روس هاريسون وأليكس فاتانكا

الشرق الأوسط في طريقه إلى الإستقرار؟

1 آب 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ونظيره السعودي فيصل بن فرحان في طهران | إيران، 17 حزيران ٢٠٢٣

إجتمع عدد من وزراء الخارجية في عاصمة آسيوية للتفاوض على إنهاء الاضطرابات الإقليمية. قامت واحدة من الدول المُمَثّلة في ذلك الاجتماع بلعب دور الوساطة لإقرار اتفاق يسمح بإنهاء الأعمال العدائية بين دول أخرى. قد تنطبق هذه التفاصيل على اتفاق تطبيع العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية بوساطة من بكين في العام 2023. يثبت خفض التصعيد في الفترة الأخيرة أن شكلاً من الوعي الإقليمي بدأ ينتشر في الشرق الأوسط. بدأت المحادثات بين إيران والسعودية في نيسان 2021 في بغداد، ثم انتقلت إلى مسقط في سلطنة عمان، ووصلت في نهاية المطاف إلى بكين، حيث بلغت ذروتها عبر إقرار اتفاق يوحي بأنه قابل للاستمرار. كذلك تشير تطورات أخرى، مثل «اتفاقيات أبراهام» والتقارب المستجد بين تركيا ومصر، إلى نزعة نحو تطبيع العلاقات.

يسهل أن يشكك الجميع بفرص الدبلوماسية في الشرق الأوسط، لا سيما مساعي تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية، حيث يصعب تحديد مدة صمود الاتفاق بسبب تضارب المصالح بين الطرفين. لكن تتعدّد القوى الناشطة في الشرق الأوسط والعالم اليوم ويُفترض أن تُخمِد هذا النوع من الشكوك.

في الوقت الراهن، تبرم الدول في الشرق الأوسط اتفاقيات بناءً على مصالحها الوطنية بدل الرضوخ لمطالب جهات خارجية. تنجم هذه النزعة المستقلة عن احتدام المنافسة بين القوى العظمى في المنطقة. في هذه الظروف، تملك القوى الإقليمية خيارات إضافية وقد بدأت تتحرك كأطراف مستقلة بدل أن تكون حليفة ملتزمة بتوجهات القوى العالمية.

بدأت إسرائيل والسعودية مثلاً تثبتان اختلافهما عن الولايات المتحدة في مسائل تتراوح بين سياسة الطاقة وطريقة التعامل مع الحرب الروسية في أوكرانيا. تشعر إيران من جهتها بثقة متزايدة أيضاً.

لم تنسحب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، لكن بدأ حلفاؤها في الخليج العربي يشككون بمصداقيتها كشريكة وضامنة للأمن، ما أدى إلى تقريبهم من إيران بدل إبعادهم عنها. بالنسبة إلى السعودية، كان استهداف مصفاتَي النفط، بقيق وخريص، التابعتَين لشركة «أرامكو» الحكومية، بطائرات مسيّرة في العام 2019، القشة التي قصمت ظهر البعير.

إعتبر الكثيرون ذلك الهجوم من تخطيط طهران، لكن لم تبذل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حينها أي جهد حقيقي للرد على ما حصل، رغم تهديداتها المستمرة ضد إيران. بنظر السعوديين، انتهت صلاحية «عقيدة كارتر» التي ظهرت في العام 1980 وكانت عبارة عن التزام أميركي باستعمال القوة للدفاع عن مصالح واشنطن الوطنية في الخليج العربي. هذا الحدث دفع السعوديين على الأرجح إلى تقبّل التفاوض مع طهران. بحلول العام 2021، كثّفت الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان جهودهما لتوسيع نطاق الحوار مع إيران.

سادت قناعة في واشنطن مفادها أن الشرق الأوسط لا يستطيع استرجاع استقراره من دون تدخّل الولايات المتحدة. لكن أوضحت الظروف الراهنة أن الدافع الأولي لإرساء الاستقرار يجب أن ينبثق من القوى الإقليمية. تكشف التحركات الأخيرة التي تدعم الحوار أن قناعة أخرى بدأت تنتشر في المنطقة: يتطلب إرساء الاستقرار وخفض التصعيد تكثيف التعاون بين الأطراف الإقليمية، مع أو من دون تدخّل الولايات المتحدة.

