أرونبها غوش

هل تصبح الهند قوّة عظمى في مجال الطاقة الخضراء؟

4 أيلول 2023

المصدر: Foreign Affairs

02 : 00

محطة كهرباء في دادري | الهند، آذار 2022

عندما بدأت المفاوضات المناخية في تشرين الأول 2021، خلال مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي في غلاسكو، كان المشهد البيئي قاتماً. بدأت انبعاثات الكربون حول العالم تتصاعد بوتيرة متسارعة، وبدا وكأن كل جزء من كوكب الأرض يقع ضحية أحوال الطقس المتطرفة، ويؤدي بعضها إلى آلاف حالات الوفاة وخسائر مادية بمليارات الدولارات. كان الكوكب يتجه إلى تسجيل ارتفاع في الحرارة بمعدل درجتَين مئويتين فوق المستويات المسجلة قبل الحقبة الصناعية. عند تجاوز هذه العتبة، قد تحصل حالات جفاف استثنائية، وتغمر البحار مدناً ساحلية كبرى، وتنقرض أجناس كثيرة.



لكن أدلت الهند في أول يوم من المؤتمر بتصريح بالغ الأهمية، فأعلنت أنها تخطط لبلوغ انبعاثات صفرية بحلول العام 2070. الهند هي أكبر بلد من حيث العدد السكاني وثالث دولة مُلوِّثة في العالم. إذا حققت الهند ذلك الهدف، قد يتمكن الكوكب من إبقاء مستوى ارتفاع الحرارة في إطار الدرجتَين الإضافيتَين.

تستحق الخطة الهندية الإشادة على الأرجح، لكن يصعب الالتزام بها. تحاول الهند تطوير نفسها في أسرع وقت، تزامناً مع التخلص من انبعاثات غازات الدفيئة، لكن تعجز الدول تقليدياً عن التطور وإزالة الكربون في آن. حققت كل دولة انتقلت من الفقر إلى الثراء هذا الهدف عبر زيادة استهلاك الطاقة بدرجة فائقة، ومن المستبعد أن تكون الهند استثناءً على القاعدة. من المتوقع أن ينمو نظام الكهرباء المحلي سريعاً في السنوات المقبلة، وقد يرتفع الطلب الإجمالي على الطاقة بأكثر من الضعف بحلول العام 2050، بحسب المسار الذي تختاره الهند. إذا أرادت نيودلهي أن تحارب التغير المناخي، يجب أن تجد طريقة فاعلة لإحراز هذا التقدم من دون ضخ المزيد من الكربون في الغلاف الجوي. بعبارة أخرى، يجب أن تُحقق نمواً لم يبلغه أي اقتصاد كبير حتى الآن.

لحسن الحظ، تتعدد المؤشرات التي تثبت قدرة الهند على تحقيق هذه الغاية. دعمت نيودلهي الطاقة النظيفة بقوة خلال العقد الماضي، وبدأت جهودها تعطي ثمارها. كما أنها خفّضت انبعاثات الأجهزة وبدأت تطلق مشاريع دولية في مجال الطاقة النظيفة.

تستطيع الهند أن تتخذ خطوات أخرى كثيرة، لا سيما في القطاعات الصناعية المحلية. سيضطر البلد أيضاً للاندماج مع سوق الطاقة الدولي إذا أراد الالتزام بالطاقة الخضراء فعلاً. لكن إذا تمكنت نيودلهي من تحقيق النجاح، لن تكتفي حينها بتخفيض انبعاثات الكربون، بل ستصبح لاعبة عالمية في مجال الطاقة وتطلق مساراً مستداماً وقليل الكربون لتحقيق تنمية اقتصادية عالية المستوى تستطيع بقية دول الجنوب العالمي الاقتداء بها.

