مصطفى علوش

قُتل إسكوبار... ماذا عن تيمورلنك؟

19 أيار 2023

02 : 00

«أنا يا صديقة متعب بعروبتي

فهل العروبة لعنة وعقاب

أمشي على ورق الخريطة خائفاً

على الخريطة كلنا أغراب

لا الكأس تنسينا مساحة حزننا

يوماً ولا كل الشراب شراب

من أين يأتي الشعر؟ حين نهارنا

قمع وحين مساؤنا إرهاب

سرقوا أصابعنا وعطر حروفنا

فبأي شيء يكتب الكتاب؟»

(نزار قباني)

مقدمة غير لازمة: كنت قد دأبت على نشر ما أكتبه من خواطر في جريدة أخرى، لكن هذه المقالة لم تنشر «لأن العالم تغير» حسب قول من سألتهم. لكن، رغم تغير العالم فلم أتمكن من التأقلم مع التغيير مردداً مع نزار:

«أحرقت من خلفي جميع مراكبي

إن الهوى ألا يكون إياب

ما تبت عن عشقي ولا استغفرته

ما أسخف العشاق لو هم تابوا»

من المجحف بحق بابلو اسكوبار أن يشبّه بأي كان من ملوك امبراطوريات المخدرات في العالم، فبرغم الكثير من الأساطير التي كتبت أو رويت عنه، فإنّ هذه الروايات كتبها بشر آخرون عرفوا شيئاً وغابت عنهم أشياء. المؤكد هو أنّ الرجل أدار امبراطورية هائلة تستند في نجاحها إلى عنصري الحاجة والطمع، وهما من الأمور الفطرية عند معظم البشر. من هنا كانت استمراريته لسنين طويلة قبل سقوطه النهائي بالموت، بعدما عجز السجن عن تدمير شبكته الرهيبة. بابلو اسكوبار كان حاكماً بأمره، ضمت شبكته الآلاف من المتعاونين الفاسدين في الحكم والإدارة والقضاء بحكم الطمع، وعشرات آلاف المواطنين بحكم الحاجة، مع العلم أنّ خيطاً رفيعاً ووهمياً يحد بين الطمع والحاجة. أمّا اسكوبار سورية الراحل فلم يكن إلا حلقة وأداة في امبراطورية تيمورلنك الإجرامية.

أما عن تيمورلنك، ذاك البدوي الانتهازي الذي استولى على إرث جنكيزخان، فقد تخطى بتوحشه أضعاف ما ارتكبه أباطرة المغول مجتمعين. تجمع المراجع التاريخية، من مصادر متعددة، أنّ ضحايا تيمور الأعرج كانوا حوالى سبعة عشر مليون بشري توزعوا في آسيا وأوروبا وكان يستمتع ببناء أبراج من الجماجم. كان أنّ حل الطاعون الشهير في القرن الثالث عشر وقلص عدد سكان الأرض من سبعمئة وأربعين مليوناً إلى حوالى اربعمئة وعشرين مليوناً.

بذلك فقد ساهم تيمور بقتل حوالى أربعة بالمئة ممن تبقى من البشر بعد الطاعون. لكن المؤسف هو أنّ الطاعون لم يقتل تيمورلنك، كما أنّه نجا من الرماح والسهام والسيوف، ولم يحاكمه أحد على جرائمه، ومات وهو يحضّر لمجزرة جديدة في طريقه لغزو الصين. يقال أيضاً إنّه مسلم على المذهب الشيعي، بالرغم من أنّه حكم، كغيره من قادة التتار المسلمين بالقانون القبلي، ولكن الموت الذي احترفه كان كالطاعون، لا يميز بين الأديان أو المذاهب!

ما دخل اسكوبار إذاً بتيمورلنك؟ لأن الشيء بالشيء يذكر، يبدو أنّ تيمورلنك الذي خنق أطفال الغوطة بالكيماوي وسحق المدن بالبراميل المتفجرة وباع الأرض والعرض للإيراني والروسي والإسرائيلي وقتل ثلاثة بالمئة من شعب سورية، وهجر خمسين بالمئة منهم، تمكن من الإفلات من العقاب لمجرد أنه تحول إلى تاجر مخدرات؟

ولأنّ العالم يشيح بوجهه عندما يموت السمر والسود ذوي العيون الكستنائية والوجوه البائسة، التي صدف أنهم يتلون الشهادتين، لكن العالم ذاته هاله ما يحدث لأصحاب الشعر الذهبي والبشرة البيضاء مثل الثلج والعيون الزرقاء مثل السماء، فحشد الاقتصاد والسلاح لمواجهة بوتين. لا أريد أن أقلل من حجم مأساة شعب أوكرانيا، فهم أيضاً ضحايا شقر بالوكالة لمصالح قوى لا يهمها لا لون البشرة ولا الدين، لكن المؤكد هو أن تيمورلنك في كل العصور قادر على التهرب من العقاب في الأرض، لمجرد أنّه قادر على المزيد من الأذية والتوحش، في حين يُقتل معمر من دون أن يحاكم ويفضح شركاءه في العالم، ويموت زين العابدين في المنفى، ويقضي حسني آخر أيامه في سجن مريح، ولكنه سجن على كل حال!

كل ذلك لأنهم لم يرغبوا، أو ربما لم يتمكنوا من التهديد أو التسبب بمزيد من الموت، أو ربما لم يكن عندهم اسكوبارهم الخاص ليبيع الكبتاغون ليمولوا المزيد من الكيماوي والبراميل المتفجرة؟

لكن، لنعد إلى الواقع بدل الندب، فحسابات الدول لا تستند إلى الأخلاقيات ولا المبادئ، فمن كان منها بلا خطيئة فليمسك بأول حجر ليرجم به تيمورلنك. أقصى ما نراه اليوم هو رجم اسكوبار صغير، كمقدمة لاختبار نيات تيمورلنك، عسى أن تستقر المنطقة فيتوقف القتل ومعه تجارة المخدرات.

من هنا، فإنّ العبرة هي بالمسار الآتي، فلا أظن أنّ المملكة العربية السعودية التي اختبرت تيمورلنك في السين- سين منذ خمس عشرة سنة ستذهب في التساهل معه من دون ضمانات، وعلى الأرجح فإنّ التساهل سيكون خطوة بخطوة، من دون تقديمات مجانية. لكن، رغم ذلك، فلا يمكن لمن هم مثلي، ما انفكوا يتحدثون عن الثواب والعقاب والحلال والحرام والحق والباطل، إلا أن يتساءلوا بشغف وقلق، بالرغم من الإسراف في الواقعية البراغماتية، عن خلفية هذه السرعة الشبيهة بالتسرّع وهذا الإقدام الخالي من التحفظ لفتح باب الجامعة لتيمورلنك ليحتل مقعد سورية، من دون نصف شعبها القتيل والمشرد والمسجون.

قد يقول قائل بأننا لا نعرف حقيقة شروط العودة، وقد تكون هناك شروط بالفعل، وأنّ روما من فوق غير روما من تحت! لكنني أجد صعوبة في شرحها للطفل عمران الذي أخرجه أصحاب الخوذات البيض من تحت أنقاض بيته وحيداً من دون أهله في حلب!


MISS 3