عبده جميل غصوب

قراءة قانونية لقرار محكمة الاستئناف المدنية في بيروت - الغرفة الناظرة بالقضايا النقابية

19 أيار 2023

21 : 42

في 8/2/2002 أقر مجلس نقابة المحامين في بيروت نظام آداب مهنة المحاماة ومناقب المحامين. وفي 29/3/2014 ادخل المجلس المذكور فصلا جديدا على هذا النظام متعلقا بتنظظيم علاقة المحامي مع وسائل الاعلام، تناول اربع مواد هي الآتية: 39، 40، 41 و42. وفي 3/3/2023، عدّل مجلس نقابة المحامين في بيروت بعض تلك النصوص التنظيمية الواردة في الفصل السادس من النظام المذكور ذات الصلة بعلاقة المحامي مع وسائل الاعلام. اختلفت المواقف من التعديلات اعلاه بين مؤيد، مخالف ومتحفظ. وقد اختار بعض الزملاء الطريق الاسلم للطعن، فعمدوا الى استئنافه امام محكمة الاستئناف المدنية في بيروت، الناظرة بالقضايا النقابية، التي أصدرت قرارها في 12/5/2023.


لن نتناول في هذه القراءة الموجزة مضمون القرار والنتيجة التي خلص اليها. ولكننا شأن بعض الزملاء ، سنقتصر باقتضاب كلي على قابلية قرار مجلس نقابة المحامين في بيروت الذي عدّل بعض احكام نظام آداب المهنة ومناقب المحامين للطعن ( اولا )، والمرجع الصالح لتقديم الطعن امامه ( ثانيا ).


اولا: قابلية القرار للطعن:


ان الاجابة على هذه النقطة تستوجب التطرق الى النقطتين التاليتين:

مدى التعديل الحاصل بالقانون رقم 78/18 تاريخ 18/12/1978 (أ) والطابع التنظيمي غير الفردي للقرار (ب).

أ ـ مدى التعديل:

ان الاجابة على هذا السؤال تستوجب قراءة هادئة للمادة 79 من قانون تنظيم مهنة المحاماة.

كانت المادة 79 في نصّها السابق الذي كان سائدا بين 11/3/1970 و18/12/1978 تنص عن ما يلي:

" باستثناء حالة الجرم المشهود، لا يستجوب محام عن جريمة منسوبة اليه قبل ابلاغ الامر لنقيب المحامين الذي يحق له حضور الاستجواب بنفسه او بواسطة من ينتدبه من اعضاء مجلس النقابة.


لا يجوز ملاحقة المحامي لفعل نشأ عن ممارسة المهنة او بمعرضها الا بقرار يقدّر ما اذا كان الفعل ناشئا عن المهنة او بمعرضها.

يجب اصدار القرار بإذن الملاحقة او رفضه خلال شهر من تاريخ ابلاغ النقيب وقوع الفعل بكتاب خطي، فاذا انقضت مهلة شهر ولم يصدر القرار يعتبر الاذن واقعا ضمنا ".

تعدلت الفقرة الاخيرة من هذه المادة بموجب القانون رقم 78/18 تاريخ 18/12/1978 ، واستبدلت بالنص المعدّل الآتي:

" تقبل قرارات مجلس النقابة وقرارات لجنة ادارة صندوق التقاعد الطعن امام محكمة الاستئناف بمهلة عشرة ايام تلي التبليغ، على ان ينضم الى الهيئة الحاكمة عضوان من مجلس النقابة يختارهما المجلس المذكور من بين اعضائه.

تختار لجنة ادارة صندوق التقاعد هذين العضوين من اعضائها عندما يكون الامر مختصا بهذا الصندوق ".


