جاكوب كينسر، فيجايا راماشانران

البلدان الغنية تعترف أخيراً بحق أفريقيا باستعمال الغاز

31 أيار 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

ناقلة غاز تاركة ميناء بلباو متجهةً إلى ميناء بوني في نيجيريا | كانون الثاني ٢٠٢٢

في العام 2010، اكتشفت موزمبيق كمية ضخمة من احتياطيات الغاز الطبيعي البحرية التي تنذر بتغيير اقتصاد البلد. يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي راهناً حوالى 15 مليار دولار، وتتوقّع الحكومة أن تضمن مبيعات الغاز الطبيعي المُسال عائدات بقيمة 95 مليار دولار خلال 25 سنة. قد تكون موزمبيق غنية بالموارد، لكنها من أفقر بلدان أفريقيا أيضاً وتعجز وحدها عن تأمين الاستثمارات لتشييد البنية التحتية اللازمة لاستخراج الغاز وتوزيعه وتصديره.



رغم التقدّم الحاصل، تتعلق المسألة الأساسية حتى الآن بمعرفة مدى استعداد البنك الدولي وبلدان غربية متنوّعة لمتابعة المشاركة في مشاريع الغاز في موزمبيق. في السابق، تلقّى هذا البلد التمويل من حكومات غنيّة لاستخراج الغاز وتصديره، وقدّمت «مؤسسة تمويل التنمية الدولية» الأميركية الدعم لمحطة الطاقة المحلية العاملة بالغاز أيضاً. لكن أدّت السياسات التي تزداد صرامة على مستوى الدعم العام لتطوير الوقود الأحفوري إلى انسحابٍ واسع النطاق من هذه المشاريع.

على مرّ سنوات، فشلت مواقف القادة الأفارقة التي تعتبر سياسة الطاقة الغربية تجاه الجنوب العالمي غير منطقية في تغيير النزعة السائدة، علماً أن تلك المواقف تعتبر أفريقيا بأمسّ الحاجة إلى المزيد من الطاقة لتعزيز النمو الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة لشعوبها التي تشهد نمواً متسارعاً. لكن يبدو أن أزمة الطاقة العالمية بدأت تغيّر الآراء اليوم بطريقة عجز عنها الأفارقة طوال هذه الفترة. فيما تتخبّط أوروبا لتأمين حمولات النفط والغاز الطبيعي المسال والفحم من أجل استبدال الإمدادات الروسية والمفاعلات النووية التي قرّرت ألمانيا وبلدان أخرى إغلاقها، اتّضح أن الدول الغربية كانت تفرض على الجنوب العالمي متطلبات تفوق ما تقدّمه بنفسها. تبدو السياسة التي تحرم أفريقيا من تسهيلات تستفيد منها البلدان الغنية مشينة بكل بساطة.

كان إيجابياً إذاً أن يعلن مسؤول مرموق في البنك الدولي، في شهر آذار الماضي، عن تفكير المؤسسة الآن بدعم تطوير موارد الغاز الطبيعي في موزمبيق، طالما تحصل هذه العملية «في سياق خطة انتقالية واضحة». يُعتبر هذا الدعم المعلن، رغم تحفّظاته، خطوة مهمة لتهدئة مخاوف الفريق الذي يتوقّع تحويل قيود البنك الدولي في مجال الغاز إلى حظر كامل.

تُعتبر موزمبيق حالة نموذجية لتفسير السبب الكامن وراء ضرورة زيادة مرونة مشاريع تطوير الطاقة. يعيش حوالى ثلثَي السكان بدولارَين يومياً، ويستفيد 40% من سكان البلد فقط من الكهرباء، ويتوسّع نطاق استعمال الكتلة الحيوية للطبخ الداخلي (لا سيما كميات الفحم والخشب المجموعة من مساحات تشهد إزالة للغابات)، وهو سبب أساسي للوفاة المبكرة، لا سيما وسط النساء والفتيات. يبلغ متوسط استهلاك الكهرباء في موزمبيق 1/15 من استهلاك ألمانيا. قد لا تكون إمدادات الطاقة هناك كافية، لكنها أكثر نظافة من معظم البلدان الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة وألمانيا: ينتج سد «كاهورا باسا» للطاقة الكهرمائية، الذي بَنَته الحكومة الاستعمارية البرتغالية في العام 1974، حوالى 80% من كهرباء البلد.

