روبي غرامر

"الحلف" يتابع تخبّطه لتحديد آلية وتوقيت ضمّها

أوكرانيا تقرع على باب الناتو

20 أيار 2023

02 : 00

زيلينسكي خلال مؤتمر صحافي بعد اجتماعه مع الأمين العام لحلف الناتو | بروكسل، 16 كانون الأوّل 2021

يطغى سؤال واحد على النقاشات الحاصلة بين القادة الأميركيين والأوروبيين، وهو سؤال تعتبره أوكرانيا وجودياً ولا جواب له حتى الآن: متى سينضم البلد إلى حلف الناتو؟

حتى قبل أن تطلق روسيا غزوها الشامل ضد أوكرانيا في السنة الماضية، كانت كييف تضغط على واشنطن وقوى أوروبية أخرى لتسهيل انضمامها إلى الناتو كونها تعتبر هذا الحلف القوي أساسياً للخروج من المحور الروسي والانتقال إلى المعسكر الغربي. هذا الطموح بالذات دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الأرجح إلى بدء الغزو كونه يعتبر الناتو خصماً استراتيجياً له، فأطلق بذلك أكبر صراع تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

إتخذ النقاش المرتبط بطريقة وتوقيت ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو منحىً عاجلاً بدرجة غير مسبوقة في أوروبا الشرقية تحديداً، حيث يقول المسؤولون إن قوى بارزة في الحلف، بما في ذلك الولايات المتحدة وألمانيا، تمنع تحديد جدول زمني ملموس لضم أوكرانيا إلى الناتو على المدى القصير. هذا الجدل أجّج التوتر وراء الكواليس داخل صفوف الحلف، مع أن أعضاءه يظهرون علناً وكأنهم جبهة موحدة ويتابعون شحن الإمدادات العسكرية إلى أوكرانيا قبيل هجوم متوقع في الربيع ضد روسيا. (يظن بعض المحللين أن هذا الهجوم المضاد بدأ أصلاً).

على المستوى الرسمي، وافق جميع قادة الناتو علناً على ضم أوكرانيا إلى الحلف، كما يقول أمين عام الناتو ينس ستولتنبرغ، مع أن أحداً لا يعتبر العضوية الكاملة خياراً واقعياً في ظل استمرار الحرب. لكن لا يبدو هذا الوعد كافياً بالنسبة إلى أوكرانيا وأقوى داعميها، لا سيما دول أوروبا الشرقية المنتسبة أصلاً إلى الناتو والواقعة على مسافة أقرب من الحدود الروسية. سيخضع هذا النقاش لاختبار حاسم في شهر تموز المقبل، حين يحضر قــادة الناتو قمة بارزة في فيلنيوس، ليتوانيا.

خلال اجتماع بين وزراء خارجيـــة دول الناتو في الشهر الماضي، يذكر مسؤولون غربيون وشخصيات أخرى مطّلعة على هذا الملف داخل الناتو أن إدارة جو بايدن اصطفت مع ألمانيا والمجر لرفض اقتراحات بولندا ودول البلطيق التي تدعو إلى الخروج من قمة فيلنيوس بعد وضع خريطة طريق عملية وجدول زمني محتمل لضمّ أوكرانيا إلى حلف الناتو. يقول هؤلاء المسؤولون إن هذا الرفض أثار غضب حلفاء الناتو في أوروبا الشرقية، وينوي هذا المعسكر الآن الضغط على واشنطن كي تغيّر مسارها قبيل القمة المرتقبة. تكلم جميع المسؤولين شرط عدم الإفصاح عن أسمائهم.

على صعيد آخر، شكك مسؤولون حاليون وسابقون في الناتو ضمناً بالفترة التي ستحتاج إليها أوكرانيا قبل ضمّها إلى الحلف، حتى لو انتهت الحرب لمصلحة أوكرانيا وأعطى قادة الناتو الضوء الأخضر لبدء إجراءات الانتساب بشكلٍ رسمي. يتطلب ضمّ أي عضو جديد موافقة الهيئات التشريعية بالإجماع في مختلف الدول المنتسبة إلى الناتو، وهو إنجاز سياسي يصعب تحقيقه في 31 بلداً. اتضحت هذه الصعوبة في الجهود الشائكة والمطوّلة التي بذلتها السويد للانتساب إلى الناتو خلال هذه السنة. كانت فنلندا تأمل في الانضمام إلى الحلف تزامناً مع السويد المجاورة لها، لكن انهارت هذه الخطة بسبب رفض تركيا. انضمّت فنلندا وحدها إلى الناتو في الشهر الماضي، ولا تزال السويد تنتظر دورها.

في هذا السياق، يقول نيكولا ديميتروف، وزير خارجية سابق في مقدونيا الشمالية كان قد أشرف على المراحل الأخيرة من انتساب بلده إلى الناتو في العام 2020 بعد سنوات من الانتظار: «نعرف مدى صعوبة الجلوس في الخارج وانتظار موعد الانتساب».

تعتبر أوكرانيا انضمامها إلى الناتو في مرحلة معينة أساسياً لضمان صمودها، وقد أطلق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حملة دبلوماسية جديدة في العواصم الأوروبية لحشد الدعم الذي يحتاج إليه بلده، فزار إيطاليا، وألمانيا، وفرنسا هذا الأسبوع. لكن حتى لو صبّت الحرب الراهنة في مصلحة أوكرانيا، يظن عدد كبير من المسؤولين في أوروبا الشرقية أن روسيا لن توقف محاولاتها لإعادة أوكرانيا إلى محورها بالقوة، إلا إذا انضم البلد إلى الناتو واستفاد من المظلة النووية والدفاعات الجماعية التي يقدمها الحلف.