يطرح هنا السؤال التالي:

هل ان التعديل تضمن اخضاع قرار النقابة بشأن ملاحقة المحامي بجرم منسوب اليه، للطعن استئنافا امام محكمة الاستئناف الناظرة بالقضايا النقابية، ام ان المشترع " إستغل " فرصة التعديل لاخضاع جميع قرارات مجلس النقابة للطعن امام محكمة الاستئناف المختصة ؟



قد يذهب البعض الى القول ان هذه هي نيّة المشترع الحقيقية بدليل اضافة قرارات لجنة ادارة صندوق التقاعد الى النص بمقتضى النص المعدّل؛ ما يعني إخضاع جميع قرارات مجلس النقابة وادارة صندوق التقاعد للطعن امام محكمة الاستئناف.


ولكن في الحقيقة، يجب تفسير النص ـ بالرغم من شوائبه المنهجية ـ في اتجاه مختلف، اذ انه لا يصح ادراج نص عام يتناول قابلية الطعن بجميع قرارات مجلس النقابة، في الفقرة الثانية من نص خاص يتناول فقط إذن ملاحقة المحامي عن جريمة منسوبة اليه.


ولا يرد على ذلك ، ان اخضاع قرار لجنة ادارة صندوق التقاعد في ذات الفقرة يغّلب هذا التفسير، لاننا بصدد نص خاص وحصري يتعلق بإذن الملاحقة، فلا يصح التوسع في تفسيره، اذ لا يجوز ادراج قاعدة عامة، هي قاعدة جواز الطعن بكل قرارات مجلس النقابة، في متن نص خاص يتعلق حصرا بإذن الملاحقة.


الى هذه النقطة الجوهرية المنطلقة من حجّة مستمدة من نص القانون التعديلي رقم 78/18 تاريخ 18/12/1978، تضاف نقطة أخرى، هي الطابع التنظيمي غير الفردي للقرار المطعون فيه.


ب ـ الطابع التنظيمي غير الفردي للقرار المطعون فيه:


ان القرار المطعون فيه متعلق بـ " علاقة المحامي بوسائل الاعلام " ودور النقابة في ذلك. فيكون القرار المذكور قرارا تنظيميا غير فردي. وهو من هذه الناحية ، لا يصح الطعن به امام محكمة الاستئناف الناظرة بالقضايا النقابية ذات الصلاحيات الحصرية الاستثنائية، والمختصة فقط بالطعن بقرارات اذن الملاحقة، او على الاقل بصورة عامة بالقرارات الفردية ذات الطابع الفردي وليس القرارات التنظيمية ذات الطابع العام.


فهل تبقى قرارات مجلس النقابة التنظيمية غير قابلة للطعن؟ وفي حال خضوعها، ما هو المرجع المختص لذلك؟


ثانيا: حصر اختصاص محكمة الاستئناف بالطعون في القرارات الفردية:


يمكن لمجلس النقابة ان يتخذ نوعين من القرارات: القرارات التنظيمية التي نحن بصددها والقرارات الفردية.


لسنا بحاجة الى التأكيد بان قرارات مجلس النقابة الفردية المتعلقة بإذن الملاحقة قابلة للطعن امام محكمة الاستئناف الناظرة بالقضايا النقابية استنادا الى المادة 79 تنظيم مهنة. ولكن ماذا بالنسبة للقرارات الفردية الاخرى والقرارات التنظيمية ؟


اننا نرى، ان القرارات الفردية الصادرة عن مجلس نقابة المحامين والقرارات التنظيمية، لا يجب ان تبقى بمنأى عن الطعن (أ)، ولكن ليس امام محكمة الاستئناف الناظرة بالقضايا النقابية استنادا الى المادة 79 تنظيم مهنة (ب).


أ ـ الطعن بقرارات مجلس النقابة الفردية غير المتعلقة بإذن الملاحقة والقرارات التنظيمية:


لا يصح ابقاء قرارات مجلس النقابة الفردية غير المتعلقة بإذن الملاحقة والقرارات التنظيمية بمنأى عن الطعن، اذ لا يصح ان يبقى اي قرار نقابي او حتى اداري ذات صفة قضائية خارجا عن رقابة القضاء، لان الحق بالتقاضي ( او بطلب حماية القضاء ) هو حق دستوري وأممي ومكرّس في معظم المعاهدات والاتفاقيات الدولية. واي نص يحرم اصحاب الحقوق من اللجوء الى القضاء، يكون غير دستوري، ويحق للجهة القضائية المعروض امامها الطعن باي قرار نقابي، لم يلحظ المشترع للقضاء سلطة مراقبته، ان تعرض عن تطبيقه، سندا للمادة 2 أ.م.م بدون ان تبطله ( اي ان تتجاوزه ) وتعقد اختصاصها المستمد من الدستور والمبادىء والمواثيق الدولية وجملة معاهدات.