قد تُركّز عمليات إنتاج الغاز وخطط البنية التحتية الجديدة في البداية على تزويد الأسواق الآسيوية والأوروبية بالغاز الطبيعي المُسال، لكن بدأ الاتحاد الأفريقي وبنك التنمية الأفريقي يزيدان دعمهما للاستثمار في قطاع الغاز لتعزيز النمو الاقتصادي المحلي أيضاً. تشكّل موارد الغاز في موزمبيق فرصة لإنعاش البنية التحتية للطاقة المحلية، بما في ذلك محطات الطاقة وشبكة الكهرباء. كذلك، يمكن استعمال الغاز للطبخ النظيف وتصنيع الأسمدة محلياً. قد يصبح دور البنية التحتية في قطاع الغاز أساسياً لتنفيذ العملية الانتقالية في موزمبيق أيضاً، شرط تنفيذها بطريقة ذكية.

لكن ينطبق وضع موزمبيق على أجزاء أخرى من العالم. يعيش حوالى 775 مليون شخص من دون كهرباء، معظمهم في أفريقيا جنوب الصحراء. كذلك، لا يحصل 3 مليارات شخص على الوقود المستعمل في الطبخ النظيف أو التكنولوجيا المتطوّرة، ويعيش حوالى 3 مليارات شخص ونصف في اقتصادات أصبحت فيها الطاقة الشائبة من العوائق الدائمة أمام تأمين فرص العمل، والنمو الاقتصادي، والحياة اللائقة. يترسّخ الفقر بسبب فرط انعدام الأمان في مجال الطاقة. أدى الاتكال على الفحم وروث الحيوانات للطبخ، بدل الغاز أو الكهرباء، إلى نشوء أزمة على مستوى الصحة العامة، وهي تقتل ملايين الناس سنوياً. كذلك، يموت ملايين آخرون بسبب الدخان الذي ينتجه حرق الفحم والنفط.

لكنّ تعطّش أفريقيا إلى الطاقة لا يمنع إنتاج الطاقة الخضراء، بل العكس صحيح. تبقى حصة أفريقيا جنوب الصحراء من انبعاثات الكربون العالمية أقل من 4%، لكن بدأت بلدان عدة في المنطقة تتّخذ الخطوات اللازمة لضمان تشغيل اقتصاداتها بالطاقة النظيفة أولاً. التزمت نيجيريا مثلاً بخطة الانبعاثات الصفرية التي تشمل تطويراً واسع النطاق لطاقة الشمس، والرياح، وحرارة الأرض، والطاقة الكهرمائية.

لكن لا تكون طاقة الشمس والرياح بديلة مباشرة عن إمدادات الطاقة الشائعة في جميع الحالات، وهي لا تلائم مختلف الاستعمالات في الوقت الراهن. في عدد كبير من البلدان الفقيرة، يبقى دور الوقود الأحفوري أساسياً لتسريع توسّع شبكات النقل، والطبخ النظيف، والإنتاج الصناعي (بما في ذلك الحرارة المستعملة لتصنيع الفولاذ والأسمنت، أو كمواد خام للأسمدة والبلاستيك والكيماويات). في ظل تسارع استعمال الطاقة المتجددة، قد يصبح الغاز أساسياً أيضاً لدعم طاقة الرياح والشمس التي تتوقف على الطقس وللحفاظ على توازن الشبكة. في بعض الحالات، قد تكون موارد الغاز المحلية أسرع وأرخص طريقة لمعالجة مشكلة نقص الطاقة وتحقيق النمو الاقتصادي. وبما أن الطاقة الاحتياطية تُعتبر أساسية طالما يبقى تخزين البطاريات الرخيصة والوافرة بعيد المنال، سيكون الغاز أيضاً من أفضل الوسائل لإضافة الشمس والرياح إلى نظام الطاقة.