يُعتبر الدور الدبلوماسي الصيني الجديد في الشرق الأوسط عاملاً آخر قد يسهم في دعم النزعة إلى خفض التصعيد. تتجنب بكين المقاربة الأميركية التي تقضي بالتصدي لإيران عن طريق السعودية وإسرائيل. هي تعتبر هذه الاستراتيجية تصعيدية وتفضّل اختيار مقاربة أكثر حيادية للتعامل مع الصراعات الإقليمية، على اعتبار أن هذا النهج قادر على تهدئة الاضطرابات بدل تأجيجها.

تتعدد المصادر الإيرانية التي سلّطت الضوء على دور الصين الناشئ والأساسي كضامنة لاستقرار المنطقة. ذكرت وسائل إعلام إيرانية رسمية أن الصين حذرت طهران، بعد مهاجمتها لمصافي النفط السعودية في العام 2019، من احتمال أن تُضعِف هذه التحركات مصالحها بما أن سياسة بكين في مجال أمن الطاقة ترتكز على استيراد النفط من السعودية والخليج.

تُعتبر بكين أكبر شريكة تجارية لإيران والسعودية في آن، مع أن التبادلات التجارية بين الصين والسعودية تبقى أكبر من التجارة الصينية الإيرانية بست مرات تقريباً. وبما أن الصين تتلقى نصف نفطها من الخليج العربي، يفرض عليها أمنها في مجال الطاقة أن تطبّق سياسات قادرة على كبح الصراعات بين الإيرانيين في طهران والسعوديين في الرياض. لكن لم يتّضح بعد إلى أي حد تملك الصين الثقل الكافي والإرادة السياسية لمساعدة إيران والسعودية على بلوغ التكامل الاقتصادي الذي يشبه ما شهدته القارة الأوروبية في نهاية الحرب العالمية الثانية.

قد تُحقق مساعي الصين الدبلوماسية في الشرق الأوسط نتيجة عكسية، فتدفع واشنطن إلى تفضيل الدبلوماسية أيضاً. شكّلت المبادرات الصينية على الأرجح محرّكاً للمحادثات الأخيرة حول اتفاق غير رسمي بين إيران والولايات المتحدة في الملف النووي. يجب أن يحارب البيت الأبيض الآن الفكرة التي تحاول الصين نشرها عن دورها كصانعة سلام مقابل تعطّش الولايات المتحدة للحروب ورغبتها في بيع الأسلحة إلى الشرق الأوسط.

على المدى القصير، من المتوقع أن تُحقق السعودية أكبر المنافع من التدخّل الصيني. ستنتصر الرياض إذا ضغطت الصين على طهران لإجبار الحوثيين في اليمن على التوصل إلى اتفاق سياسي مع السعودية ووقف تهديداتهم باستهداف البنية التحتية والتجارة والخطط الاقتصادية السعودية. سيستفيد السعوديون أيضاً إذا فشل الإيرانيون في تحقيق هذا الهدف، لأن الرياض ستثبت لبكين في هذه الحالة أن الإيرانيين ليسوا جدّيين في مساعيهم لخفض التصعيد.

كذلك، يحمل استئناف الجهود الدبلوماسية منفعة أخرى للرياض: إذا اندلع صراع عسكري بين إيران والولايات المتحدة أو بين إيران وإسرائيل، أنشأ السعوديون الآن الظروف التي تمنع تحوّل بلدهم إلى هدف للردود الإيرانية الانتقامية.

قد تستفيد طهران على المدى القصير لأن هذا الاتفاق مع الرياض قد يبعد السعودية عن إسرائيل، في الوقت الراهن على الأقل. الأهم من ذلك هو أن الاتفاق قد ينذر ببدء حقبة جديدة من «السلام البارد» بين طهران والرياض، حيث يتوقف كل طرف عن التدخل بشؤون الطرف الآخر. يعتبر الطرفان هذا الوعد بعدم التدخّل أساسياً، وقد تكررت هذه الرسالة خلال زيارة وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان آل سعود، إلى طهران في 17 حزيران.

