أخبار كورونا المزيّفة لا تُشبه غيرها من حملات التضليل

04 : 55

في خضم المعركة اليائسة ضد فيروس كورونا الجديد، حققت مواقع التواصل الاجتماعي انتصاراً مهماً. فقد ساهمت في الحد من انتشار المعلومات الخاطئة التي تطرح خطورة على حياة الناس وقد تزيد مظاهر الوباء سوءاً. لكنّ هذا النجاح لا يبرر تطبيق مقاربة مماثلة على الخطابات السياسية التي تستلزم قدراً مضاعفاً من الحذر.

سارعت مواقع فيسبوك وتويتر ويوتيوب إلى سحب المعلومات الخاطئة عن فيروس كورونا، لا سيما تلك التي تدعو الناس إلى اتخاذ تدابير تُعرّضهم للخطر. ويحرص محرك "غوغل" على نشر معلومات وكالات الصحة الرسمية، على غرار منظمة الصحة العالمية، وقد كلّف فريقاً بحذف أي معلومات مغلوطة من نتائج البحث ويوتيوب على مدار الساعة. أما تطبيق "واتساب"، فقد تعاون مع منظمة الصحة العالمية لتقديم خدمة رسائل ونشر آخر المستجدات في الوقت الحقيقي.

تتسلل المعلومات المغلوطة والشائعات والخرافات إلى شبكة الإنترنت حتى الآن طبعاً، وقد تظهر تهديدات جديدة مستقبلاً. لكن لم تنتشر الادعاءات المزيفة أو نظريات المؤامرة هذه المرة بالشكل الذي عهدناه خلال الكوارث والمآسي السابقة.

تعود الحرب الرقمية ضد المعلومات المغلوطة في الولايات المتحدة إلى الجدل المحتدم حول دور مواقع "الأخبار المزيفة" خلال الحملة الرئاسية في العام 2016. منذ ذلك الحين، واجهت شركات التكنولوجيا وصانعو السياسة صعوبة في تحديد أفضل الطرق للتعامل مع التضليل السياسي، إذ تطرح هذه المشكلة أسئلة صعبة عن الدور المناسب للشركات الخاصة في مراقبة الخطابات.

لكنّ نجاح مواقع التواصل الاجتماعي راهناً في الحد من المواد المسيئة عن فيروس "كوفيد - 19" الجديد قد يعطي أملاً مزيفاً حول إمكانية تطبيق المعايير نفسها مع الأخبار السياسية. تساءل الصحافي بن سميث في صحيفة "نيويورك تايمز" مثلاً: "هل سيستمر تدفق المعلومات بهذه الطريقة المسؤولة بعد انتهاء الأزمة؟ وهل يمكن أن تمتد هذه الظاهرة حتى الحملة الرئاسية الأميركية المرتقبة"؟ كذلك، أشاد داني روجرز، أحد مؤسسي "مؤشر التضليل العالمي"، بدور تلك المنصات في صحيفة "واشنطن بوست"، فقال: "هكذا يصبح الوضع حين تقرر المواقع أخذ موقف صارم والتحرك في الاتجاه الصحيح. لكنها لم تكن تحمل الإرادة السياسية اللازمة لمجابهة التضليل السياسي. حين تتصرف بهذا الشكل، لا مفر من أن تصبح قوة إيجابية".

كانت طريقة تعامل المنصات الإلكترونية مع المعلومات المرتبطة بالوباء المستجد صارمة وفاعلة وضرورية، لكن لا يمكن تطبيقها في مجال السياسة. تتراجع فاعلية المقاربات التي تنجح ضد التضليل الصحي الخطير وتزيد أضرارها على الأرجح عند تطبيقها على الخطاب السياسي داخـل الولايات المتحدة.



