جيمي الزاخم

"الغرفة 207"...خبّأت مفاتيحها وفتحت باب تميّزها

25 أيار 2023

02 : 00

في الإعلان الترويجي الذي بثّته منصة «شاهد» الخريف الماضي، الغرفة 207 لا توارب. تفتح باب مسلسلها بصوت «العمّ مينا» (الممثل كامل الباشا). «إن البعض قال عنها ملعونة. البعض الآخر خرج منها دون شكوى. أمّا من تختاره الغرفة، فلا يخرج منها أبداً». مسلسل، من نوع التشويق، عن غرفة في الطابق الثاني من «فندق لونا» في منطقة مرسى مطروح الساحلية، تدور أحداثه في العام 1968.

العمل مستوحى من رواية الكاتب المصري الراحل د. أحمد خالد توفيق. عاش عمراً لم يكمل الستين، وهو ينتظر أن تتحول إحدى قصصه إلى عمل مرئي. اشترطت الحياة الممات، لتحقّق أمنية كاتب قصص الفانتازيا والخيال العلمي. عام 2019، خرجت روحه إلى الشاشة بعد وفاته بسنة. تفنيد رواياته أو المسلسلات المقتبسة منها يحتاج إلى مقال كامل. إلا أنّ الغرفة لا تنتظر. هي اختارتنا، ونحن سندخلها. على مدار 10 حلقات من الجزء الأول من هذا المسلسل المصريّ، الغرفة تنادي... والضحيّة تلبّي!

مع بداية كل حلقة، أغنية تنبعث من الراديو مختصرةً هوية الجرائم، مع فيروز أو عبد الحليم أو نجاة الصغيرة... في الحلقة الأولى، يصدح صوت أم كلثوم مع «رجعوني عينيك». يستلم جمال الصواف (الممثل محمد فراج) وظيفته كعامل استقبال. يحلّ مكان رشدي سلفه الذي وشوشته الغرفة بتعويذتها. انتحر. اقتلع جلد وجهه لتخلع الحقيقة حقيقتها. مع صوت «الستّ»، تغتسل الغرفة. تستحضر»الماضي وجراحو». ماضي امرأة قُتلت، تنبعث روحها لتسكن فندق ظلمها. تجلس على كرسيها. تتأمل لوحة تتبدّل مع كل حدث، لتنبئ بما سيحصل.

هي بداية متمهّلة غير بطيئة. ترمي الصنّارة في بحر الأحداث لتجذب سمكة الجمهور. تصل بك إلى حدث محفّز يخلّ بتوازن البطل درامياً. تسرد ماضي جمال البعيد عن الغرفة. تتوغّل في أوجاع عمر يجلده فيه صوت والده: «إنتَ السبب في اللي حصل، وكل اللي ح يحصل». إظهار خلفيّات البطل خلق تعاطفاً. لكنّ هذا التعاطف لا يترأس المراسم الدرامية. يتوارى مع عمّال الفندق ونزلاء يأتون إلى حتفهم. هؤلاء ضيوف شرف يتغيرون مع كلّ حلقة. هذه وصفة للمحافظة على نضارة القصة. غير أن العجلة تتعب وتبطئ. ثمّ تعود لتدور في عمل درامي يعد مُشاهده بفواكه طازجة. يحرّك مجموعة أسئلة. تصل إجاباتها في الدقائق الأخيرة. والكثير منها يبقى معلّقاً إلى جزء ثانٍ بدأ التحضير له. على أمل أن يسدّ ثغرات لم نفهم إن كانت مقصودة أو مُهملة. ففي ميزان المنطق، ريشة التساؤلات والاستفسارات ليست خفيفة. ترقص على وتر أحداث وشخصيات حاصرت المشاهد بموسيقى تصويرية نجحت برسم معنى عانقناه أحيانا مع لقطات قريبة. تماهت مع ما كان يقوله المخرج الفرنسي Jean Luc Godard: إن اللقطة القريبة ولدت لتترجم المأساة. وللإنصاف، لقطات أخرى أَفلتت من العناق.