تعكس هذه الحسابات المتبدلة تغيّر الوقائع على المستويين الإقليمي والعالمي، لكنها تؤكد في الوقت نفسه على الضغوط التي تواجهها النُخَب الحاكمة الإيرانية والسعودية على المستوى المحلي.

في السعودية، تهدف أجندة ولي العهد محمد بن سلمان إلى إحداث تغيرات هائلة في المجتمع السعودي. في المقام الأول، تبدو القيادة في الرياض مقتنعة بأن أفضل استراتيجية وطنية لتحسين مستقبل البلد تقضي بالتركيز على التنمية الاقتصادية محلياً، بما في ذلك الالتزام بـ»رؤية 2030» التي طرحها ولي العهد.

من ناحية أخرى، ربما ينجم التقارب بين طهران والرياض عن وصول الرئيس الإيراني المتشدد إبراهيم رئيسي إلى السلطة. بعد رحيل الحكومة البراغماتية برئاسة حسن روحاني في العام 2021، واجه السعوديون نظاماً إيرانياً تنحصر فيه كامل السلطة بيد المتشددين. في غضون ذلك، تعرضت هذه الفئة المتشددة في طهران للضغوط كي تُحقق نتائج ملموسة. لهذا السبب، زاد احتمال أن تنفّذ إيران وعودها، فقد أصبحت الأجندة الإقليمية التي تطبّقها طهران بيد الحرس الثوري الإيراني المتشدد.

في الوقت نفسه، قد لا يجد النظام في طهران أي مخرج لأزمته مع واشنطن، حتى أنه قد يبحث عن سياسة جديدة للتعامل مع خصومه العرب والتحايل على العقوبات الأميركية. أدرك صانعو السياسة في طهران منافع الدول المجاورة باعتبارها أداة للتجارة العالمية.

هكذا أصبحت الإمارات العربية المتحدة والعراق وسلطنة عمان حديثاً من أكبر شركاء إيران في مجال التجارة. في الحد الأدنى، يأمل النظام الإيراني في أن تتراجع التدابير السعودية المعادية له بعد انفراج علاقاته مع الرياض، بما في ذلك الدعم المالي للحملات الإعلامية المعارِضة وسط الشتات الإيراني الواسع. أصبحت هذه المسألة مُلحّة بالنسبة إلى طهران منذ توسّع الاحتجاجات في أيلول 2022 بسبب مقتل الشابة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى سلطات النظام.

يبرز أيضاً عامل التعاقب على السلطة في طهران. لكن من حسن حظ رئيسي حتى الآن، تتماشى أجندة المرشد الأعلى علي خامنئي البالغ من العمر 84 عاماً مع حاجاته السياسية.

قد يستفيد الاستقرار الإقليمي المستدام من مجموعة قوى محلية وإقليمية وعالمية بدأت تسير في الاتجاه نفسه. لكن يجب التأكد أولاً من مستوى التكامل أو التضارب بين «اتفاقيات أبراهام» والتقارب الإيراني السعودي. يتراجع احتمال أن يحصل أي تعاون رسمي بين إسرائيل وإيران، لكن قد تستمر «اتفاقيات أبراهام» بموازاة التقارب السعودي الإيراني. قد يُسهّل موقف الصين الأكثر حيادية حصول ذلك. لكن تتعلق المسألة المحورية في نهاية المطاف باستعداد السعودية للانضمام إلى «اتفاقيات أبراهام»، ما قد ينشئ جسراً غير رسمي بين المبادرتَين.

من المفيد على الأرجح التشكيك بالدوافع الكامنة وراء تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية في الفترة الأخيرة واختبار الإرادة السياسية في البلدَين لخفض التصعيد، لكنّ القناعة الطاغية بأن الجميع يتحرك خدمةً لمصالحه الشخصية قد تحجب الاحتمالات التي تسمح بتحسين مستقبل هذه المنطقة المضطربة.


MISS 3