الجهود الجماعيّة مطلوبة

إتخذت نيودلهي مقاربة استباقية لحماية البيئة. لكنّ الحكومة المركزية ليست اللاعبة المؤثرة الوحيدة في ملف التغير المناخي في الهند. يشمل هذا البلد مجموعة من الولايات والمؤسسات العامة، وتتكل كل واحدة منها على سياساتها الخاصة في مجال الطاقة وتحمل أولويات مختلفة. ستكون هذه الأطراف مُجتمعةً بالغة الأهمية لتنفيذ العملية الانتقالية نحو الطاقة الخضراء في الهند. لكن حققت جهودها حتى الآن نتائج مختلطة.

لم يصادق المجلس التشريعي على التزامات الولايات الهندية بخطة الانبعاثات الصفرية، ما يجعلها عرضة للخطر حين تتغير الحكومات. كذلك، تفتقر ولايات كثيرة إلى الموارد المالية اللازمة للتخلي عن وقود الكربون. في الوقت نفسه، تزداد الخسائر المتراكمة في شركات توزيع الطاقة المملوكة للدولة، وترتفع ديونها للبنوك وشركات توليد الطاقة. أنقذت الحكومة المركزية شركات التوزيع مراراً، لكن ستضطر حكومات الولايات لتحمّل التكاليف بنفسها إذا استمرت الخسائر. هذه الديون المفرطة قد تمنع المستثمرين الدوليين من ضخ الأموال في شبكات الطاقة النظيفة في الهند، لأنهم لن يكسبوا العائدات التي يتوقعونها إذا لم تسدد المنشآت الهندية مستحقاتها. أصبحت الهند بأمسّ الحاجة إلى التمويل، لكنها تجذب راهناً 2.9% من استثمارات الطاقة النظيفة العالمية فقط.

نظراً إلى حجم الهند، يُفترض ألا يهتم المستثمرون وحدهم بقطاع الطاقة في البلد، بل يجب أن يحرص صانعو السياسة في كل مكان على تلبية حاجات الهند عبر هندسة أمن الطاقة في العالم وتنفيذها لاحقاً بالاتكال على وقود المستقبل. لبلوغ هذا الهدف، يجب أن تكثّف حكومات العالم حوارها مع الهند بشأن المخاوف المرتبطة بأمن الطاقة، ويُفترض أن تقيم محادثات إضافية عن هذا القطاع مع الدول النامية عموماً. لإنشاء اقتصاد عالمي نظيف، يجب أن تجد جميع الدول أفضل طريقة لتنويع تجارة الطاقة الخضراء، وتوسيع نطاقها، وتعزيز المنافسة.

تسعى الهند إلى إقامة هذا النوع من الحوار عبر منصبها المستمر كرئيسة مجموعة العشرين، حيث وضعت مسألة بناء سلاسل قوية لإمدادات الطاقة المتجددة على رأس الأولويات. شارك البلد أيضاً في إطلاق مجموعة متنوعة وجديدة من مبادرات الطاقة النظيفة. في العام 2015 مثلاً، أنشأت فرنسا والهند «التحالف الدولي للطاقة الشمسية»، وهو يشمل راهناً 115 دولة مُوقّعة لرفع الطلب على الطاقة الشمسية وتقديم سوق أكبر حجماً للمؤسسات الاستثمارية ومصمّمي المشاريع. كذلك، أسست الهند «التحالف من أجل بنية تحتية مقاوِمة للكوارث»، وهو يُركّز على تخفيض مخاطر الكوارث المرتبطة بالمناخ في شبكات الطاقة، والمطارات، ومعدات الاتصالات. سيكون الاحتماء من هذه الكوارث بالغ الأهمية بالنسبة إلى نيودلهي. تُعتبر معظم المناطق الهندية أصلاً نقاطاً ساخنة للأحوال المناخية المتطرفة، وقد بدأت وتيرة العواصف القوية، والأعاصير، والفيضانات، تتصاعد. سيحتاج البلد إذاً إلى تقييمات مفصّلة ومُركّزة ومنتظمة لحماية بنيته التحتية.

