القرم وروسيا. كذلك، ألقى مرتكبو الحرائق المتعمدة قنابل مولوتوف في مراكز التجنيد العسكري. أعلنت جماعات المعارضة الروسية لاحقاً مسؤوليتها عن هذه الاعتداءات، باعتبارها جزءاً من حركة تمرّد مسلحة وأكبر حجماً.

لكن ما حقيقة هذه الجماعات، وما هو مستوى قوتها؟ وهل تتلقى أي دعم من أوكرانيا والغرب كما تزعم روسيا؟ في الشهر الماضي، قال ألكسندر بورتنيكوف، رئيس مكتب الأمن الفيدرالي (جهاز الاستخبارات الداخلية الروسية): "أطلقت القوات الأوكرانية الخاصة وداعموها الغربيون حملة مكثفة للتلقين الإيديولوجي وتجنيد المواطنين".

أنكرت الولايات المتحدة تورّطها وأعلنت أنها لم تكن على عِلْم مسبق بأي من الاعتداءات التي حصلت داخل الاتحاد الروسي، وهمس مسؤولون استخباريون للمراسلين بأن حليفتهم أوكرانيا ربما أخفت عنهم نشاطاتها. لم تؤكد أوكرانيا أو تنفي تورطها، بل سمحت لنفسها بإنكار مسؤوليتها تزامناً مع استمرار الشائعات المرتبطة بكفاءتها التي تصل إلى مستوى الموساد الإسرائيلي.

في خضم اللعبة السرية التي تقوم عليها الحروب أو حركات المقاومة الخفية، قد تظهر كامل الحقيقة لاحقاً، بحسب هوية الفائز، لكن يمكن طرح الاستنتاجات لمحاولة فهم الأحداث الحاصلة.

تكشف المعلومات مفتوحة المصدر ومقابلات "فورين بوليسي" مع المعارضين الروس أن بعض الجماعات تلقّت على ما يبدو شكلاً من الدعم الأوكراني. لكن يبدو أن هذا الواقع لا ينتقص من قوة التزامهم بمحاربة بوتين.

صرّح بونوماريف، المشرّع الروسي الوحيد الذي صوّت ضد ضم شبه جزيرة القرم، لصحيفة "فورين بوليسي"، بأنه على تواصل شخصي مع ست جماعات حزبية روسية داخل روسيا وكان ينقل الدعم الأوكراني لتسهيل مهام تلك الجماعات، فقال إنه يساعدهم بمسائل معينة. وحين سُئِل عن إرساله أسلحة أو متفجرات، أجاب قائلاً: "أظن أن ما تحتاج إليه الجماعات الحزبية واضح".

إنه دليل حاسم على وجود عدد كبير من تلك الجماعات، بما في ذلك "المنظمة القتالية للشيوعيين الفوضويين"، وحركة "أوقفـــوا العربـات"، و"فيلق حرية روسيا"، و"فيلق المتطوعين الروس" اليميني المتطرف. في غضون ذلك، تسود شكوك معيّنة حول وجود الجيش الجمهوري الوطني الذي يمثّله بونوماريف سياسياً، إذ يبدو أنه ينشط في الظل لأسباب أمنية أو ليس موجوداً بكل بساطة.

تُعتبر "المنظمة القتالية للشيوعيين الفوضويين" من أكثر الجماعات نشاطاً، علماً أن مؤسّسها ديمتري بيتروف، المعروف أيضاً باسم إيليا ليشي، كان قد حارب في سوريا. نفذت هذه الجماعة اعتداءات تخريبية عدة، منها تفجير دمّر جزءاً من سكة الحديد العابرة لسيبيريا في "كراسنويارسك"، في بداية شهر كانون الثاني. وفي شهر أيار من السنة الماضية، فجروا خطاً لسكك الحديد كان ينقل بانتظام معدات عسكرية إلى قاعدة روسية في شمال موسكو وكتبوا مختصر اسم جماعتهم في مكان التفجير. هذه الجماعة هي جزء من الحركات التي تتلقى الدعم الأوكراني وفق معلومات بونوماريف. لكنها كيان حزبي حقيقي نشأ قبل بدء الحرب وحارب محلياً لاكتساب أبسط حقوق الحرية.

قُتِل بيتروف حديثاً في "بخموت" وهو يقاتل إلى جانب قوات الدفاع الإقليمية، وهي قوة عسكرية احتياطية أوكرانية. اعتبره شركاؤه في حفل تأبينه ناشطاً روسياً فوضوياً منذ العام 2000، ومناضلاً في سبيل حقوق العمال والبيئة، وداعماً للأكراد في الحرب السورية. وفي كلمة وداع تركها وراءه، كتب ما يلي: "قمتُ بكل شيء في سبيل العدالة، وحماية المجتمع الأوكراني، وتحرير بلدي، روسيا، من الظلم". تشير هذه الكلمات إلى نشاطات مستقلة وغير قسرية، ما يعني عدم تلقي أوامر تخريبية من دولة أخرى.