ولكن ما هو المرجع القضائي المختص ؟


ب ـ عدم اختصاص محكمة الاستئناف الناظرة بالقضايا النقابية في الطعن بالقرار الفردي غير المتعلق بإذن الملاحقة والقرارات التنظيمية:

اذا استبعدنا اختصاص محكمة الاستئناف الناظرة بالقضايا النقابية، لعدم جواز الاستناد الى المادة 79 تنظيم مهنة، يبقى القضاء الشامل هو المختص سندا للمادة 90 أ.م.م وتكون الغرفة الابتدائية هي المختصة باعتبارها المحكمة العادية ولها اختصاص عام في القضايا المدنية والتجارية، ولا يخرج عن هذا الاختصاص سوى ما كان متروكا بنص خاص الى محكمة اخرى.


ولكن رّب قائل بأن مجلس شورى الدولة هو المختص، لان المحاماة مرفق عام ونقابة المحامين تدير مرفقا عاما. ولكن الحقيقة ان نقابة المحامين ليست مرفقا عاما ولا تدير مرفقا عاما، بل هي هيئة مهنية تمثل المحامين وتدير شؤونهم وتحمي مصالحهم المهنية. وهي تعمل في مجالات مختلفة لتنظيم مهنة المحاماة وتحقيق مصلحة المنتسبين اليها. ان دور نقابة المحامين هو تنظيم شؤون المحامين وممارسة مهنة المحاماة والدفاع عن حقوق المحامين وتعزيز مهنتهم وتطوير قدراتهم القانونية. كما تسعى النقابة الى ضمان احترام معايير الاخلاق والنزاهة المهنية بين المحامين وتوفير الدعم والتوجيه للمنتسبين اليها. على الرغم من ذلك، قد يكون لدى نقابة المحامين دور اضافي في تقديم بعض الخدمات العامة او المرافق. فقد توفر نقابة المحامين مثلا، مكتبة قانونية للمنتسبين اليها او تقدم خدمات تدريب وتطوير مهني ( مثل معهد المحاماة). ولكن هذه الخدمات ليست جزءا اساسيا من وظيفتها كهيئة مهنية؛ ما يؤكد ان مجلس شورى الدولة ليس مختصا بالقرارات التنظيمية الصادرة عن نقابة المحامين.


امام سوء الصياغة التشريعية، والاصرار على بقاء القضاء هو الملاذ الاخير ولضمان حقوق الافراد في التقاضي، يجب اعتماد التفسير الذي يؤدي الى الغايات التالية:

أ ـ حرية مجلس نقابة المحامين في تنظيم شؤون النقابة، فأهل البيت هم الادرى بما وبمن فيه.

ب ـ وضع ضوابط قضائية لاي قرار نقابي، لان القضاء هو السلطة المخولة بمراقبة حسن تطبيق القانون. وحماية حقوق الافراد.

ج ـ عدم تحويل القضاء الى " وصي " على صحة اعمال مجلس نقابة المحامين.


مهما تصاعد " الصراخ " يبقى صوت القانون عاليا، فالقانون يسمو فوق الجميع. ورغم الصعوبات التي يمر بها بلدنا العزيز، يكفينا فخراً أننا نكاد نكون الوحيدين في المنطقة الذين ينتظرون حكماً قضائياً لتقرير مصير نزاعاتهم؛ فحافظوا على القضاء لان ميزتنا اننا في منطقة ليس القضاء فيها دائما سيداً.