طوني فرنسيس

خارج الموضوع

27 أيار 2023

02 : 00

كان مدرّس الإنشاء في الصفوف الابتدائية يحكم على مسابقات التلامذة لجهة اقترابها أو بعدها من معالجة الموضوع المطروح، ثم تأتي علامته استناداً لعمق المعالجة والأسلوب واللغة. قبل أن يضع علامته وملاحظاته على نص التلميذ فيكتب جيّد أو يقول كلمته القاطعة: خارج الموضوع. ما يعني أنّ التلميذ لم يفهم الموضوع ولم يعالجه لا من قريب ولا من بعيد فنال صفراً مُستحَقاً.

في معمعة البحث عن الرئيس الجديد للجمهورية يمكن أن يُقال للعديد من النواب وكتلهم إنهم خارج الموضوع. النقاش الذي يخوضونه والاتصالات التي يقومون بها والمواصفات والشروط التي يطرحونها لا تقارب المسألة في جوهرها. إنهم كذلك التلميذ الذي طلب إليه الأستاذ وصف رحلة إلى القرية فكتب له عن زاروب الحرامية. والنتيجة: خارج الموضوع حتى لو كان يستحق الثناء لجهده وابداعه.

والموضوع في لبنان يُختصر الآن بسد الفراغ في أعلى مراكز السلطة، لكن سد الفراغ لا يقتصر على تعيين رئيس للجمهورية حتى لو جرى توفير 128 نائباً يصوتون له ثم ينصرفون إلى ارتباطاتهم في اليوم التالي. فالمعالجة الرئاسية تقتضي الدخول إلى صلب الموضوع وليس الاكتفاء بعنوانه، وأي رئيس سيأتي إلى المنصب لن يمكنه فعل شيء إذا لم يتوفر له ذلك الاتفاق المُسبق، بين داعميه، على مبادئ معالجة قضايا ثلاث كبرى ومصيرية.

القضية الأولى، الأزمة الاقتصادية والمالية المتمادية منذ أربع سنوات، وكيفية الانخراط الجدي في معالجتها بما يضمن الخروج منها بإعادة تحريك عوامل النمو واستعادة الثقة وضمان جني أعمار المواطنين...

القضية الثانية، حلّ مسألة تضخم أعداد النازحين السوريين عبر اتخاذ القرارات التي تنطلق من المصلحة الوطنية العليا، وليس من مواقع الانقسام والالتحاق والعنصريات المؤقتة، لإعادة المواطنين السوريين إلى بلادهم ورسم سياسات واضحة للجوء والهجرة والعمالة، بعيداً عن مزايدات هذا الطرف أو ذاك وحسابات هذه الفئة السياسية أو تلك.

القضية الثالثة، هي في استعادة مشروع بناء الدولة مؤسسات وإدارة، بعيداً من هيمنة هذه الميليشيا الطائفية أو تلك، وجعل الدولة مرجعية وحيدة لقضية السيادة والاستقلال والدفاع عن الارض، وخوض معارك الأمة الكبرى...

لا يمكن الخوض في مسألة الرئاسة من دون بلورة رؤية واضحة حول ما سينتظرنا بشأن هذه القضايا المحورية الثلاث. فإذا كان صحيحاً أنّ شخصية الرئيس مهمة، لكن ما سيختاره لبنان اليوم ليس مجرد شخص لطيف أو جذاب، وإنما برنامج عمل يمكن ويجب تنفيذه، ولتحقيق ذلك لا بد من العودة إلى جوهر الأمور لبناء كتلة صلبة تتيح انتخاب برنامج عمل يتولاه رئيس وحكومة... والاّ ستبقى كل المعالجات خارج الموضوع والعلامة تكون صفراً كبيراً.