لوكاس ويبر ريكاردو فالي كولن كلارك

روسيا هي الهدف الجديد للدولة الإسلامية

17 أيار 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

أفغانيات يمشين أمام السفارة الروسية بعد هجوم انتحاري استهدف المبنى في كابول | أفغانستان، 5 أيلول 2022

الآن وقد رحلت الولايات المتحدة من أفغانستان، حوّل الفرع المحلي من تنظيم "الدولة الإسلامية" أنظاره إلى عدو جديد: روسيا. بعد وقتٍ قصير على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط 2022، أطلق جهاز الحملات الدعائية المركزي في التنظيم حملة إعلامية محورها أوكرانيا في مجلّته الأسبوعية "النبأ"، بعنوان "حملة ضد الحروب الصليبية"، حيث عبّر التنظيم عن سروره بالدمار المتبادل بين خصومه المعلنين في القارة الأوروبية.

بعد نشر تلك المقالة، انتقلت منشورات الحملة الدعائية التابعة للتنظيم إلى مسائل أخرى. لكن تابعت وسائل الإعلام الموالية له الخطاب نفسه ولم تكفّ عن نشر محتويات من هذا النوع. في صيف العام 2022، أصبح فرع "الدولة الإسلامية في ولاية خراسان" في أفغانستان (سُمّي تيمّناً بمنطقة تاريخية تشمل شمال شرق إيران، وجنوب تركمانستان، وشمال أفغانستان) أبرز طرف معنيّ بالحرب الروسية الأوكرانية، فبدأ يقود حملة مكثفة للاستفادة من الصراع الذي طغى على عناوين الأخبار العالمية اليومية.

تُعتبر روسيا عدواً مألوفاً للجهاديين السُّنة، وقد وجدت نفسها في مرمى نيران تنظيم "الدولة الإسلامية في ولاية خراسان" لأسباب عدة. برأي هذه الجماعة، تلطّخت يد موسكو بدم المسلمين، لا سيما في أفغانستان، حيث تستمرّ تداعيات الإرث الذي خلّفته الحرب السوفياتية الأفغانية التي امتدّت على عقد من الزمن. غالباً ما تشير منشورات التنظيم إلى تورّط روسيا التاريخي في أفغانستان وعلاقاتها الراهنة مع "طالبان"، فتسلّط الضوء على الضغوط التي تفرضها موسكو على "طالبان" لاختراق أفغانستان. في المقابل، تأمل "طالبان" في أن تحصد الدعم وتكسب اعترافاً دولياً بشرعيتها.

كذلك، تتصاعد مشاعر الكره تجاه روسيا بسبب التكتيكات الوحشية التي يطبّقها الجيش الروسي في حروب الشيشان المتعددة وحملة الأرض المحروقة لمكافحة التمرد في القوقاز. في الوقت نفسه، تترسّخ صورة روسيا كعدوّة أساسية نظراً إلى استمرار مساعدات الكرملين إلى الدكتاتور السوري بشار الأسد، حيث استهدف الدعم الجوي الروسي معاقل سنّية خلال الحرب الأهلية الطويلة هناك. هذه العوامل مُجتمعةً تجعل روسيا هدفاً جاذباً للحملة الدعائية التي تقودها "الدولة الإسلامية في ولاية خراسان".

"مؤسسة العزائم للإنتاج الإعلامي" هي منظمة مبتكرة وذكية تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية في ولاية خراسان"، وقد زادت تركيزها على المسائل الجيوسياسية خدمةً لأجندتها. من وجهة نظر هذا التنظيم، ثمة تكامل واضح بين العمليات البرية في منطقة "خراسان" وحرب المعلومات المستمرّة. تهدف الحملة الإعلامية الهجومية التي تطلقها "مؤسسة العزائم" إلى تأجيج غضب المسلمين من حكوماتهم المحلية بسبب المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهي تريد بذلك أن تجذب المزيد من المناصرين. كذلك، تسعى "الدولة الإسلامية في ولاية خراسان" إلى تأجيج المشاعر المعادية لموسكو، نظراً إلى حرب روسيا الماضية في أفغانستان ودعمها الراهن للنظام السوري، فتستميل بذلك المسلمين الذين يعتبرون روسيا تهديداً قديماً على الإسلام.