يعتبر كل بلد أمن الطاقة أساسياً لشعبه واقتصاده، وهو رأي صائب. حين يصبح الغاز غير متاح أو مكلفاً أكثر من اللزوم، تبحث البلدان عن بدائل لمساعدتها على تجنّب العتمة. دفعت أزمة الطاقة في العام 2022 باكستان إلى تكثيف خططها المرتبطة بمحطات الطاقة العاملة بالفحم بأربعة أضعاف. ولا تستطيع بنغلادش أن تتكل على إمدادات الغاز الدولية، لذا تعمد بدورها إلى زيادة استعمال الفحم. في غضون ذلك، بدأت بوتسوانا تعيد إحياء الخطط الرامية إلى بناء محطة بقيمة 2.5 مليار دولار لتحويل الفحم إلى سائل بهدف تخفيض تكاليف الوقود المستورد. لجأت أوروبا إلى الفحم أيضاً للتعامل مع النقص المتزايد في العام 2022 والتعويض عن القرار السياسي بإقفال المفاعلات النووية تزامناً مع احتدام أزمة الطاقة العالمية.

عندما تكبح البلدان الغنية أو البنك الدولي دعمها الاستثماري للوقود الأحفوري بسرعة مفرطة، فستجازف بإضعاف الجهود الانتقالية. في الوقت الراهن، تتفاوض الولايات المتحدة ومجموعة من الحكومات الأوروبية مثلاً حول «شراكة عادلة لنقل الطاقة» مع السنغال التي اكتشفت رواسب كبيرة من الغاز الطبيعي في السنوات الأخيرة. تُخطط السنغال لاستعمال جزء من ذلك الغاز للتخلي عن توليد الطاقة عبر زيت الوقود الثقيل تدريجاً، علماً أنه من أكثر أنواع الوقود تلوّثاً وكثافة بالكربون. لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بسبب وعود غربية سابقة بإنهاء أي دعم علني لمحطات الطاقة العاملة بالغاز. إذا فشلت «الشراكة العادلة لنقل الطاقة» بسبب هذه السياسات الصارمة تجاه شبكات الغاز الجديدة، فستتابع السنغال على الأرجح حرق الوقود القذر لتشغيل اقتصادها. تتكرّر هذه المعضلة على نطاق أصغر في أنحاء القارة، حيث تُعتبر مولّدات الديزل التي تحرق الوقود القذر بديلة عن الطاقة غير الكافية. باختصار، لن يُحقق أي حظر لجميع خطط تمويل الغاز المنافع المناخية المتوقّعة بالضرورة.

لم يُصدِر البنك الدولي أي سياسة جديدة لزيادة دعم الغاز، ولم يعلن عن أي التزامات جدّية. حتى الآن، يجب أن تقوم جميع المشاريع بمراجعة بيئية واجتماعية وأن تحصل على موافقة مجلس إدارة البنك. مع ذلك، يبقى الاعتراف بحاجة موزمبيق إلى تطوير احتياطيات الغاز فيها خطوة مهمة، ويُعتبر اعتراف البنك بـ»الظروف المتباينة» في الجنوب العالمي ضرورياً أيضاً. إذا أعلن البنك الدولي دعمه مشاريع الغاز في موزمبيق فعلاً، فسيوجّه رسالة واعدة مفادها أن هذه المؤسسة لن تسمح بتحويل القيود المفروضة إلى حظر حقيقي.

في النهاية، يبقى البنك الدولي في جوهره منظمة تنموية تُعنى صراحةً بتعزيز النمو الاقتصادي على المدى الطويل وتخفيف حدّة الفقر حول العالم. يُعتبر التغيّر المناخي مسألة عالمية مُلحّة، لكنه جزء بسيط من المسائل التي يُفترض أن يعالجها البنك. قد يكون المسار الأخضر الذي يقود إلى الازدهار محبّذاً وممكناً في معظم الظروف على المدى الطويل، لكن يُفترض أن ينظر البنك الدولي إلى مشاريعه وسياساته وكأنها جزء من واجبه الأساسي الذي يتعلق بإنهاء الفقر المدقع. إذا لم يكن بيان البنك الأخير بشأن مساعدة موزمبيق مجرّد موقف عابر، يعني ذلك أن هذه الحقيقة الأساسية بدأت تتضح للجميع أخيراً.


MISS 3