قائد القيادة الأميركيّة الوسطى يزور شمال سوريا

روسيا ترتكب "مجزرة" بحقّ مدنيّي معرّة النعمان

09 : 46

يوم أسود مصبوغ بالدم في معرّة النعمان أمس (أ ف ب)

قُتِلَ أكثر من 43 شخصاً معظمهم من المدنيين في غارات روسيّة دمويّة على سوق في مدينة معرّة النعمان السوريّة، وفي قصف للطيران السوري على مدينة سراقب في محافظة إدلب، بحسب "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، إلّا أن موسكو نفت تنفيذ الغارات الجوّية، في وقت أبلغ الفاتيكان دمشق بقلقه إزاء وضع المدنيين في إدلب.



وأوضح المرصد السوري أن مقاتلات روسيّة شنّت غارات عدّة استهدفت سوقاً لبيع الخضار بالجملة وأبنية في محيطه في مدينة معرّة النعمان"، في ريف إدلب الجنوبي. وتسبّب القصف بمقتل 37 شخصاً على الأقلّ، بينهم أطفال، وإصابة أكثر من مئة بجروح، حالات بعضهم حرجة، بينما تستمرّ عمليّات البحث عن مفقودين تحت الأنقاض. وأعلنت منظّمة "الخوذ البيضاء" (الدفاع المدني في مناطق سيطرة الفصائل الجهاديّة والمعارضة) أن أحد متطوّعيها في عداد القتلى. وقُتِلَ ستة مدنيين أيضاً جرّاء قصف للطيران السوري على مدينة سراقب في محافظة إدلب.


من ناحيتها، وصفت وزارة الدفاع الروسيّة في بيان نقلته وكالة "تاس" الحكوميّة، اتهامها بشنّ الغارات بـ"تصريحات كاذبة". وشدّدت على أنّ "القوّات الجوّية الروسيّة لم تُنفّذ أيّ مهمّات في تلك المنطقة من سوريا".



وفي معرة النعمان، شاهد مصوّر متعاون مع وكالة الصحافة الفرنسيّة مدنيين يُساعدون رجال الإنقاذ على حمل جرحى غطّت الدماء أجسادهم ونقلهم إلى سيّارات الإسعاف. ويُساعد رجلان، على بنطال أحدهما بقعة دماء، رجلاً ثالثاً على السير وسط شارع مدمّر، ويبدو أنّه سُحِبَ من تحت الأنقاض، إذ يكسو الغبار وجهه وثيابه. ويمشي خلفهم رجل آخر ملتح تُغطّي الدماء يده اليسرى. ويظهر في إحدى الصور شاب يُشير إلى جثة رجل على الأرض قرب درّاجة ناريّة متفحّمة، بينما يحمل رجل حافي القدمين طفلة صغيرة وتسير قربه سيّدة ورجلان يحملان طفلين ويبدو الدمار خلفهم.



وحصل القصف بحسب ما أوضح رئيس المجلس المحلّي في مدينة معرة النعمان بلال ذكرى عند "الساعة الثامنة صباحاً في وقت يخرج فيه الناس لقضاء حاجاتهم وإلى أعمالهم". وردّت الفصائل الاسلاميّة باستهداف مناطق تحت سيطرة قوّات النظام. وأفادت وكالة الأنباء السوريّة الرسميّة "سانا" عن مقتل سبعة مدنيين بينهم طفلتان باعتداء بقذيفة صاروخيّة على قرية ناعور جورين في ريف حماة الشمالي.



وجاءت حصيلة القتلى أمس، غداة مقتل 17 مدنيّاً بقصف سوري، بالإضافة إلى مقتل مدني آخر بغارات روسيّة على مدينة خان شيخون، هو أنس الدياب (22 عاماً) المتطوّع في منظّمة "الخوذ البيضاء" ومصوّر فوتوغرافي ومصوّر فيديو. ويتزامن القصف الكثيف مع معارك "كر وفر" بين قوّات النظام والفصائل في ريف حماة الشمالي، من دون أن تتمكّن دمشق من تحقيق أيّ تقدّم استراتيجي، بحسب المرصد.



