رمال جوني -

الحراك في النبطية الى الساحات دُرّ: "الزعماء جوّعونا وتركونا للتجار"

27 نيسان 2020

03 : 35

الثوار في الشارع من جديد

لا صوت يعلو صوت الفقر في منطقة النبطية. ففي شهر الكرم، يتحكّم التجار برقاب الناس، يفرضون أسعارهم اللاسعة، من دون حسيب أو رقيب، وكأنه كُتب على المواطن أن يدفع ثمن فساد الزعماء من جيبه الفارغ. يواجه كثر الغلاء بالزراعة، كثر عادوا للأرض، زرعوها هرباً من جشع التجار، ممن يستغلّون حاجة الناس لهم في زمن الصوم، وكثر يرزحون تحت وطأة ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، فلا شيء يسيطر على الساحة غير لعبة الدولار والاسعار، "كورونا" قيدت الحياة برمتها، لكنها لم تفرض حظرها على من وجدوا الفرصة لتحقيق الأرباح على حساب الفقراء.


يصرخ إبراهيم من حرقته "معش قادر عيش"، وجد إبراهيم نفسه رهينة للغلاء، الأب الذي يعمل بالفاعل، بات عاجزاً عن شراء "وقية لحم" لأولاده، تسدّ رمقهم في هذا الشهر. يجزم إبراهيم "بأن الزعماء جوّعونا، وتركونا للتجار، أعمل بيومية توازي سعر كيلو اللحم، لا حقوق لنا، وإن اعترضنا يستغنون عن خدماتنا"، أكثر ما يؤلم إبراهيم "أنه قصد أحد الجزارين لشراء لحم بـ 5000 ليرة، طلبتها منه على استحياء، شعرت أنني أرتكب جرماً، فلا أملك غير خمسة آلاف، أحسست بالذلّ والمهانة، حين بادرني اللحام "ما بيطلعلك غير شقفة". يبكي إبراهيم حاله وأحواله، وبحرقة يقول "320 الف شو بتعمل بهيدا الغلاء"؟ ما يؤلمه "أن المياوم متروك لمصيره، لا أحد يعترف بتعبه، في مقابل من يتقاضون معاشات مرتفعة ولا يعملون"، ويسخر من الواقع بقوله: "وصلونا لزمن نشحذ اللقمة"، من دون أن يغفل مطالبة وزير الداخلية بالنظر الى حال المياوم أقلّه في هذا الظرف العصيب، قبل أن يعلنوها ثورة". إزاء تردي الأحوال المعيشية، عاد الثوار للشارع، رفعوا قبضة الحق في وجه من أفلس البلد، أكدوا أن الثورة عادت لأن الجوع انفجر، وبعد "كورونا" الساحات لن تتسع، وماذا عن ساحة حراك النبطية؟

عند مفترق طرق، تقف انتفاضة الجوع في النبطية. يجهد الثوار بشتّى إمكاناتهم أن يخرجوا الى الشارع، ويُشهروا سلاح غضبهم ضد مصرف لبنان وكل الفاسدين في هذا البلد. حاولوا استمالة الناس لمؤازرتهم في تحركاتهم التي بدت شبه يومية، ولكن "على من ترمي مزاميرك يا داوود"؟ فالحراك في وادٍ والناس في وادٍ آخر، وإن كانت لسعة الغلاء والأزمة المعيشية تُصيب الجميع، لكن في الحقيقة لا يحرّك الشارع إلا الأحزاب. وهذا ما بدا واضحاً من قلّة أعداد المشاركين في تحرّك الرفض لسلطة الغلاء التي تُمارس ضد الشعب المرتهن، وأيضاً لسياسة إفقار الناس من قبل مصرف لبنان.

على رغم الدعوة التي وُزعت لمؤازرة الناس للتحرّك ضدّ من يكيل لهم بمكيالين الغلاء والتدهور المعيشي، ولكنّ أحداً لم يشارك، حتى أبناء الحراك الواحد، إنقسموا على انفسهم، فالمستقلون ارتأوا النأي بأنفسهم عن تحرّك الأحزاب، ووفق مصادرهم فإن "التحرك يجب أن يكون مطلبياً، ولا يخدم الأحزاب، ويجب أن يكون واضح الرؤية والأبعاد، وإلا فلا غاية منه".

وتلفت المصادر الى أن تحركات الضغط في الشارع ستتواصل وفق أجندة التطورات المتسارعة وحتماً سيكون التحرك ضد المصارف وضد من سرق ونهب الشعب، لأننا دخلنا في مرحلة صعبة لا خلاص منها إلا بالضغط، داعية الى "توحيد صفوف الثوار"، من دون أن تشير المصادر الى آلية وكيفية الضغط، على عكس من شارك في التحرك أمام خيمة الحراك وهم من المحسوبين على الحزب الشيوعي اللبناني وحركة الشعب، الذين بدت مطالبهم واضحة "إسقاط حاكم مصرف لبنان ومن يشارك معه في سرقة مال الشعب"، هذا ما دأب على ترداده من شاركوا في وقفة الضغط، مُعلنين عودتهم الى الشارع مجدداً، وفق خريطة طريق مطلبية واضحة، رسمت عناوينها ثورة 17 تشرين وفق ما أكده جودت، الذي لفت الى أن "كورونا أبعدتنا عن التحرك، ولكن كورونا الفساد والسرقة والنهب أعادتنا مجدداً، ولن نخرج أبداً طالما هناك سلطة فاسدة تتحكم برقاب الناس". على وقع شعارات "يسقط حكم المصرف"، و"كلّن يعني كلّن ورياض سلامة واحد منهم"، وضع حراك النبطية لبنة تحركاته القادمة. وفق يُسرى"فإن تطيير قانون مساعدة الفقراء في الجلسة الهزلية، وتمرير قانون الحشيش هو بحد ذاته إهانة لكل فقير"، وتعتبر"بأن نواب الشعب يريدون تخدير الناس أكثر، ليتسنّى لهم نهب ما تبقى من مقدراته، ولكن نحن لهم بالمرصاد".

لم تغب أسعار الدولار ولا الغلاء الفاحش الذي أصاب كل السلع عن مطالب المعتصمين، بل كانت لبّ الوقفة، وفق تأكيد محمد فقيه الذي دعا وزارة الإقتصاد ومراقبيها الى القيام بدورهم، "وضبط الأسعار في شهر رمضان".


MISS 3