"أفينيون" ينبش الماضي

14 : 34

من التدريبات المسرحية لمهرجان أفينيون الفرنسي (أ ف ب)

تمزج مسرحيتان صادمتان تُعرضان في مهرجان "أوف أفينيون" ا مهرجان "أوف أفينيون" الفرنسي، إحداهما من نوع السيرة الذاتية والثانية خيالية، بين السياسة والسرد القصصي العائلي لتجسيد محطات مأسوية رافقت الاستعمار الفرنسي في تونس والجزائر، مع تصوير التبعات الخطيرة لهذه الأحداث على العائلات المختلطة.

وتروي مسرحية "فاينل كات" التي تقدم في إطار فعاليات "أوف أفينيون" التي يُعرض في خلالها 1600 عمل مسرحي، قصة ميريام سادوي التي تتولى أيضا دور البطولة. وهي كانت من عائلة سعداوي قبل أن تقرر عائلة والدتها وهي أسرة إيطالية غادرت تونس سنة 1958 إلى فرنسا، استئصال أي أثر لوالدها التونسي من حياتها.



وفي المسرحية المطعمة بالفكاهة، تروي ميريام التي تؤدي أكثرية المشاهد بمفردها، قصة اكتشافها للمرة الأولى وجه هذا الأب عن طريق صور سالبة كانت تحتفظ بها والدتها.



وتؤكد هذه المخرجة المسرحية والممثلة البالغة 56 عاماً المقيمة في بلجيكا: "الأمر بالنسبة إليّ بمثابة صورة مجازية عن الاستعمار الفرنسي. ثمة حالة إنكار كامل، مجموعة "صور سالبة" في الذاكرة الجماعية تنتظر الكشف عنها". وتضيف: "فور الكشف عنها سنتمكن من جمعها في ألبوم للصور وفتح صفحة جديدة". أتى قرار والديها الانتقال إلى فرنسا سنة 1961 بعيد معركة القاعدة البحرية في بنزرت الواقعة آنذاك تحت الاحتلال الفرنسي، عندما كانت الوالدة لا تزال حاملاً بها. وتوضح ميريام "وجد والداي نفسيهما في إطار كانت العنصرية خلاله في أوجها، وكان يُنظر إلى والدي حينها نظرة سلبية لمجرد أنه عربي".


وتروي ميريام كيف قررت والدتها بموجب قانون صدر سنة 1972، اختيار اسم فرنسي لها "كي لا تُحصر بخانة "ابنة المهاجر". كما تتحدث عن الوالدة التي واجهت الإقصاء من عائلتها لأنها أحبت رجلا عربياً ما دفعها إلى طرده بنفسها من فرنسا. وتتوقف ميريام عند أهمية قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فتح محفوظات حرب الجزائر، قائلة "في هذه المرحلة يعلو صوت أبناء وأحفاد المستعمَرين".



أما مسرحية "كي دو سين" للرومانية ألكسندرا باديا، فتروي قصة ثنائي آخر مكون من إيرين الفرنسية التي كانت تعيش في الجزائر خلال الاستعمار الفرنسي، ويونس الجزائري. وقد حطا رحالهما في باريس في عز حرب الجزائر قبل أن ينفصلا إثر مجزرة 17 تشرين الأول 1961. وتقول باديا: "أكثر ما يصدم هو أن هذا الأمر حصل هنا في الشوارع التي نجتازها عند هذا الجسر"، في إشارة إلى جسر سان ميشال حيث وضع نصب تذكاري لتلك الحقبة.


وهذه المسرحية هي الجزء الثاني من ثلاثية عالج أول أجزائها مجزرة تياروا قرب دكار في حق جنود سنغاليين على يد الجيش الفرنسي سنة 1944.

وفي حبكة مسرحية مشوقة تأخذ المشاهد في رحلات متكررة عبر الزمن، تبحث الشابة نورا عن أصولها. وخلفها شاشة تعمل وتنطفئ على وقع المشاهد المختلفة، فيما جداها يعيشان تجاذبا بين الحب والكره.



وتوضح ألكسندرا باديا "أخبرتني فتاة قصة جدها الجزائري الذي لم تسمع عنه قبلا. ما اثار اهتمامي هو الطريقة التي نسفت فيها السياسة الروابط الحميمة" في العائلات.