باسمة عطوي

عقوبات ممكنة ضدّ من يساعد سلامة على الهروب من العدالة

16 أيار 2023

02 : 01

منذ بداية التحقيقات الاوروبية مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وآخرين حول ملفات اختلاس وتزوير وتبييض أموال وجرائم مالية أخرى، يكاد لا يمر يوم من دون ان يكون هناك خبر اعلامي حول الجهود التي بذلها ويبذلها حاكم البنك المركزي لعدم المثول أمام القضاة المحليين والأوروبيين كلما استطاع الى ذلك سبيلاً. اليوم السيناريو نفسه يتكرر حول استدعائه من قبل القضاء الفرنسي في باريس لاستكمال التحقيق، تحت حجج متعددة، من بينها عدم تبلغه بطلب استدعائه وفق الاصول، وعدم تنفيذ القضاة اللبنانيين الاستنابات القضائية الفرنسية كما يجب بحجة قبولهم بالدفوع الشكلية التي قد يقدمها وكلاء سلامة، او تعذر تبليغه بموعد التحقيق وغيرها من المناورات التي يحاول بعض القضاة اللبنانيين القيام بها، لتأجيل تجرع كأس الادانة المرّة عن سلامة أطول مدة ممكنة.

مقابل هذا السيناريو، ثمة تساؤل مشروع عن الخيارات أمام القضاء الاوروبي والفرنسي، لمواجهة العرقلة المحلية لوصولهم الى الهدف المنشود، وعما اذا كان هناك اجراءات قضائية يمكن أن تتخذ بحق القضاة اللبنانيين «المعرقلين»، خصوصاً أن لبنان موقّع على العديد من المعاهدات الدولية الخاصة بالتعوض القضائي لا سيما المكافح للفساد والجريمة عبر الحدود.

يجيب الأستاذ المُحاضر في قانون الضرائب والمالية العامة المحامي كريم ضاهر»نداء الوطن» على هذا السؤال بالقول: «في القوانين الاجنبية هناك ما يسمى اعاقة القضاء عن اكمال مساره للوصول الى النتائج المرجوة. ومن الناحية المبدئية وبحسب اطلاعي على القضائي الفرنسي، يسجل اختلاف في المسارات القضائية بين الدول. ففي مسار القضاء الفرنسي هناك تواصل مع القضاء اللبناني لتسهيل التحقيقات الحاصلة مع حاكم المركزي، لأن لبنان عضو في المعاهدة الدولية لمكافحة الفساد التي صدرت في العام 2003، وانضم اليها لبنان في العام 2008 بموجب القانون 33/2008 وأصبحت نافذة في العام 2009»، لافتاً الى أن «هناك فصلاً كاملاً لا سيما المواد الخاصة بالتعاون القضائي، لتسهيل عمل القضاء الاجنبي في التحقيقات التي يجريها في ملفات الفساد، وما يتصل بها من تبييض اموال وغيرها من الجرائم. وهناك اجراءات محددة وواضحة كيف يتم السير بها، وعلى الدولة تقديم التزام بعدم اعاقتها لمسار القضاء، مع الحفاظ على خصوصيتها وسيادتها».

يضيف: «في حال تبين أن لبنان مقصّر، يمكن للدولة التي تتعاون قضائياً مع لبنان أن تشتكي للأمانة العامة للأمم المتحدة، ولا سيما الى الجهاز المختص بملفات مكافحة الفساد ومتابعة تنفيذ هذه المعاهدة الدولية، وعنوان الشكوى هو أنه يحصل تعمد في اعاقة حسن سير القضاء والتحقيقات التي تحصل»، شارحاً أنه «عندها سيتم اتخاذ اجراءات، لكن لا يمكن للدولة المعنية باجراء التحقيقات ان تقوم بهذه الاجراءات بصورة منفردة خارج اطار المعاهدة الدولية، خاصة اذا كانت هذه الدولة منتمية الى مجموعة اتحادية، على غرار فرنسا والاتحاد الاوروبي».