الديكور بُني خصيصاً للعمل. يوائم حقبته وقصته المرتبط بعضها بإيطاليا. يضفي بهرجة النزلاء الأرستقراطية. بينما في طابق العمّال وغرفهم الداكنة كماضي المكان، اللمحة المصرية غائبة. الغبار الغربي يغطّي روح الجدران الشرقية.

الشخصية الفضولية الحاضرة في مثل هذه النوعية من الأعمال، تغيب عن «الغرفة 207». هذا الغياب تعوّضه سارة (ناردين فرج). موظفة استقبال تقرأ قصصاً بوليسية. تلفتها التفاصيل، دون تحوّلها إلى خط منفصل مهووس بكشف الحقيقة. هي وجمال يُغرمان ببعضهما. قصة حبّ مطرّزة بإبرة الماكينات الدرامية لا بشرايين القلوب. لكنها تعود لتشعل الشخصيتين وخيوطهما. علاقتهما تحمل صراعاً ينضمّ إلى جملة صراعات. بعضها كان بارداً، وبعضها نجح في زعزعة توازن ميزان الحكاية: صراع نفسيّ ذاتي، صراع ضد المجهول، صراع البقاء، صراع ضد قوّة خارقة، صراع الرجل والمرأة، صراع مع الشهوة... هذه الشهوة تشرب دم ضحاياها لترمم خلاياها. عندما يريد جمال المغادرة، ترسل الغرفة فاتن. تخاطب غريزته ليبقى ويتمّم المطلوب منه. المسلسل يدخل حكايا التاريخ بهذه الثنائية. مع كليوباترا وشجرة الدرّ، وبحوارات بلغة فصحى كُسرت حركاتها ولم تُضمّد (الأرجح عن قصد)، يقول المسلسل إن الشهوة هي قصة كل زمن.





اقــتــبــاس أم تــوارد أفــكــار؟

عند صدور رواية سرّ «الغرفة 207»، اتّهم توفيق أنه اقتبسها من قصة «1408» للكاتب الأميركي ستيفن كينغ. ردّ توفيق أنه لم يكن قرأها قبلاً. فيلم «1408» ومسلسل «الغرفة 207» يتشابهان بمكان وطأته الكثير من أعمال الرعب والجرائم: غرف الفنادق. الغرفتان محرّمتان. يُشاع أنّهما مسكونتان بالأرواح. الرقمان يشيران بعملية الجمع أو الطرح إلى الرقم 13! يدخلها بطلا المسلسل والفيلم. ينزويان مع عقلهما الباطني. العملان يحوّلان شاشة تلفاز الغرفة إلى مرآة لطفولة الشخصيات ومعاناتهم. لكن في «الغرفة 207»، الشاشة نالت دور بطولة. طرحت الحلقة تحوّل العالم من المذياع إلى الشاشة، مع ما حملته هذه الأخيرة من مشاكل. كما يمكننا إسقاط الأحداث على دور الصورة مع إعلام يجتزئ ما يصوّره. فيلهب كارثة. إذاً، العملان يختلفان ويفترقان. كما أن «الغرفة 207» بمسلسلها تحيدُ أحياناً عن الرواية الأصلية. مثلاً، جمال في الرواية رجل عجوز يروي ما شهده الفندق طيلة أعوام. أما في المسلسل فهو موظف شاب جديد. يحاول أن يفهم. لكنّه يصل دائماً متأخراً.

في الغرف الدرامية، تصنّف «الغرفة 207» على اللوائح الجديرة بالمتابعة والضيافة نظراً لجودة خدماتها الفنّية. ننتظرها في جولة ثانية قد تُخسرها أو تكسبها الحرب. حرب لم تكن ناعمة مع غرفة خنقت شخصياتها بشراشف بيضاء يختبئ تحتها وحش أسود. يوقظ الغرفة من سباتها. غرفة قد تكون عقولنا بشحوبها، مرآتنا التي ننكرها، دنيانا بدوّاماتها وأساطيرها.


MISS 3