وحضّت الأمم المتّحدة أطراف النزاع كافة على "تهدئة الوضع في شمال غربي سوريا وإعادة الالتزام بوقف اطلاق النار". ورأى المتحدّث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانيّة الإقليمي التابع للأمم المتّحدة دايفيد سوانسون أنّ المنطقة "باتت سريعاً واحدة من أخطر الأماكن في العالم حالياً بالنسبة إلى المدنيين والعاملين الإنسانيين".



وتشهد محافظة إدلب ومناطق محاذية لها، حيث يعيش نحو ثلاثة ملايين نسمة، تصعيداً في القصف السوري والروسي منذ نهاية نيسان، يترافق مع معارك عنيفة تتركّز في ريف حماة الشمالي. وتُمسك "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) بزمام الأمور إداريّاً وأمنيّاً وعسكريّاً في محافظة إدلب ومحيطها، حيث تتواجد أيضاً فصائل إسلامية ومقاتلة أقلّ نفوذاً. ومنذ بدء التصعيد نهاية نيسان، قُتِلَ أكثر من 650 مدنيّاً جرّاء القصف السوري والروسي، فيما قُتِلَ 53 مدنيّاً في قصف للفصائل المقاتلة والجهاديّة على مناطق سيطرة قوّات النظام القريبة، وفق المرصد السوري.



ودفع التصعيد أكثر من 330 ألف شخص إلى النزوح من مناطقهم، بحسب الأمم المتّحدة. وباتت مناطق بأكملها في ريف إدلب الجنوبي، بينها مدينة خان شيخون، شبه خالية من سكّانها. ويأتي التصعيد الأخير، رغم كون المنطقة مشمولة باتفاق روسي - تركي تمّ التوصّل إليه في سوتشي في أيلول 2018، نصّ على إقامة منطقة منزوعة السلاح بين قوّات النظام والفصائل، لم يُستكمل تنفيذه.



رسالة من البابا

وفي دمشق، قُتِلَ مدني على الأقلّ جرّاء انفجار عبوة ناسفة مزروعة في سيّارة في منطقة القدم في العاصمة السوريّة، وفق ما أفادت "سانا". وأوضح "المرصد السوري" من جهته، أن الانفجار استهدف سيّارة قيادي في "قوّات الدفاع الوطني"، الموالية لقوّات النظام، وأسفر عن مقتل سائقها. وتكرّرت في الأشهر الأخيرة حوادث الانفجارات الناجمة عن زرع عبوات ناسفة في سيّارات في دمشق ومناطق سوريّة أخرى.


توازياً، أعلن الفاتيكان في بيان مقتضب أن وزير الشؤون الاجتماعيّة الكاردينال بيتر تركسون التقى برفقة السفير البابوي في دمشق الكاردينال ماريو زيناري، الرئيس السوري بشار الأسد صباح أمس، وسلّماه رسالة من البابا فرنسيس أعرب فيها عن "قلقه العميق إزاء الوضع الإنساني في سوريا، وبشكل خاص الظروف المأسويّة للمدنيين في إدلب". وتناولت الرسالة أيضاً عدداً من المواضيع منها "حماية حياة المدنيين ومبادرات ملموسة من أجل عودة آمنة للنازحين وإطلاق سراح المعتقلين وحصول العائلات على معلومات حول ذويهم وتحسين الأوضاع الإنسانيّة للمعتقلين السياسيين"، كما تضمّنت الرسالة "نداءً جديداً من أجل استئناف الحوار والمفاوضات بمشاركة المجتمع الدولي".