يفسر ضاهر أنه «في هذه الحالة يمكن للاتحاد، بحسب المادة 215 من شرعته اتخاذ اجراءات وعقوبات، ضد الاشخاص الذين يعتبرون انهم يسهلون الفساد والاعمال غير المشروعة، ويمكن ان يتخذ القرار بحجز اموالهم والتحقيق معهم، وهذا يتطلب ان تقوم احدى الدول المنضوية بتقديم طلب الى مجلس الاتحاد، كي يتخذ القرار بالاجماع».

ويختم: «بحسب معلوماتي واطلاعي يمكن للقضاء الفرنسي، اذا لمس اعاقة لعمله أن يتقدم بطلب الى دولته، والسلطة الفرنسية بدورها تتقدم بطلب لمجلس الاتحاد الاوروبي، لاتخاذ الاجراءات التي تنص عليها المادة 215 من شرعة الاتحاد».

إتفاقية الأمم المتحدة هي الإطار القانوني

من جهتها تشرح المحامية الدكتورة جوديت التيني لـ»نداء الوطن» أن «اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003، تشكل الاطار القانوني الواسع للعلاقة بين القضاءين اللبناني والاوروبي (الفرنسي ضمناً)، ولا وجود لنص في هذه الاتفاقية يتحدث عن «عقوبات» او «اجراءات» تفرض في هذه الحالة. بل على العكس هنالك وفقاً لمبادئ القانون الدولي مساواة بين القضاءين. ناهيك عن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى واحترام السيادة الوطنية للدول»، لافتة الى أن «اي كلام عن فرض عقوبات او اخذ اجراءات مباشرة بحق قضاة لبنانيين من قبل دولة اجنبية لن يكون مسنداً الى اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد، وهذه الاتفاقية تحدثت عن مسؤولية تقع على عاتق الدولة في حال تلكؤها او تأخرها، عن تنفيذ التزاماتها الدولية لجهة تقديم المساعدة والمساندة للدول التي تحقق في جرائم الفساد وتبييض الاموال». وتختم: «يمكن للقضاء الفرنسي أن يستند الى قوانين فرنسا الداخلية الخاصة، لفرض عقوبات على المعرقلين».

القاضي لا يعاقب قاضياً آخر

يؤكد المحامي راضي بطرس لـ»نداء الوطن» أن «العقوبات غالباً ما يكون طابعها سيادي، وتصدر عن حكومة او دولة ضد شخص معين، ولا يمكن ان تصدر من قضاء على قضاء آخر. بمعنى أنه اذا أخذ القضاء اللبناني قراراً بمنع سفر الحاكم سلامة، لا يمكن للقاضي الفرنسي أن يعاقب القاضي اللبناني»، لافتاً الى أن «ما يمكن أن يحصل هو أن يتابع القضاء الفرنسي النظر بالدعوى المعروضة امامه، والتي تمت المراجعة فيها قبل تحرك القضاء اللبناني، ويعاودون تبليغ سلامة بالطرق الاستثنائية، ويتابعون فيها وفقاً لاصول المحاكمات الجزائية الفرنسية».

ويشرح أنه «في لبنان يتم التبليغ استثنائياً عبر لصق التبليغ، على آخر مقر اقامة للشخص الذي يراد التحقيق معه، وفي القضاء المدني يتم التبليغ بالنشر وتتابع الدعوى. ويمكن للحكومة الفرنسية فرض عقوبات على اشخاص يساعدون سلامة من خلال تجميد أرصدتهم في مصارفها او منعهم من تحويلات باليورو».

ويختم: «لا يمكن لقاض أن يعاقب قاضياً آخر لم يتعاون معه، لأنه اصدر منع سفر بحق شخص مطلوب من القضاء الفرنسي».


MISS 3