ألان سركيس

حيّنا و"الكورونا"- تنورين الفوقا

7 نيسان 2020

02 : 00

سكون رهيب

جلست منذ فترة قرب البحر في عين المريسة. كان ذلك قبل الحجر المنزلي. أخاطب نفسي بأسىً: "لن أتمكن من العودة الى بلدتي تنورين والعيش فيها بهناء لفترة طويلة. نمط الحياة ومتطلبات العمل سيحولان دون ذلك. كل ما يسعني هو الصعود إليها في عطلة نهاية الأسبوع أو الأعياد. لن يكتب لي العيش فيها إلا بعد نحو 35 عاماً على الارجح، أي بعد بلوغي سنّ التقاعد مبدئياً".

لكنّ "الكورونا" التي داهمتنا قلبت المفاهيم رأساً على عقب. باتت البلدات الجبلية أكثر أماناً من زحمة المدينة. دفعتني الأزمة إلى مغادرة جلّ الديب متوجّهاً بطيب خاطر إلى تنورين.

هنا كلّ شيء تغيّر. ما من مجالٍ للعودة إلى زمن ما قبل "كورونا". فأكثر العبارات رواجاً كانت: "تفضّلوا حوّلوا" وكنا نستفيق على صوت النساء يصحن لبعضهن بعضاً: "تفضّلوا تنشرب قهوة".

في هذا الوقت من كلّ سنة تتحوّل تنورين الفوقا إلى خليّة نحل. يحلّ الربيع، يُزهر شجر التفاح ولا مجال للاسترسال في النوم أكثر من السابعة صباحاً.

مظاهر كثيرة اختفت بفعل الـ"كورونا" في تنورين وجرودها. كان كبار السن يقفون على جوانب الطرقات كي يقصدوا الجرد "أوتوستوب"، للاهتمام ببساتينهم فيه ولا يعودون أدراجهم إلا مساء. ما من أحد مستعدّ للمجازفة اليوم: "ما حدا بوقّف لحدا بزمن الكورونا".

الغائب الأكبر في هذا الزمن الرديء هو سهرات لعب الورق، تلك السهرات التي كانت تجمع الشباب للتسلية. مُنعت اليوم لأنّ التجمّعات ممنوعة والعزل واجب.

المفاهيم تبدّلت. منطق "الديليفري" كان غائباً عن تنورين والبلدات الجبلية. "كلّ شخص بحبّ يجيب غراضو بإيدو"، يقول التنوريون. ما عادت الأمور كذلك، فـ "الديليفري" يعرف رواجاً اليوم خصوصاً أنّ زحمة الدكاكين ممنوعة.

ضُربت الحياة الاجتماعية بشكلٍ ملموس. سابقاً كنا نتشارك الحزن كلّ يوم على أكثر من حالة وفاة، فعدد كبار السن عندنا لا يستهان به. وكانت المشاركة حاشدة. كان الاهالي يتوجهون الى الكنيسة أفواجاً لتأدية واجب العزاء. أما اليوم، وبتدخّل من البطريركية، باتت المآتم تقتصر على أهل الفقيد وغاب الإزدحام اليومي عن ساحة البلدة.

والتغيير الذي أحدثه الفيروس فادحٌ. غاب المارة الذين يستفسرون أهل البلدة "من أين نذهب إلى أرز تنورين أو بالوع بلعا؟". الحركة السياحية مشلولة وحركة السير مقتصرة على العاملين في مستشفى تنورين أو المرضى المتوجهين إليه، أو عمال "مياه تنورين" التي تخرق شاحناتها سكون المنطقة الرهيب.

وبعدما كانت البلدة مقصد من يحب التمتع بجمال الطبيعة، بات جمالها حكراً على بعض شبانها الذين أدمنوا السير في الطبيعة، ولا يزالون يمارسون الهواية تلك لسبب اضافي أهمه تعزيز المشي لمناعة جسم الانسان وقدرته على محاربة "الكورونا".

لا يخاف التنوريون الموت أو الجوع فالطبيعة ملاذهم الذي يحميهم. وهم اعتادوا التموّن قبل الجائحة والأزمة الاقتصادية. لن تؤثر الأزمات على شعبٍ لديه ما يكفي من العنفوان والشموخ لمواجهة كلّ التحديات.


MISS 3