نُشِرت أول رسالة أصدرتها "الدولة الإسلامية في ولاية خراسان" بشأن أوكرانيا في 10 آذار 2022، بعد أسبوعَين فقط على بدء الصراع. انتشر ذلك البيان غداة هجوم مدمّر نفّذه التنظيم ضد مزار شيعي في بيشاور، باكستان، لكنه ذكر الحرب في أوكرانيا بشكلٍ عابر، في الجزء الأخير من النص. لكن كانت تلك الملاحظة مهمة كونها وجّهت للمسلمين الذين يقاتلون مع الطرفين تحذيراً مفاده أن المشاركة في هذا الصراع ليس مرادفاً للجهاد. تريد "الدولة الإسلامية في ولاية خراسان" بهذه الطريقة أن تُجرّد الصراعات التي تخوضها جماعات جهادية أخرى من شرعيتها باعتبارها صراعات غير إسلامية، ما يعني أن تفرض حربها الخاصة على كل من يعتبر نفسه متديّناً حقيقياً.

في 3 آب 2022، أصدرت "الدولة الإسلامية في ولاية خراسان" عدداً من مجلة "صوت خراسان" الناطقة باللغة الإنكليزية، ونشرت فيه مقالة بعنوان "الثقب الأسود في أوكرانيا". اعتبرت تلك المقالة الحرب "بشرى سارة للمسلمين حول العالم" و"إشارة عظيمة من الله تعالى". تعليقاً على الحرب بالوكالة التي تخوضها القوتان العظميان، الولايات المتحدة وروسيا، أكّدت "الدولة الإسلامية في ولاية خراسان" اعتبار "الولايات المتحدة عدوة الإسلام الكبرى على مرّ القرن الماضي، وأثبتت روسيا أنها لا تختلف عنها".

ذكر كاتب المقالة، الذي بقي مجهول الهوية، أن "الضحايا هذه المرة ليسوا مسلمي الشيشان أو أفغانستان أو سوريا، بل إنهم سكان "أراضي أوروبا السلمية". عبّرت الجماعة عن سرورها لأن هذه "الحكومات الصليبية التي شنّت الحرب على الإرهاب ضد الإسلام ذاقت طعم الحروب في عقر دارها". اقتبست المقالة أيضاً الكلمات الأخيرة لزعيم "الدولة الإسلامية" أبو بكر البغدادي الذي توقّع ما سيحصل حين قال: "نحن نعدكم، بإذن الله، بأن يدفع كل من يشارك في هذه الحرب ضد الدولة الإسلامية ثمناً باهظاً ويندم على أفعاله". يهدف اقتباس كلام البغدادي، أول خليفة في "الدولة الإسلامية"، إلى منح البيان شرعية متزايدة والتشديد على أهمية هذا الموقف أمام السامعين.

نشرت الجماعة مقالة أخرى عن الحرب في أوكرانيا أيضاً في 14 آب 2022، عبر قناة "الفرسان ميديا" الناطقة باللغة الفارسية، فدعت المسلمين إلى التحلّي بالصبر وانتظار الفرصة المناسبة لضرب الأعداء، بما في ذلك روسيا، عبر الاستفادة من الاضطرابات المستمرّة. وفي تشرين الأول 2022، نشرت "مؤسسة العزائم" مقالة قصيرة باللغة الروسية، بعنوان "التوصيات بشأن الحرب في أوكرانيا". خاطبت هذه المقالة المسلمين الذين يقاتلون إلى جانب أوكرانيا أو روسيا مباشرةً، فمنعت المسلمين من القتال لصالح حاكم غير إسلامي. ثم زعمت أن الحرب في أوكرانيا هي مكيدة أخرى من تدبير الغرب لزيادة الانقسامات بين المسلمين، وبالتالي يجب ألا يتورّط المؤمنون فيها بل أن يقفوا على الهامش ويتركوا الطرفَين يدمّران بعضهما بعضاً.

نُشِرت أحدث مقالة عن هذا الموضوع في إطار الحملة نفسها في العدد 24 من مجلة "صوت خراسان"، في 2 نيسان. حملت المقالة عنوان "رسالة من القلب إلى إخوتنا المسلمين في أوكرانيا"، ويُقال إن داعماً مجهولاً للتنظيم كتبها وهو يقيم في أوروبا. يخاطب هذا النص المسلمين الذين يقاتلون على طرفَي الصراع في أوكرانيا، لا سيما مسلمي الشيشان على الطرف الروسي ومسلمي التتار على الطرف الأوكراني، وهو يدعوهم إلى الامتناع عن القتال والانضمام إلى "الدولة الإسلامية"، ويعيد توجيه نضالهم ضد القوات الروسية في سوريا. كذلك، تستهدف المقالة زعيم الشيشان الراهن، رمضان قاديروف، الذي يعتبره كاتب المقالة "سوقياً" و"منافقاً" ويتّهمه بأنه أداة بيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نظراً إلى دوره في إرسال القوات الشيشانية للقتال في أوكرانيا.

