أحمد الأيوبي

مناورة على حدود الاتفاق السعودي - الإيراني

22 أيار 2023

02 : 00

تبدو المناورة العسكرية التي نظّمها «حزب الله» في الجنوب وكأنّها استعراض على حدود الاتفاق السعودي- الإيراني- الصيني أراد «الحزب» من خلاله تكريس قواعد الاشتباك القائمة إقليمياً، وتأكيد تمسكه بسلاحه أمام الداخل اللبناني واعتباره غير قابل للنقاش أو التفاوض، في رسالة إلى كلّ من يعنيه الأمر في الداخل والخارج، مع إضافة ما تستلزمه المرحلة من محسِّناتٍ لغوية لهضم فكرة بقاء السلاح مهيمناً على الحياة العامة، أياً كانت نتائج التفاهمات الخارجية.

منذ صدور القرار 1701 بعد حرب العام 2006 كان «حزب الله» يتحرّك عسكرياً في الجنوب وفق توازنات دقيقة لضمان عدم امتداد شرارات التوتر وتحوّلها إلى اشتباكٍ حربي كبير، كما حصل في آب 2019 عندما وضع الجيش الإسرائيلي الدمى في الآليات العسكرية ليستهدفها «الحزب» كردٍّ على تعرض مسؤوليه للاستهداف في سوريا، وكما جرى بعد ردّ الصهاينة بتجريف حقول الموز إثر إطلاق مجموعات فلسطينية 37 صاروخاً من الجنوب في نيسان الماضي.

لكنّ «الحزب» قرّر في احتفاله بذكرى الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب أن يستعرض قواه بشكل مكشوف، قارئاً مراسم الدفن للقرار 1701، وسط حشد إعلامي كبير ليبعث بالرسائل إلى عواصم الإقليم والعالم بعد الاتفاق السعودي-الإيراني بأنّ شيئاً لن يتغيّر في دور «الحزب» ووظائفه المرتبطة بالمحور الإيراني. ولهذا جدّد رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» هاشم صفيّ الدين خلال المناورة تأكيد «الحزب» أنّ سلاحه «سيبقى بأيدي المقاومين حتى تحقيق النصر الكامل»، أي أنّه لا مدى زمنياً لوضع هذا السلاح في كنف الدولة، وأنّه لا مجال لأيّ شكلٍ من أشكال الدمج مع الجيش اللبناني لأنّ الإمرة ستبقى في أيدي مقاتلي «الحزب»، وفي هذا استباق لأيّ نقاش حول الاستراتيجية الدفاعية في قادمات الأيام.

الرسالة الثابتة الأخرى التي قصف بها «الحزب» مواقع التفاوض الإقليمية والدولية هي أنّ على هذه المواقع أن تفهم أنّه هو المسيطر على الحدود مع الطرف الإسرائيلي وليس الجيش اللبناني وأنّه هو من يفاوض وليس الدولة اللبنانية، وأنّ بيده قرار السلم والحرب وليس الحكومة اللبنانية، وعلى الجميع التعامل معه على هذا الأساس.

الواضح أيضاً أنّ «حزب الله» يريد تثبيت دور سلاحه (الإيراني) على ساحل البحر المتوسط، لأنّه المنفذ البحري الوحيد لإيران من الحدود مع العراق حتى لبنان، مقابل الجوار التركي للمنطقة من خلال جزيرة قبرص التركية، هذا فضلاً عن الاحتكاك الحدودي مع الكيان الإسرائيلي.

حاول صفيّ الدين أن يفصل بين مفعول السلاح الخارجي وبين مفعوله في الداخل عندما قال إنّ «المقاومة هي قدرة لكلّ اللبنانيين في مواجهة العدو لذا لا ينبغي لأحد أن يخاف»، ما دام هناك إجماع بأنّ العدو هو إسرائيل وأنّ الآخرين تراجعوا عن توصيف إيران الوهمي بأنّها عدوٌّ للعرب، «رسالتنا اليوم لأبناء وطننا بالطمأنينة والاعتماد على المقاومة في الحفاظ على السيادة».

يحمل كلام صفيّ الدين الكثير من التبسيط ومحاولة التذاكي على عقول اللبنانيين وهم الذين عانوا من تفرّد «حزب الله» بفتح الجبهات في الجنوب وفي سوريا، وتعرّضوا للتنكيل بهم وتحويل 7 ايار 2008 يوماً مجيداً، فمن أين ستأتي الطمأنينة وكيف يأمنون سلاحاً يصرّ أصحابه على استخدامه لتغيير المعادلات السياسية وقمع الحريات وفرض شكل الحكومات وتحديد من يشغل الرئاسات؟

السؤال هنا: لماذا يريد «حزب الله» من اللبنانيين أن يطمئنوا ويثقوا بسلاحه فيما دوره الإقليمي على حاله، ولماذا يريد التطبيع مع سواه من القوى السياسية، هل لأنّه يحتاج إلى الشرعية من خلال وجوده في الدولة والسيطرة عليها، أم لإظهار ليونته أمام القوى الإقليمية وخاصة السعودية بأنّه لا يشكِّل خطراً على التوازنات الداخلية وأنّه تراجع عن تصوراته للانقلاب على اتفاق الطائف... ربما كلّ ذلك مجتمعاً، لكنّ الأكيد أنّ أدوات «الحزب» لم ولن تتغيّر.

رسالة «حزب الله» للبنانيين: لا تحلموا بالدولة، فلبنان جزء من المحور وعليكم الخضوع لشروطنا إذا أردتم البقاء، فحتى الدعوة إلى الاطمئنان تأتي في ظلال الصواريخ... ومفتاح المرحلة الجديدة من استكمال قضم الكيان اللبناني ستكون رئاسة سليمان فرنجية.