إشارة فريدة من نوعها في الدماغ البشري

02 : 00

إكتشف العلماء حديثاً شكلاً استثنائياً وغير مسبوق من التأشير الخلوي في الدماغ البشري. يُلمِح هذا الاكتشاف إلى احتمال أن يكون دماغنا وحدة محوسبة أكثر قوة مما نظن.



في العام 2020، نشر باحثون من معاهد في ألمانيا واليونان تقارير عن آلية ناشطة في الخلايا القشرية الخارجية للدماغ، وهي تنتج إشارة «متدرّجة» جديدة من تلقاء نفسها وقد تمنح الخلايا العصبية الفردية طريقة أخرى لتنفيذ مهامها المنطقية.

من خلال قياس النشاط الكهربائي في أجزاء نسيجٍ استُخرِج خلال جراحة على مصابين بالصرع وتحليل بنيتها عبر استخدام الفحص المجهري الفلوري، اكتشف علماء الأعصاب أن الخلايا الفردية في القشرة الدماغية لا تستخدم أيونات الصوديوم المعتادة لإطلاق الإشارات فحسب، بل تستعمل الكالسيوم أيضاً.

هذا الخليط من الأيونات المشحونة إيجاباً أنتج موجات غير مسبوقة من الجهد الكهربائي، وهي تحمل اسم «جهد الفعل الشجيري بوساطة الكالسيوم» (dCaAP).

غالباً ما تُقارَن الأدمغة، لا سيما تلك التي تعود إلى الجنس البشري، مع الحواسيب. تبقى هذه المقارنة محدودة، لكن ينفّذ الدماغ والحاسوب المهام بطرقٍ متشابهة على بعض المستويات. يستعمل كلاهما قوة الجهد الكهربائي لتنفيذ عمليات متنوعة. في الحواسيب، تكون هذه العملية على شكل تدفق بسيط للإلكترونات عبر تقاطعات تُسمّى ترانزستور.

وفي الخلايا العصبية، تكون الإشارة على شكل موجة لفتح وإغلاق القنوات التي تتبادل الجزيئات المشحونة، مثل الصوديوم، والكلوريد، والبوتاسيوم. هذا النبض من الأيونات المتدفقة يُسمى «جُهد الفعل».

بدل أجهزة الترانزستور، تدير الخلايا العصبية تلك الرسائل بطريقة كيماوية على طرف تشعبات. يوضح عالِم الأعصاب، ماثيو لاركوم، من جامعة «هومبولدت»: «تُعتبر التشعبات أساسية لفهم الدماغ لأنها جزء محوري من العوامل التي تحدد القوة المحوسبة للخلايا العصبية الفردية».

تكون تلك التشعبات أشبه بإشارات مرور في جهازنا العصبي. إذا كان جهد الفعل قوياً بما يكفي، يمكن تمريره إلى أعصاب أخرى تستطيع إعاقة الرسالة أو نقلها.

هذه هي الأسس المنطقية لدماغنا، فهي تقوم على تموجات من الجهد الكهربائي القابل للنقل جماعياً بطريقتَين: تُنقَل الرسالة عند تنشيط العاملَين المؤثرَين معاً أو عامل واحد منهما.

تكون هذه العملية الأكثر تعقيداً في الجزء الخارجي الكثيف والمُجعّد من الجهاز العصبي المركزي البشري، أي القشرة الدماغية. تبدو الطبقتان الثانية والثالثة سميكتَين على نحو خاص، وهما مليئتان بتشعبات تقوم بوظائف عالية المستوى وعلى صلة بالإحساس، والتفكير، والسيطرة الحركية.

ركّز الباحثون على أنسجة من هذه الطبقات بالذات، فوصلوا الخلايا بجهاز اسمه «مشبك التصحيح العصبي الجسدي» لإرسال الجهد الكهربائي إلى أعلى كل خلية عصبية وأسفلها لتسجيل إشاراتها.

للتأكد من عدم انحصار أي اكتشافات بفئة مرضى الصرع، اختبر الباحثون نتائجهم على مجموعة عيّنات مأخوذة من أورام دماغية.

أجرى العلماء تجارب مشابهة على الجرذان، لكن كانت أنواع الإشارات التي رصدوا نشاطها في الخلايا البشرية مختلفة للغاية.

الأهم من ذلك هو أنهم رصدوا إشارة عندما ضخوا جرعة من التيترودوتوكسين (نوع من حاصرات قنوات الصوديوم) في الخلايا. لم يتوقف النشاط إلا بعد إعاقة الكالسيوم.

يُعتبر اكتشاف جهد الفعل بوساطة الكالسيوم مثيراً للاهتمام بما يكفي. لكن كشفت نمذجة طريقة عمل هذا النوع الجديد والحساس من الإشارات في القشرة الدماغية مفاجأة غير متوقعة.

تستطيع هذه الخلايا العصبية الفردية أن تؤدي دور تقاطعات حصرية، ما يعني أن تسمح بإنتاج الإشارات عند تشكيل إشارة أخرى بطريقة معينة.

تبرز الحاجة إلى إجراء أبحاث إضافية لمعرفة طريقة تصرّف جهد الفعل الشجيري بوساطة الكالسيوم في أنحاء الخلايا العصبية وفي الأنظمة الحية. ويجب أن يعرف العلماء أيضاً إذا كانت هذه الظاهرة بشرية أو إذا تطورت آليات مماثلة في أماكن أخرى من عالم الحيوان.

تستكشف التكنولوجيا أيضاً الجهاز العصبي البشري بحثاً عن مصدر إلهام حول كيفية تحسين المعدات المستعملة. يمكن ابتكار طرق جديدة لترانزستور الشبكات إذا علمنا أن الخلايا الفردية تلجأ إلى حِيَل إضافية لإتمام مهامها. لكن يُفترض أن يكتشف الباحثون مستقبلاً تأثير هذه الأداة المنطقية الجديدة داخل خلية عصبية واحدة على وظائف أكثر أهمية.