يكون اكتشاف القصص المزيفة عن فيروس كورونا الجديد سهلاً نسبياً مقارنةً بالأخبار السياسية الكاذبة. تستطيع المنصات أن تُركّز حملة بحثها عن المواد المزيفة على موضوع محدد، بدل أن تضطر لحذف المعلومات المغلوطة عن أي موضوع عشوائي. تسمح هذه الضوابط بزيادة فاعلية الرقابة في أنظمة الذكاء الاصطناعي: أعاد فيسبوك آلاف الموظفين المسؤولين عن مراقبة المعلومات إلى منازلهم منعاً لانتشار العدوى في منتصف شهر آذار الماضي، ومع ذلك تمكنت الشركة من الاتكال على أنظمة التعلم الآلي فيها لرصد أي ادعاءات خاطئة عن الوباء وحذفها. ترافق النظام مع بعض الشوائب على المدى القصير (كان يعيق مواقع مشروعة مثلاً)، لكنه أثبت فاعليته بشكل عام.

كذلك، يكون وضع معايير الإثبات وتفعيلها أسهل بكثير في قطاع الصحة والطب. على سبيل المثال، يعرف معظم الناس أن شرب مواد التبييض خطير ولا يشفي من فيروس كورونا. بالتالي، يمكن تحديد الادعاءات الخاطئة من هذا النوع وحذفها بسرعة، وهذا ما يفعله فيسبوك في الوقت الراهن بالتعاون مع منظمات صحية وطنية وعالمية. أما معايير الحقيقة والدقة في عالم السياسة، فتحمل طابعاً ذاتياً إضافياً وتميل إلى إثارة الجدل.

في الظروف الطبيعية، تتطلب مراقبة محتوى مواقع التواصل الاجتماعي إقامة توازن صعب بين حرية التعبير وتضرر الرأي العام. غالباً ما يختلف الناس حول المحتوى الذي يستحق الحظر والجهات المخوّلة اتخاذ هذا القرار. أما الوباء الجديد، فقد حصد إجماعاً قوياً حول ضرورة الحد من المواد المؤذية لأن المعلومات الخاطئة عن "كوفيد - 19" هي مسألة حياة أو موت. نتيجةً لذلك، تتعامل مواقع التواصل الاجتماعي مع هذا الموضوع بطريقة مختلفة. في هذا السياق، قال مؤسس فيسبوك، مارك زوكربيرغ، للصحافي بن سميث: "من الأسهل أن نضع سياسات واضحة ونتخذ موقفاً أكثر صرامة في هذه المسألة".

لكن لا تنطبق هذه الظروف بأي شكل على حملات التضليل السياسي المحلية، حيث تكون الحاجة إلى حماية حرية التعبير أقوى بكثير. يُعتبر الكلام الكاذب في السياسة نتيجة ثانوية ضرورية للعيش في مجتمع حر. يكون تحديد الادعاءات الكاذبة في السياسة عملاً شاقاً ويتطلب إطلاق أحكام معقدة عن معنى الحقيقة. نتيجةً لذلك، يبقى الإجماع الاجتماعي على ضرورة تقليص المعلومات السياسية المغلوطة على مواقع التواصل الاجتماعي محدوداً. لهذا السبب، لا يحذف فيسبوك المعلومات الكاذبة عن منصاته، بل يقلّص نطاق الوصول إلى المقالات التي تعتبرها الأطراف الثالثة المُكلّفة بالتحقق من الوقائع خاطئة أو مُضلِّلة. كذلك، يطبّق فيسبوك الممارسات الشائعة في البث التلفزيوني، فلا يحذف الإعلانات الكاذبة برعاية المرشحين (مع أنه يحذف المعلومات الخاطئة حول الانتخابات وطريقة التصويت).

عندما تنحسر أزمة فيروس كورونا، لن تصبح المقاربة التي اعتمدتها مواقع التواصل الاجتماعي في هذه الفترة المعيار الطبيعي الجديد ويجب ألا تصبح كذلك. يختلف مجال المعلومات الطبية بشدة عن عالم السياسة الذي يفرض احترام حرية التعبير ولا تطرح المعلومات المغلوطة فيه تهديداً على صحة الناس. أفضل ما يمكن فعله في أي ديموقراطية ليبرالية هو الحد من تأثير المعلومات الكاذبة بدل محاولة استئصالها وكأنها فيروس قاتل!


MISS 3