مروان الأمين

ثورة 17 تشرين إلى أين؟

28 نيسان 2020

03 : 25

منذ 17 تشرين، كانت الثورة متحكمة بالمسار السياسي العام في البلد، وأفقدت الجميع، بمن فيهم "حزب الله"، القدرة على التأثير، بالرغم من محاولة البعض المبادرة (الإطلالات للامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله والرئيس ميشال عون، والورقة الإصلاحية التي أعلنها الرئيس سعد الحريري)، إلا أن مصير مبادراتهم كان الفشل، ونتج عنها أثر عكسي على المنظومة الحاكمة. إستقال الحريري!! إستقالته شكّلت نقطة مفصلية في مسار الثورة، إنتشى بها البعض، واعتبرها بداية انهيار المنظومة الحاكمة. لكن في الواقع كانت بداية نهاية قدرة الثورة على التأثير. باستقالة الحكومة فقدت الثورة "كيس البوكس" الذي يجسد المنظومة الحاكمة، والذي توجه له لكماتها وتصيب. تجنبت الثورة الإنتقال الى العمل على إسقاط رمز آخر للمنظومة الحاكمة والسلطة التنفيذية، أي رئيس الجمهورية. فقدت الثورة "كيس البوكس"، أصبحت ضرباتها في الهواء، بدأ الوهن يظهر عليها، كانت مئات آلاف من الناس، أصبحت مجرد مئات خلال أقل من شهر على استقالة الحكومة، كانت "ثورة شعبية"، أصبحت ما يشبه الحزب الذي يدافع عنه المحازبون بتعصب... كانت "ثورة شعبية" أصبحت "الثورة الحزب". بدأت "الثورة الحزب" تبحث عن أي هدف جديد للكماتها، تبحث عن أي معنى لوجودها، قدّم لها "حزب الله" حاكم مصرف لبنان والمصارف، فكانت تلجأ إليه تارة (بغض النظر عن خلفيات كل طرف في استهداف الحاكم والقطاع المصرفي)، وتلجأ طوراً الى تكسير وسط البلد واعتباره حقاً وهدفاً مشروعاً... "الثورة الحزب" في متاهة وتخبط وضياع.

أخذت الثورة من الطرف المالي والإقتصادي في المنظومة الحاكمة طرفاً سهلاً للإستهداف، ولتحقيق إنجاز ونصر جديدين، بخاصة أنها تتقاطع في هذا الإستهداف مع طرف قوي في المنظومة الحاكمة، أي "حزب الله".

بدأت الثورة تروّج وتبرّر بأن استهدافها للطرف المالي والإقتصادي في المنظومة الحاكمة سوف يصيب كل المنظومة، ويضرب الطرف السياسي فيها. (لا نعلم إن كان ذلك نتيجة مقاربة خاطئة، أو تعويضاً عن يأس وفراغ وتخبط، وأصبحت الثورة للثورة هي الغاية وليس الأهداف الإصلاحية).

الجميع يعلم، ان في التركيبة اللبنانية، إن لم يتم ضرب الطرف السياسي في هذه المنظومة بالعمق، يمكنه بسهولة إعادة إنتاج نفسه وترميم ما أصاب الطرف المالي والإقتصادي، شريكه في هذه المنظومة. بينما كان لإسقاط الطرف السياسي في المنظومة الحاكمة، أن يدفع بالطرف الإقتصادي والمالي الى التراجع والتكيّف مع الواقع الجديد. هذا الطرف مرن، يسعى للحفاظ على مصالحه. أخطأت الثورة، فانتحرت... أصبحت خارج أي قدرة على التأثير، أصبحت Hors sujet، أعاد "حزب الله" إنتاج السلطة، إنتقل الصراع من صراع بين الناس والمنظومة الحاكمة، الى صراع كلاسيكي بين أهل المنظومة الحاكمة، يأخذ هذا الصراع حالياً من العنوان الاصلاحي ورقة التين التي تغطي عورة الممارسات الكيدية والإنتقامية من قبل "حزب الله" وفريق الرئيس عون، ولحشد الناس التي تعاني من الفقر والجوع في هذه المعركة.

إنتهت "الثورة الشعبية"، وأصبحت مجرد نشاطات تذكيرية بوجودها، تشبه إحياء ذكرى سنوية لـ"الثورة الفقيدة" من قبل "المتحزبين للثورة". أعادت المنظومة الحاكمة ترميم نفسها على شكل صراع حاد في ما بينها حالياً، لكنها محكومة بالتسويات والتفاهمات لاحقاً.

كانت الثورة تجربة حالمة وجميلة. الثورات تنتصر أو تُقتل أو تنتحر... رحلت ثورة 17 تشرين إنتحاراً، رحمها وسامحها الله... هل سيكون رمادها بذوراً لثورةٍ جديدة؟ العوامل ما زالت موجودة وتتفاقم.