بسام نونو

حيُّنا والكورونا - الحازمية

30 آذار 2020

04 : 01

الحازمية

هي السكينة نفسها، لكنها بطعم مختلف هذه المرة. هنا في حيّنا الهادئ بحكم طبيعته الجغرافية قبالة "قناطر زبيدة" لم يعد الهدوء نفسه يخيّم فوق رؤوسنا ولا ذاك السكون نفسه يختلج صدورنا. الأحاسيس اختلطت، المعايير اختلفت، الشهيق والزفير بات بحساب، تنشق الهواء أضحى حبس أنفاس، وجوه كثيرة غابت عن المشهد وأخرى تطل من خلف كمامة، إطارات السيارات تكاد تتآخى مع الإسفلت والشوارع عادت "قادومية" للمتريّضين و"كزدورة الكلاب".

نجول الحيّ مشياً وهرولةً وركضاً، نلتقي "عن بُعد"، لا كلام ولا سلام، مجرد "تحية قفازات" مع ابتسامة سـرياليـــة ترتسم على الشفاه، الكل يتحسس الخطر، منسوب تحمّل المسؤولية يرتفع يوماً بعد آخر، ومن كان من الجيران يتعامل بخفة مع الحدث أصبح يتحدث عن علامات "قيام الساعة" ويعظ الناس بالتزام أقصى درجات الوقاية.

الصورة في مجملها بقيت هي هي، لكنّ الأبعاد «تشقلبت»... كان ولا يزال عبور السيارات خفيفاً في شوارع حيّنا الفرعية، الدراجات النارية والهوائية كانت ولا تزال تعبر الطريق، ليس في حيّنا محال تجارية أصلاً لتقفل أبوابها، بقي القديم على قدمه للعيان غير أنّ الجوهر نفسه نسفه الكورونا، فلم يعد «الرواق» سمة من سمات راحة البال بل تحوّل واحداً من دلالات «شغلة البال»، القلق استوطن النفوس وكمّ أفواه الناس، دويّ الهمس أقوى الأصوات على الساحة، خفتت نبرة الناس وكأن الوباء يسمعنا ونخشى أن يلتفت إلى صوتنا... كم من نعمة استحالت نقمة تحت وطأة هذا الفيروس الخبيث، حتى الأوكسيجين مشكوك بصحته، كل يوم «خبرية» تتقاذفها الألسن عن اتساع رقعة الطرق التي تتنقّل عبرها العدوى، وصولاً إلى وضع الهواء الذي نتنشقه في دائرة الشبهة.

عاد كل حيّ إلى حيّه، وحيّنا «واحد منّن»، وكأنها «حرب أحياء» نخوضها ضد كورونا... نحصّن جبهتنا الداخلية عند حدود المنطقة والحيّ والشارع وصولاً إلى عتبة البيت. عدو يتربص بنا، يرانا ولا نراه، يتحيّن الفرصة ومتى سنحت ينقضّ علينا يتلبّسنا يتسلّقنا يتسلل إلى داخلنا ويجنّدنا في صفوف ضحاياه. سلاحنا الوحيد التمترس خلف حيطان منازلنا حتى يُرفع البلاء ونقطع الطريق أمام تمدّد الوباء.

المعركة في بداياتها، وحيّنا خط الدفاع الأول عنّا.


MISS 3