بشارة شربل

الثورة نقطة الضوء... والمذهبية بضاعة فاسدة

28 نيسان 2020

02 : 20

النقطة المضيئة الوحيدة في نفق الكارثة التي أوقعتنا فيها المنظومة الفاسدة تكاد أن تأتي من نار الدواليب المحترقة على اوتوستراد جل الديب أو الشيفروليه، أو على جسر البالما في الشمال أو قرب سعدنايل بقاعاً أو عند مفترق الناعمة على الأوتوستراد الساحلي باتجاه الجنوب، أو غيرها من نقاط تجدُّد ثورة "17 تشرين".

وسيبقى الجيش محل رهان الثوار وسائر اللبنانيين رغم ان السلطة تسخِّره لقمع أهله، وتضرب هيبته ورصيد قائده حين تضعه في موقع المعتدي على المطالبين بحق التغيير ولقمة العيش، وذلك بحجة تطبيق القانون ومنع التعدي على الأملاك العمومية والخاصة، وهي حجة اتبعتها كل سلطة في العالم تحوّلت الى نظام لخدمة تركيبة متسلطة ومافيا تتعاطى شتى أنواع الحرام.

الثورة لم تنطفئ. وهي باشرت أمس تصويب البوصلة وإعادة ضبط الصراع بين ثورة "مواطنية عابرة للطوائف"، وبين منظومة طائفية واحدة في السلطة وخارجها تعيد انتاج نفسها، عبر التقاذف بالمسؤولية عن الفساد والإفساد ونهب اللبنانيين وإفقارهم.

ولمزيد من الوضوح فإن أكثرية اللبنانيين الذين استبشروا خيراً بثورة "كلن يعني كلن"، لن يعيدوا المشروعية الى الاصطفاف المذهبي والسياسي السابق الذي كان يشد العصب لمنع المساءلة، وينكأ الجروح لإقفال الباب أمام اتهام من تسبّب بها. ولا يهمُّ اللبنانيين، الذين عانوا من المنظومة كلّها ابتداء من مطلع التسعينات، ان تكون "السنية السياسية" أو "الشيعية السياسية" أو "المارونية السياسية" أو "الدرزية السياسية" في مأزق هو عملياً مأزق كل النظام الطائفي وجوهره "المحاصصة" المقيتة.

إنه كلام الماضي الذي دفعْنا ثمنه من دم أهلنا وأبنائنا واقتصادنا ويجب ألا يجدد نفسه تحت عناوين مثيرة للغرائز، حتى ولو كانت الاستهدافات السلطوية واضحة والنوايا سوداء.

ليست حكومة حسان دياب سوى صنيعة فريق 8 آذار. وهي لم تكن خيار انتفاضة "17 تشرين" التي لا تزال تطالب بحكومة مستقلة وانتخابات مبكرة، بل فُرضت بقوة الأمر الواقع وبفعل القمع الذي مارسه خصوصاً "الثنائي الشيعي" بحق ثورة اللبنانيين المجيدة. لكن ادانة الحكومة ومعارضتها من منطلق مذهبي سني وانطلاقاً من "دار الفتوى" لا يفيد لبنان، مثلما انّ دفاع غبطة البطريرك الماروني عن شريك للمنظومة في الارتكاب اسمه رياض سلامة خطأ فادح ربما احتاج الى فعل ندامة، وأكثر من "نؤمن بإله...".

بوسع حسان دياب ممارسة الكيد السياسي وتنفيذ أوامر "حزب الله" لتسليم لبنان نهائياً الى محور ايران والانقلاب على النظام الاقتصادي الحر. ولن يكون بذلك أسوأ رئيس حكومة سني فحسب، بل الأسوأ على الاطلاق بين السياسيين الذين تولوا الحكم في فترة عصيبة من تاريخ لبنان. لكن حسّان دياب نفسه يستطيع، لو قرر التمتع باستقلالية، ان يستخدم كرسي السراي لخدمة كل البلاد، فيباشر بخطة اصلاح فعلية خاضعة لحساب مصلحة كل اللبنانيين، وليفتح عندها الملفات بدءاً من حاكم المصرف المركزي لتشمل كل المرتكبين بلا استثناء.

لا تزال الفرصة مفتوحة أمام رئيس الحكومة، فإما ان يتسلّح بقوة الشارع والطريق المقطوعة والدولاب المحترق ليقوم بواجب الاصلاح ومعاقبة الفاسدين، وإما ان يبقى متورّطاً بلعبة المنظومة التي نبذها اللبنانيون فيحترق بنار المذهبية والارتماء في حضن محور لم يجنِ منه لبنان، إلا النزاعات الداخلية والأزمة الاقتصادية والابتعاد عن الحضن العربي والأسرة الدولية.


MISS 3