لا يبدو أن مدينة صيدا ستستسلم للقوى الظلامية، تلك التي لا تحبّذ الانفتاح ولا تستسيغ الموسيقى والتي تسعى جاهدةً الى حبس المدينة في قوقعةٍ بعيدة عن التمدّن. فمهما سعى البعض لتصوير المدينة بأنّها من محبي التقوقع، تبرهن لهم العكس بأنها منبر الانفتاح والحياة. فقد شهدت المدينة أخيراً حدثاً ثقافياً بامتياز في باحة "متحف الصابون" الخارجية باستضافتها فرقةً موسيقية أميركية باسم Black Alley قدّمت ورشة احترافية لشباب صيدا المتعطشين للاطلاع على الانماط الموسيقية الأجنبية وعلى صقل مواهبهم. واستقدمت السفارة الأميركية في بيروت الفرقة الى لبنان لإحياء ثلاث حفلات موسيقيةٍ ضخمة في مناطق مختلفة من البلاد، بالإضافة الى حفلاتٍ صغيرةٍ وورش أعمال موسيقية مختلفة.
تتميّز فرقة Black Alley القادمة من العاصمة واشنطن - المؤلفة من 5 موسيقيين (داني هندرسون على الدرامز، جوشوا كاميرون على الباس، مايلز شون على الكيبورد وكاميرون كونراد بولز وديريك ليونز على الإيقاع) والمغنية كايسي ويليامز- بموسيقاها الايقاعية الفريدة من نوعها وهي مزيجٌ من "الروك" و"الهيب هوب" وموسيقى الـ "go go" الحديثة وهي تطلق على هذا النوع المبتكر اسم الـ "Hood Rock" وسبق لها أن جالت بها في عددٍ كبير من البلدان العربية كالبحرين والامارات والكويت والأردن وهي في أول زيارةٍ لها الى لبنان.
بدأت الفرقة زيارتها في الشوف حيث قدّمت حفلةً في مركز إعداد IDAD لجمعية أصدقاء المعوّقين، تلتها زيارة الى مدينة صيدا حيث قدّمت ورشةً موسيقية لعشرين شاباً أطلعتهم فيها على هذا النوع من الموسيقى والأغاني ودور الإيقاع فيها، ثم انضم إليها الشباب عزفاً وغناء لتُختَتَم الحلقة التثقيفية بحفلةٍ حضرها ما يزيد عن المئة وخمسة وثلاثين شخصاً من مدينة صيدا والجوار.
كان تفاعل الصيداويين مع الموسيقى ملحوظاً. وزاد جمال الموقع بالذات "متحف الصابون" العريق من سحر الأمسية. الموسيقى تعني الكثير للصيداويين إذاً والمشاركة في العزف والغناء كذلك. كأنّهم وجدوا متنفساً يزيل عنهم الرتابة والحزن. حضروا الأمسية وغنوا ورقصوا على أنغام الموسيقى الصادحة وحين توقفت الفرقة لبعض الوقت ريثما ينتهي موعد الأذان، تحمسوا لملء فراغ الانتظار بأسئلة طرحوها بفضولٍ على أعضاء الفريق عن انطباعاتهم عن لبنان وصيدا والمطبخ اللبناني. "تأثرنا كثيراً بحفاوة الاستقبال وهذه الحرارة التي لمسناها من الجمهور. هي أول زيارة لنا الى لبنان، ولكننا بعد ما رأيناه من جمال صيدا وفرادتها نريد دعوة الجميع إليها. نريد أن نطلع اللبنانيين على موسيقانا التي هي مختلفة قليلاً عما يعرفونه. لقد شعرت بهذا الرابط بيننا أثناء الامسية، فالموسيقى تقرّب المسافات بين الحضارات المختلفة، وحرصت على دعوة الناس في صيدا الى الرقص والترفيه عن أنفسهم فالحياة تستحق الابتسامة، وقد أذهلوني بحيويتهم الفائقة"، قالت مغنية الفرقة كاسي وليامز. يؤيدها عازف غيتار البايس جوشوا كاميرون الرأي قائلاً: "حين يتكلم الناس عن لبنان كل ما يذكرونه هو الحرب فقط، وليس كلّ ما يتضمنه من غنىً وأشياء جميلة، لذلك يسعدني اليوم قدومنا الى هذه البلاد لاختبار كل ما هو جميل فيها بنفسنا، وقد رأينا بأم العين كم أن الناس موهوبون ومحبون للحياة وليس أجمل من هذا الشعور وأشعر بفرح عارم للعزف هنا". عازف الكيبورد شون مايلز أيضاً متحمّس لمشاركة الجيل الصاعد من العازفين اللبنانيين بعض الحفلات الموسيقية: "هذه التجربة ممتعة بالفعل لنا، أن ندمج موسيقانا بموسيقى اللبنانيين ونصبح قالباً واحداً بنغماتٍ متنوعة. هل أجمل من هذا التلاقح؟"، يعلّق بحماسة.
وتقدّم الفرقة حفلةً موسيقية أخرى اليوم عند الساعة الواحدة ظهراً في جامعة الحكمة في فرن الشباك مع 170 طفلاً من برنامج "بيروت تُرنّم- السيستيما" المموّل من السفارة الأميركية لتوفير التعليم الموسيقي على مدار السنة للأطفال غير القادرين على التدريب الموسيقيّ لأسبابٍ اقتصادية. والحفلة هذه مفتوحة مجاناً للجميع وبالتالي إن كنت تريد قضاء بعض الوقت الممتع مع عائلتك وأطفالك والاستمتاع بفرقة Black Alley الذي سينضم إليها كورال وعازفو كمان وتشيلو من أطفال "السيستيما"، لا تدع الفرصة تفوتك ولا تتردّد في أن تقصد جامعة الحكمة في فرن الشباك.
تختتم الفرقة زيارتها الى لبنان بحفلةٍ ضخمة عند الساعة السابعة مساءً من يوم غد على مسرح بيار أبو خاطر بجامعة القديس يوسف، بمشاركة قائدة الأوركسترا ياسمينا صبّاح وكورس جامعة القديس يوسف وفرقة Jeunesses Musicales Du Liban للكمان.