على صعيد آخر، كان دينيس نيكيتين، زعيم "فيلق المتطوعين الروس" اليميني المتطرف، المعروف أيضاً باسم دينيس كابوستين، ناشطاً منذ أكثر من عشر سنوات. تنقّل نيكيتين في الأوساط اليمينية المتطرفة في بلدان أوروبية عدة بعد انتقاله إلى ألمانيا، في العام 2001، وصادق مثيري الشغب الألمان في مباريات كرة القدم. كما أنه أطلق ماركة قومية بيضاء اسمها "وايت ريكس" حيث تُطبَع رموز نازية على الملابس.

في 2 آذار، تسلل رجال نيكيتين إلى إقليم "بريانسك" الروسي عبر أوكرانيا ونفّذوا غارة قُتِل خلالها مدنيان وفق مصادر المسؤولين الروس. كذلك، انتشر على الإنترنت فيديو يظهر فيه اثنان من الرجال وهم يُقنِعون مواطنيهم بأنهم حضروا لتحرير الأرض، لا لتخريبها، وطلبا من الروس حمل السلاح ومحاربة بوتين، ثم هتفا بعبارة "الموت لطاغية الكرملين" في نهاية الرسالة، تزامناً مع سماع صوت طلقات نارية في خلفية المكان.

صرّح نيكيتين لصحيفة "فاينانشل تايمز" بأن العملية حصلت بإذن من السلطات الأوكرانية لفضح نقاط ضعف الأمن الحدودي الروسي ولتشجيع الروس على التمرد أيضاً. أنكرت أوكرانيا من جهتها تقديم أي دعم مباشر لتلك الجماعة لأنها تدرك أن بوتين قد يستعمل هذه المعلومة لتبرير مفهوم "اجتثاث النازية".

يقول بوبكوف إن "فيلق المتطوعين الروس" و"المنظمة القتالية للشيوعيين الفوضويين" لا علاقة لهما بشبكة "روسبارتيزان"، لكن يجب ألا يتفاجأ أحد حين يعلم أن اليسار المتطرف واليمين المتطرف هما جزء من المقاومة. هو يعتبر نظام بوتين "شراً مطلقاً" وقد "حَشَد مجموعة واسعة ومتنوعة من الناس ضده".

تُعتبر حركة "أوقفوا العربات" من الجماعات الروسية الحزبية الأخرى التي لا ترتبط بأوكرانيا بشكلٍ مؤكد. هي غيّرت مسار عدد من قطارات الشحن التي كانت تنقل موادّ حربية إلى القوات الروسية، وربما أبطأت مسارها أيضاً.

يظن بوبكوف وبونوماريف، اللذان يظهران أحياناً في نشرة أخبار February Morning التي يقدّمها بونوماريف، أن الوسائل السلمية لم تعد نافعة بل حان الوقت لإطلاق مقاومة مسلّحة. غالباً ما يتعرض الروس الذين يتحدّون بوتين سياسياً للقتل أو الاعتقال أو النفي. وفق بعض التقديرات، فُتِحت 70 قضية خيانة على الأقل منذ بدء الحرب، ما يعكس زيادة كبرى نسبةً إلى المعايير الروسية.

لكن تبقى فرص نجاح أي مقاومة مسلّحة في مجتمعٍ تسيطر عليه قوات الأمن قابلة للنقاش. اعتبرت الحكومة الروسية ألكسندرا غارماشابوفا، رئيسة "مؤسسة بورياتيا الحرّة" (جماعة معارِضة تمثّل أقلية عرقية في روسيا) عميلة للخارج، فاضطرت للهرب إلى تشيكيا. صرّحت غارماشابوفا لصحيفة "فورين بوليسي" من براغ بأنها "ضد العنف"، وأكدت على أنها لم تفكر جدّياً بإطلاق مقاومة مسلّحة في أي ظرف لأن الوضع يبقى تحت سيطرة مكتب الأمن الفيدرالي: "لا يستطيع أحد أن ينفذ أي تفجير في روسيا. الأمر أصعب بكثير مما يوحي به الوضع".

سيكون تغيير مسار السياسة الروسية أكثر صعوبة من ذلك. رغم جميع الاعتداءات الحاصلة حتى الآن، لم تتغير حرب الكرملين في أوكرانيا بطريقة ملحوظة بعد.


MISS 3