رامي الرّيس

المرحلة جديدة والعقليّة قديمة!

24 أيار 2023

02 : 00

في عيد التحرير، لا يصح الاكتفاء بيوم عطلة رسميّة يُضاف إلى الروزنامة المزدحمة بالأعياد الدينيّة وغير الدينيّة التي «يحتفل» بها اللبنانيون على مدار العام. في هذا اليوم، ثمّة حاجة للقيام بما هو أبعد وأعمق من الاستعادة الطقسيّة القائمة على التمجيد غير المجرّد من التكرار الرتيب.

المطلوب في هذا اليوم قراءة عظمة إنجاز التحرير وفي الوقت ذاته البحث عن سبل صيانته والحفاظ عليه.

1. التحرير سنة 2000 حدث نتيجة عمل تراكمي بدأته الأحزاب الوطنيّة والتقدميّة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي منذ ما قبل غزو العام 1982، إلى أن استلمت المهمة المقاومة الإسلاميّة و»احتكرت» هذا المضمار بدعم إقليمي كبير وضعف محلي أكبر. وإذا كانت التضحيات التي بُذلت في السنوات الأخيرة كبيرة وهي حتماً موضع تقدير لمساهمتها الأكيدة بالتحرير، فهي تُضاف إلى التضحيات التي سبقتها ولا تلغيها.

2. أن يتمكّن لبنان، بمعزل عن حساباتنا المحليّة الضيّقة، من دحر الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي اللبنانيّة بعد سنوات طويلة من الاحتلال من دون قيد أو شرط، فهو إنجاز لا يمكن إنكاره، وهو لقّن إسرائيل، بفوقيتها وتعجرفها، درساً دُوّن في التاريخ.

3. في المراحل السياسيّة التي تلت التحرير، خصوصاً في حرب تموز 2006، تداخلت مجموعة من المعطيات والعناصر التي كادت تطيح بإنجاز التحرير وتعيد عقارب الساعة إلى الوراء، وفي طليعة هذه العناصر الحقد الإسرائيلي وسوء التقدير من جانب «حزب الله» الذي حصل اعتراف به في وقت لاحق، ولكن بعدما تكبّد لبنان برمته خسائر باهظة بالأرواح والممتلكات.

4. إذا كان من «توازن رعب» (والمصطلح الأدق هو توازن قوى) قد تولّد بعد حرب تموّز 2006، فإنّ الاستفادة القصوى من هذا «التوازن» لا تكون بترك لبنان الرسمي بعيداً عن مرتكزاته، بل على العكس تماماً، فإنّها تكون من خلال صياغة استراتيجيّة دفاعيّة يكون فيها قرار الحرب والسلم بيد الدولة وحدها وفق ظروفها وسياساتها ومعطياتها وليس في يد أي طرف آخر.

5. حصل في اتفاق ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل تقاطع جملة مصالح دوليّة - إقليميّة في لحظات الاحتدام التي خلفها الغزو الروسي لأوكرانيا، وانعكاس تلك الحرب المستمرة على سوق النفط والغاز، كما توفر غطاء الراعي الإقليمي لـ»حزب الله» لـ»تمرير» الاتفاق. ولكن، ماذا لو تعارضت أجندة طهران مع المصلحة الوطنيّة اللبنانيّة العليا؟ أيهما كان سيتغلب على الآخر؟

من أجل كل تلك الاعتبارات، لا مناص من التأكيد على أهميّة التوصل إلى صيغة ملائمة لمصلحة الدولة اللبنانيّة بالدرجة الأولى، في مجال الخطة الدفاعيّة من خلال الاستفادة الأكيدة من خبرة المقاومة وتجربتها. ولكن أن تبقى ثنائيّة الدولة - المقاومة قائمة ومتحكمة بمآلات الأمور في البلاد، فإنّ ذلك يعني استمرار حالة المراوحة في الداخل اللبناني وفق عقارب الساعة الإقليميّة والمزيد من التعثر في مشروع قيام الدولة، وهو المشروع المنتظر منذ سنوات طويلة، وقد تعدّدت أسباب عدم تحققه بما يتناسب مع تطلعات اللبنانيين وطموحاتهم والنتيجة واحدة.

لعل أول فريق لبناني مطلوب منه القيام بهذه المراجعة، في هذه المناسبة بالذات، هو فريق المقاومة بعيداً عن نشوة الانتصارات المرحليّة التي من الممكن أن يرى البعض أن مشهد قمّة جدّة قد وفّرها معتبراً إيّاها فاتحة مرحلة جديدة. الحقبة المقبلة قد تكون تشكيلاتها جديدة حقاً، ولكن مقاربتها بالعقليّة القديمة يعيدها إلى الخلف ويكبّدها خسائر هائلة.

وتبقى العبرة في التجربة والتنفيذ.


MISS 3