على صعيد آخر، يذكر كاتب المقالة أن البغدادي أنشأ "ولاية القوقاز" (جماعة فرعية تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" كانت منتشرة في مختلف أراضي شمال القوقاز)، وكان يُفترض أن تصبح منصة لإطلاق الاعتداءات داخل روسيا والشيشان وضد الغرب أيضاً. أكّد كاتب المقالة ضرورة ألا يشارك المسلمون الحقيقيون في حربٍ بين الكفار، بل يجب أن يكرّسوا جهودهم لإعادة إحياء قدرة "الدولة الإسلامية" على شنّ الاعتداءات ضد القوات الروسية في الشيشان، وداغستان، وجميع أنحاء جنوب روسيا. كذلك، سخر الكاتب من إنشاء "كتيبة المسلمين"، في إشارة إلى مسلمي التتار الذين يقاتلون ضمن وحدات لصالح أوكرانيا، واتّهمهم بالتواطؤ مع "نظام نازي"، وهو موقف يتماشى مع حملة الكرملين ويُشَهّر بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. إذا أراد التتار والشيشانيون، والمسلمون عموماً، أن يحاربوا القوات الروسية، يُفترض أن ينضموا إلى "ولاية القوقاز".

تتعاون هذه المؤسسة الإعلامية عن قرب مع الجماعات الدعائية التي تدعم تنظيم "الدولة الإسلامية" وتُصدِر منشورات متكررة عن الحرب في أوكرانيا. كذلك، تنشر "مؤسسة العزائم للإنتاج الإعلامي" والمنشورات الأخرى الداعمة لها ترجمات للحملة الدعائية الرسمية التي تطلقها "الدولة الإسلامية"، فضلاً عن مواد أصلية باللغة الروسية لحصد الدعم، وتجنيد العناصر، وجمع التبرعات، والتحريض على العنف وسط المسلمين الروس.

ترافقت هذه الحملة الإعلامية المكثفة مع تحركات ملموسة على أرض الواقع. في أيلول 2022، استهدف انتحاري تابع لتنظيم "الدولة الإسلامية في ولاية خراسان" السفارة الروسية في كابول، فقتل موظفَين وأربعة مدنيين أفغان. لم تحصل أي عمليات كبرى من تخطيط التنظيم ضد روسيا أو المصالح الروسية في أفغانستان منذ الهجوم على السفارة، لكن يثبت تكثيف الحملة الدعائية أن هذه الجماعة تُصِرّ على مطاردة روسيا. من المتوقع أن تترافق هذه الحملة الدعائية المكثفة مع مخططات واعتداءات إرهابية لاحقة، ما يعني أن أي هجمات ضد الموظفين الروس أو المواقع الروسية في أفغانستان أو في المنطقة الحدودية عموماً لن تكون مفاجئة.

فيما تسعى روسيا، والصين، وإيران، وبلدان أخرى، إلى ملء الفراغ الناشئ في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي من البلد، قد تثير هذه الأطراف استياء "الدولة الإسلامية في ولاية خراسان" وجماعات جهادية أخرى. أصبحت روسيا تحديداً أكثر عرضة من غيرها لهذا النوع من الهجوم. لقد أثبت الأداء العسكري الروسي الضعيف في أوكرانيا إلى أي حد تتراجع قدرات الكرملين في ساحة المعركة. هذا الوضع قد يشجّع المناطق المضطربة تاريخياً في محيط روسيا على البحث عن الفرص المناسبة لتجديد حملاتها المسلّحة ضد روسيا، لا سيما في أماكن مثل داغستان، وإنغوشيا، وأجزاء أخرى من شمال القوقاز. من خلال تحريض الجهاديين على مهاجمة روسيا، تسعى "الدولة الإسلامية في ولاية خراسان" إلى زيادة زخم العمليات، نظراً إلى تخبّط تنظيم "الدولة الإسلامية" الأساسي في سوريا من جراء الحملة الأميركية العدائية لمكافحة الإرهاب هناك.


MISS 3