"السلطان" أردوغان باقٍ!

02 : 00

أردوغان خلال إدلائه بصوته داخل مدرسة في إسطنبول أمس (أ ف ب)

نجح "البرغماتي" المحنّك ذو التوجّهات الإسلامية رجب طيب أردوغان بانتزاع فوز لم يكن مفاجئاً في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية التركية، في مواجهة مرشّح المعارضة وزعيم حزب "الشعب الجمهوري" كمال كليتشدار أوغلو، فارضاً ولاية رئاسية ثالثة تمتدّ حتّى 2028. وبذلك، تكون غالبيّة الأتراك قد جدّدت ثقتها بـ"السلطان" أردوغان، رغم الفساد المستشري والتضخّم الهائل وقمع الحرّيات وفشل السلطات في الاستجابة السريعة لزلزال 6 شباط التاريخي.

وفي خطاب النصر، قال أردوغان من على سطح حافلة متوقّفة أمام مقرّ إقامته في اسطنبول وسط حشد من أنصاره: "عهدت إلينا أمّتنا مسؤولية حكم البلاد للسنوات الخمس المقبلة"، مؤكداً أنّه "سنفي بكلّ الوعود التي قطعناها للشعب". كما رأى أن "كلّ عملية انتخابية هي نهضة"، معتبراً أن هذه الانتخابات أظهرت أن "لا أحد يستطيع أن يُهاجم مكتسبات هذه الأمّة".

وذكرت وكالة أنباء "الأناضول" الرسمية أن أردوغان حصد 52.1 في المئة من الأصوات مقابل 47.9 في المئة لخصمه كليتشدار أوغلو، بعد فرز نحو 99 في المئة من بطاقات الاقتراع، فيما كشفت لجنة الانتخابات التركية أن نسبة المشاركة في الجولة الثانية بلغت أكثر من 85 في المئة.

وخاض أردوغان الموجود في السلطة منذ 20 عاماً هذه الدورة الثانية غير المسبوقة في الانتخابات الرئاسية، من موقع الأوفر حظّاً في مواجهة الاشتراكي - الديموقراطي كليتشدار أوغلو. وعشية الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، اختار أردوغان زيارة ضريح رئيس الوزراء القومي - الإسلامي السابق عدنان مندريس، الذي أعدمه العسكريون عام 1961 ويُشكّل مصدر إلهام له في السياسة، لحشد تأييد القاعدة المحافظة.

وكان مندريس، الشخصية البارزة لدى اليمين المحافظ التركي أنهى في 1950 حكم حزب "الشعب الجمهوري" العلماني، الذي أسّسه مصطفى كمال أتاتورك، مؤسّس تركيا الحديثة، والذي يتزعّمه اليوم كليتشدار أوغلو.

أحدث أردوغان تحوّلاً عميقاً في تركيا من خلال مشاريع بنى تحتية ضخمة تضمّنت بناء طرقات سريعة ومطارات ومساجد، وسياسة خارجية منفتحه على شرق آسيا ووسطها على حساب حلفاء أنقرة الغربيين التقليديين، الذين حاول التقرّب منهم اثر وصوله إلى السلطة.

رغم النفور الغربي تجاهه، سمحت له الحرب في أوكرانيا بالعودة إلى صدارة المشهد الديبلوماسي بفضل جهود الوساطة التي قام بها بين كييف وموسكو، إلى جانب تعطيله منذ نحو عام دخول السويد إلى الناتو.

لكن معارضي أردوغان يتهمونه بنزعة استبدادية، لا سيّما بعد المحاولة الانقلابية التي حصلت في تموز 2016 والتعديلات الدستورية عام 2017 التي وسّعت صلاحياته.

غالباً ما يُصوّر أردوغان في الغرب على أنه "سلطان" متمسّك بالعرش. لكنّ الرجل الذي يحنّ إلى الأمبراطورية العثمانية والذي شيّد قصراً يضمّ أكثر من 1000 غرفة في أنقرة، يواصل تقديم نفسه بصفته "رجلاً من الشعب في مواجهة النخب".

واستند إلى هذه الصورة ليفوز في كلّ الانتخابات منذ تولّى حزبه "العدالة والتنمية" السلطة في 2002. لكنّه واجه هزّات سياسية، خصوصاً عندما حرمته المعارضة في 2015 من غالبيّته البرلمانية، ثمّ انتزعت منه رئاسة بلديّتَي أنقرة واسطنبول العام 2019.

ورغم تباطؤ حركته في بعض الأحيان، لا يزال أردوغان قادراً على عقد 8 اجتماعات في يوم واحد، ويستعرض قدراته الخطابية مستشهداً بقصائد قومية وآيات قرآنية لإثارة الحشود.

وُلد أردوغان في حي قاسم باشا الشعبي في اسطنبول، وكان يتطلّع إلى احتراف رياضة كرة القدم التي مارسها لفترة قصيرة، قبل الانتقال إلى العمل السياسي. تعلّم أصول اللعبة السياسية داخل التيار الإسلامي الذي كان يقوده نجم الدين أربكان، ثمّ دفع إلى الواجهة مع انتخابه رئيساً لبلدية اسطنبول في 1994.

في 1998، حكم عليه بالسجن مع النفاذ بعدما أنشد قصيدة دينية، في حادث ساهم في تعزيز موقعه. وسنحت له الفرصة للانتقام عند فوز حزب "العدالة والتنمية" الذي شارك في تأسيسه، في انتخابات 2002. ففي السنة التالية أصبح رئيساً للحكومة وبقي في هذا المنصب حتّى 2014، عندما أصبح أوّل رئيس تركي يُنتخب بالاقتراع العام المباشر.

ويبقى أردوغان المتزوّج والأب لأربعة أولاد، في نظر أنصاره، الوحيد القادر على "التصدّي" للغرب وقيادة السفينة عبر الأزمات الإقليمية والدولية.

في المقابل، طرح كليتشدار أوغلو نفسه كمكافح للفساد في السياسة التركية، مندّداً منذ سنوات بهذه الآفة المستشرية في أعلى هرم السلطة. ومنذ أن تولّى رئاسة حزب "الشعب الجمهوري" قام بتغيير نهج الحزب من خلال محو صورته العلمانية المتشدّدة، فيما خاض الانتخابات ناسجاً تحالفات واسعة فشلت في هزيمة أردوغان أو حتّى الحصول على غالبيّة في البرلمان.


MISS 3