أعلن وزير الخارجية الإستوني مارغوس تساهكنا، على هامش «مؤتمر لينارت ميري» (منتدى أمني أوروبي سنوي بارز في «تالين»): «يجب أن نعلن بأعلى الصوت أن الإجراءات بدأت. سيكون انتظار تحرك الناتو أخطر موقف على الإطلاق».

يُعتبر بند الدفاع الجماعي في معاهدة الناتو أساس الردع في وجه الغزو الروسي، لكنه قد يجازف بِجَرّ الحلف كله إلى حرب مع موسكو إذا كان توقيت انتساب أوكرانيا سيئاً. إنه احتمال قاتم نظراً إلى امتلاك كل طرف أسلحة نووية يمكن استعمالها ضد الطرف الآخر. تذكر المادة الخامسة من معاهدة الناتو التأسيسية أن أي هجوم على أحد الأعضاء هو هجوم على جميع الحلفاء وسيكون أساس نظام الردع الذي يستعمله الحلف ضد روسيا.

أصبح النقاش المرتبط بتوقيت ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو محور الرؤية الغربية في نظام ما بعد الحرب الباردة. تعثرت الرؤية التي تنذر بنشوء أوروبا متكاملة وحرّة وسلمية، بالشكل الذي طرحه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الأب، حين أطلقت روسيا غزوها ضد أوكرانيا في شهر شباط الماضي. أسفرت هذه الحرب عن قتل أو جرح أكثر من 354 ألف جندي على طرفَي الصراع حتى الآن، وفق مجموعة من الوثائق الاستخبارية الأميركية المسرّبة على الإنترنت في الشهر الماضي.

أصبح توسيع الناتو والاتحاد الأوروبي لضمّ الدول السوفياتية السابقة في آخر ثلاثة عقود ركيزة أساسية للسياسة الأميركية والأوروبية. في الماضي، كانت النقاشات المرتبطة بتوسيع نطاق الحلف تتمحور حول تأثير القوة الناعمة في المؤسسات الغربية وتقييم تقدّم البلد على مستوى إصلاحات الحُكم والسوق لدرجة أن يستحق الانتساب. لكن يواجه القادة اليوم احتمال توسيع حدودهم كي تشمل بلداً يخوض الحرب، وقد اتخذ النقاش حول خطة التوسع منحىً جيوسياسياً متزايداً وزاد تركيزه على القوة الصلبة.

قال أمين عام حلف الناتو السابق، أندرس فوغ راسموسن، خلال قمة كوبنهاغن للديمقراطية، يوم الإثنين الماضي: «السلام والاستقرار في أوروبا يرتكزان على قوة واستقرار أوكرانيا باعتبارها حصناً منيعاً في وجه روسيا العدائية».

غالباً ما يتكلم المسؤولون في أوروبا الشرقية عن بلدان خارج الناتو أو الاتحاد الأوروبي وكأنها جزء من «منطقة رمادية»، بما في ذلك أوكرانيا، ومولدوفا، وجورجيا، وبعض دول البلقان. هم يعتبرون تلك البلدان ضعيفة جداً أمام الضغوط الروسية، بدءاً من حملات التضليل والتدخل السياسي وصولاً إلى الغزو العسكري، كما حصل في أوكرانيا أو جورجيا في العام 2008.

يقول السفير الأميركي السابق في الناتو، كيرت فولكر: «المنطقة الرمادية هي بمثابة ضوء أخضر يسمح لروسيا بالتدخل في تلك البلدان». هذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها الحلف أنه مستعد لفتح أبوابه أمام أوكرانيا. خلال قمة بوخارست في العام 2008، أعلن الناتو أن أوكرانيا وجورجيا ستنضمّان يوماً إلى الحلف، بفضل الجهود التي يبذلها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الإبن. لكن بقي ذلك التصريح مجرّد حبر على ورق بسبب معارضة فرنسا وألمانيا لبدء تطبيق خريطة الطريق الرسمية التي تسمح للبلدين بالانتساب إلى الحلف وتُعرَف باسم «خطة عمل العضوية».

إعتبر المسؤولون في المنطقة هذه المساعي كارثة استراتيجية، فهي أوحت لبوتين بأنه يملك الوقت الكافي لكبح توسّع الناتو بعدما أعلنت القوى الغربية عن خططها لكنها تابعت مراوغاتها في الوقت نفسه. بعد أربعة أشهر على تلك القمة، أطلقت موسكو غزوها العسكري ضد جورجيا. وتسيطر روسيا حتى هذا اليوم على بعض الأراضي في جورجيا، وأصبحت إجراءات انضمام البلد إلى الناتو في حالة جمود دائم.

قالت مستشارة زيلينسكي، داريا زاريفنا، خلال قمة كوبنهاغن للديمقراطية: «يُفترض ألا تُكرر قمة فيلنيوس الأخطاء التي ارتُكِبت في بوخارست».

أخيراً، يقول مسؤول بارز من أحد بلدان أوروبا الشرقية كان قد شارك في نقاشات الحلف حول هذه المسألة: «لا يمكننا أن نكتفي بتكرار المواقف التي أطلقناها في بوخارست، ولا يمكن أن توافق أوكرانيا على هذا النهج أصلاً. ستكون تلك المواقف أكبر هدية يمكن تقديمها إلى بوتين».


MISS 3