إلى ذلك، هدّد وزير الخارجيّة التركي مولود تشاوش أوغلو أمس، بشنّ عمليّة عسكريّة شرق الفرات في شمال سوريا، "إذا لم تُنشأ المنطقة الآمنة كما هو مخطّط لها وإذا استمرّت التهديدات تجاه تركيا". وأشار أوغلو إلى أن أنقرة أجرت محادثات مع واشنطن من أجل إنشاء منطقة آمنة عبر حدودها في شمال شرقي سوريا، حيث تدعم الولايات المتّحدة "قوّات سوريا الديموقراطيّة" التي تُشكّل "وحدات حماية الشعب" الكرديّة جزءاً أساسيّاً منها. والوحدات الكرديّة تُصنّفها تركيا منظّمة إرهابيّة. وكان القائد العام لـ"قوّات سوريا الديموقراطيّة" مظلوم عبدي، أكّد الأسبوع الماضي أن القوّات لا تُريد الانخراط في حرب مع تركيا، لكنّه حذّر في المقابل من أن الهجوم على أيّ مناطق كرديّة شرقي الفرات سيُحوّل المنطقة الحدوديّة الى ساحة حرب، مشدّداً على أن ما حصل في عفرين لن يتكرّر شرق الفرات.


تزامناً، كانت لافتة زيارة قائد القيادة الأميركيّة الوسطى الجنرال كينيث ماكينزي إلى شمال سوريا أمس، في أوّل زيارة له منذ تسلّمه منصبه قبل نحو أربعة أشهر، حيث بحث مع قيادة "قوّات سوريا الديموقراطيّة" مسائل عدّة، أبرزها مصير المعتقلين من تنظيم "داعش" وأفراد عائلاتهم. وتأتي زيارة ماكينزي إلى شمال سوريا في إطار جولة له في منطقة الشرق الأوسط. وأوردت "سوريا الديموقراطيّة" على موقعها الإلكتروني أن قائدها العام مظلوم عبدي استقبل الجنرال ماكينزي وتمحور الاجتماع حول نقاط عدّة بينها "مشكلة المخيّمات وأسرى "داعش" المعتقلين لديها". كما تطرّقا إلى "مخطّطات العمل والتنسيق بين "سوريا الديموقراطيّة" والتحالف الدولي للاستمرار في ملاحقة إرهابيي "داعش".



وأشار عبدي إلى أنّهما ناقشا جدول الأعمال والمهام المشتركة بينهما في المرحلة المقبلة، لافتاً إلى أن "هناك العديد من الرؤى المشتركة بين الطرفين لمواجهة المشكلات التي تُهدّد أمن المنطقة". ورافق ماكينزي، نائب المبعوث الأميركي الخاص لدى التحالف الدولي وليام روباك. وخلال خمس سنوات من المعارك الضارية، اعتقلت تلك القوّات الآلاف من المشتبه في انتمائهم إلى التنظيم الارهابي، بينهم نحو ألف مقاتل أجنبي من عشرات الجنسيّات، الآسيويّة والأوروبّية والعربيّة. وباتت سجون القوّات الكرديّة مكتظّة إلى حدّ كبير. ومع رفض الدول المعنيّة استعادة مواطنيها، خصوصاً المقاتلين منهم، طالبت الإدارة الذاتيّة بعد انتهاء آخر المعارك مع "داعش"، بتشكيل محكمة دوليّة على أراضيها، بدعم من المجتمع الدولي. وتتمسّك الإدارة الذاتيّة الكرديّة بمطالبة الدول المعنيّة باستعادة 12 ألفاً من نساء وأطفال الجهاديين الأجانب. لكن الإستجابة تبقى محدودة جدّاً، مع استعادة 13 دولة نحو 300 منهم.



وتشهد سوريا نزاعاً دامياً تسبّب منذ اندلاعه في العام 2011 بمقتل مئات الآلاف وأحدث دماراً هائلاً في البنى التحتيّة وأدّى إلى نزوح ولجوء وتشريد أكثر من نصف السكّان داخل البلاد وخارجها. 


MISS 3