محمد خلدون عريمط

من يحكم خلف الجدران لا شرعية له

2 نيسان 2020

03 : 50

الأوطان لا تُحكم بالاستقواء (فضل عيتاني)

استوقفني مشهد تشييد الاسوار حول مجلس الوزراء ومجلس النواب، وكأنني ارى نفسي امام تاريخ أسود يعود من الماضي الى الحاضر، وكأنني عدت مئات السنين الى الوراء لأجد نفسي واقفاً امام أسوار الطغاة وملوك العروش في القرون الوسطى حيث كان الملوك يحكمون بالحديد والنار من خلف الأسوارالمشيّدة بمال الشعوب لتحصين من فيها من الفاسدين والاستغلاليين والمتسلقين والسفهاء.

وكأنني عدت الى ذلك الزمان، الذي كانت بدايته مع انهيار الحضارة الرومانية العريقة في القرن الخامس الميلادي فسادت في وقتها الفوضى، وانهار القانون، وأسقط الدستور، ومُزقت الاعراف. وتحولت الشعوب الى عبيد مصابين بالوباء يأكلون ويشربون ما تبقى من فضلات الأسياد المستحدثين الذين ورثوا امبرطورية لا علاقة لهم بها فقسموها بعد جوع.

عدت الى زمن تحولت الحضارة فيه الى مستنقع بغيض لا يشبه الماضي ولا معالم لمستقبله، يسوده الفساد ويحكمه الطغاة وينتشر بين سكانه وباء قديم جديد عاد ليحصد ما تبقى من الاصحّاء.

واستوقفني هذا الجنون الذي صنعه أمراء الحروب في وطني، الذين اصبحوا ساسته وزعماءه، استوقفتني أفكارهم وأساليبهم في تطبيق المذهبية والطائفية لتعميم الفوضى والانقسام بين ابناء الوطن الواحد، فوقفت عاجزاً عن وصف ما نعيشه اليوم من مأساة وجراح... فقد جفّ قلمي وضاعت مني الكلمات والحروف في وطن خرج من العصر الحديث ليعود الى الماضي من بوابة المعمّرين الغائبين عن الواقع والتائهين في العصور الغابرة والمتربعين على عروش لا يمتلكونها بل يفرضون أنفسهم عليها باسم الاصلاح الذي بات مدخلاً لكل فاسد ولكل حديثي الولادة في عالم السياسة اللبنانية.

فمن يحكم اليوم خلف الاسوار المحمية بالجنود لا شرعية له، فالاوطان لا تحكم بالاستقواء والتفرّد، وعلى وجه الخصوص لبنان الذي كان وما زال مهد الحضارات والتمدّن والتنوّع الذي أغناه العيش المشترك الإسلامي المسيحي والذي لا يتمثّل قطعاً بالعهد الذي نعيشه اليوم.

فـ"التيار الوطني الحر" هو خطأ سياسي ونهج غريب عن البيئة المسيحية المعروفة بنهجها الوطني المعتدل المرتبط بالوطن وأرضه والرافض للوصاية مهما كان نوعها

وقد بدأت أخطاء هذا التيار منذ تحالفه مع "حزب الله" الذي لا يشبه المسيحيين، وانتهت بتفرّد العهد بطرح افكار غريبة تتطابق مع الفكر السلطوي الشمولي لولاية الفقيه في إيران... ومن هنا علينا ان نفهم ان "التيار الوطني الحر" داخل البيئة المسيحية، ليس تموضعاً سياسياً مرتبطاً بقناعات فكرية ومبادئ أيديولوجية وتوسعية استعمارية كحليفه الآتي من خلف البحار، إنما نستطيع اختصاره بأولويات سلطوية تتمحور حول تواجد الرئيس في السلطة واستفادة محيطه القريب جداً وهذا ما يجعل من التيار العوني حالة ظرفية موقتة لن تستمر وستنتهي مع انتهاء العهد وسيجد "حزب الله" نفسه يعوم وحيداً في دولة مفلسة معادية لكل من حولها ومصابة بوباء خطورته بأن الدولة غير قادرة بان تواجهه في ظل تقوقعها ضمن محور الممانعة، ممانعة بناء الأوطان.

فلبنان المنهار اقتصادياً والذي يعاني من فقر في موارده لا يستطيع العيش منعزلاً عن محيطه العربي الذي يمثل له الامتداد الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والمعنوي، فنحن جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، وعلى من يحكم اليوم خلف الأسوار ان يعي جيداً أن النفوذ الإيراني يعتبر تاريخياً مرحلة لا تستمر طويلاً وتعود لتنغلق على نفسها،

وعلى الحكماء ان يعودوا ليترابطوا لمواجهة التحديات القديمة الجديدة فالتاريخ لن يرحم المتخاذلين والمراهنين على التغيّرات الاقليمية، فلبنان يجب ان يكون اولاً في ضمائر أصحاب القرار الوطنيين وهم كثر وعليهم ان يعوا ان بوابة العالم العربي تمر من بيت الوسط والاعتدال المسيحي الاسلامي الذي هو المفتاح للتعايش بين أبناء هذا الوطن المظلوم.


MISS 3