فادي جلوان

"البكيني" و"البوركيني": وجهان لحرّيةٍ فرديةٍ واحدة

24 أيار 2023

02 : 00

«إذا كلكن إخوة لشو تضلكن تقولوها يا إخوات الشر**طة؟!» (زياد الرحباني)

عذراً على ما تقدّم ولكن لا بد أحياناً من أن نكون «صريحين» على طريقة الرحباني. ما حصل في صيدا في الأيام الماضية ليس إلا غيضاً من فيض، وقد أعادني التعاطي مع «الإشكال» إلى تعبير الرحباني المذكور أعلاه.

في الحقيقة ليس من شعبٍ في العالم مؤلّف من «إخوة». فثقافة المواطَنَة التي تبني أوطاناً تسوسها مؤسسات، تقوم على إدارة الحياة اليومية لأفرادٍ يشكلون «الشعب»، وتضع السياسات التي تصبو إلى تحسين ظروف حياة هذا الشعب في المستقبل القريب والمتوسط والبعيد، ويكون للمواطنين الأفراد دور في صناعة هذه السياسات عبر مشاركتهم في العمل في الشأن العام (أو أقله عبر القيام بواجب الإنتخاب).

في مفهوم الدولة والمؤسسات لا مكان «للأخوّة والمحبة والعيش المشترك» على طريقة «أبو ملحم»، إنما المكان - كل المكان - هو لقوانين وأنظمة تُرسي العدالة وتعطي كل ذي حق حقه.

من حق السلطة المحلية (البلدية) ومن صلاحياتها اتخاذ ما تراه مناسباً من قرارات، وأنا حتى مع توسيع هذه الصلاحيات. ولكن ماذا لو اتخذت البلدية قراراتٍ خاطئة تصيب حرية المواطن الفردية المصونة في الدستور في مقتل؟ لنقلب المشهد: ماذا لو فرضت مثلاً بلدية ما على حاناتها أن تبيع الخمر؟ أليس هذا انتهاكاً لحرية خيار صاحب الحانة وروّادها؟ ماذا لو أدى قرارٌ ما إلى اهتزازٍ، ليس بالضرورة أن يكون أمنياً، إنما ربما يكون اقتصادياً أو مجتمعياً... إن صلاحيات أي سلطة، بدءاً برأس هرم الدولة، يجب أن تخضع إلى مفهوم «المصلحة العليا للدولة» (Raison d’Etat) عند الضرورة.

ما حصل في صيدا تم التعاطي معه من قبل البلدية بتجاهل واستخفاف في البداية قبل أن يتحول، بعد تأزّم الوضع، إلى توجّه خاضع لسطوة بعض رجال الدين ولضغط جزءٍ من الأهالي، فجاءت المعالجة مجتزأة ومبهمة ما استدعى توضيحات لاحقة أفقدت السلطة المحلية هيبتها تجاه «الطرفين».

ثم جاء لاحقاً من يقول بالمنطق الأكثري ومنطق «البيئة». على هؤلاء نطرح السؤال: هل تقبلون بهذا المنطق في موضوع «السلاح وبيئته»؟ طبّقوا إجابتكم على أنفسكم من باب العدالة، علماً أن العلاج في كلتا الحالتين هو القانون فقط.

ختاماً، أضعنا كلبنانيين حوالى الأسبوع من عمر مواجهتنا مع المنظومة ومعركتنا من أجل حقوقنا، في موضوعٍ لو طُبّق عليه القانون لما كنا سمعنا به حتى... أسبوعٌ تنفّست فيه المافيا المتحكّمة بمفاصل حياتنا بعض الصعداء وعلى الأرجح أنها هرّبت صفقة أو أكثر وسرقت مما تبقى حفنةً أو أكثر وهجّرت من شبابنا بضعةً أو أكثر...

فيما يفوتنا أن «البكيني» و»البوركيني» هما وجهان لحرّيةٍ فرديةٍ واحدة.

(*) ناشط سياسي


MISS 3