لكن تشمل أجندة الهند المناخية الدولية بنوداً أخرى. ترأس الهند، إلى جانب السويد، «مجموعة القيادة لنقل الصناعة»، وهو اتحاد مؤلف من 18 اقتصاداً كبيراً وعدد من المؤسسات التي تُركّز على إزالة الكربون من صناعات ثقيلة بحلول العام 2050. في غضون ذلك، نشأت «مبادرة الشبكات الخضراء - شمس واحدة، عالم واحد، شبكة واحدة» في تشرين الثاني 2021، بالتعاون مع المملكة المتحدة، وهي تهدف إلى ربط شبكات الطاقة في أنحاء العالم عبر خطوط نقل عالية الجهد حرصاً على تلقي البلدان طاقة نظيفة من أي مكان تشرق فيه الشمس أو تهبّ فيه الرياح. بفضل هذا المشروع، تأمل الهند في ربط شبكة الطاقة الخاصة بها بشبكات كمبوديا، ولاوس، وميانمار، وتايلاند، وفيتنام. باتجاه الغرب، تخطط الهند للتواصل مع الشرق الأوسط وصولاً إلى أفريقيا في نهاية المطاف. تسمح هذه الخطة لجميع تلك الأماكن (أي معظم الدول النامية) بإزالة الكربون وتسريع تطورها.

لكن تستطيع نيودلهي تحقيق إنجازات أخرى. نظراً إلى أهمية الهيدروجين الأخضر، يجب أن تتعاون الهند مع الولايات المتحدة لطرح قواعد ومشاريع مشتركة تناسب اقتصاد الهيدروجين الأخضر العالمي. يتعهد قانون خفض التضخم الأميركي بدفع إعانات بقيمة 3 دولارات مقابل كل كيلوغرام من الهيدروجين الأخضر، ما يؤدي إلى إضعاف أداء المنتجين قليلي الكلفة في بلدان أخرى. أثارت هذه الخطوة استياء بعض الدول، بما في ذلك الهند. من دون تنسيق هذه الجهود، يرتفع احتمال أن تنتشر السياسات الحمائية والتنظيمات المفرطة في قطاع الهيدروجين الأخضر حول العالم، فتظهر حواجز تزيد صعوبة تقييم الإنتاج. لتجنّب هذا الوضع، يجب أن تتكاتف الجهات التنظيمية، وهيئات المعايير، والصناعات، لطرح تعريف مقبول عالمياً عن معنى الهيدروجين الأخضر وطبيعة مشتقاته. كذلك، يجب أن تنسّق الدول والشركات معايير الهيدروجين الأخضر، وبروتوكولات السلامة، وأنظمة الترخيص، وتُطورها بطريقة مشتركة. حتى أن الدول تستطيع جمع مواردها لتصنيع الجيل المقبل من أجهزة التحليل الكهربائي وتقنيات الأغشية لإنتاج الهيدروجين الأخضر. يقيم الحوار الأمني الرباعي الذي يجمع أستراليا، والهند، واليابان، والولايات المتحدة، شراكة في مجال الهيدروجين النظيف، وقد تشكّل ركيزة لتكثيف التعاون بين الجهات المعنية.

الــــتــــواصــــل أســــاســــيّ

بدأت الهند تحاول تحقيق مهمة شبه مستحيلة: تسهيل وصول مئات ملايين الناس إلى مصادر الطاقة، تزامناً مع تنظيف واحد من أكبر أنظمة الطاقة في العالم، والتحول إلى قوة صناعية خضراء. لإتمام هذه المهام الثلاث، ابتكر البلد مجموعة متنوعة من برامج الإنفاق ومبادرات أخرى لتحريك النمو الاقتصادي عبر إزالة الكربون منه، ودعم تصنيع طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وإبعاد صناعات الهند عن الوقود الأحفوري. لكن سيضطر البلد أيضاً لزيادة الإنفاق ومشاريع البناء إذا أراد النجاح في هذه العملية الانتقالية.

تهتم بقية دول العالم بضمان نجاح الهند، ويُفترض أن تستثمر البلدان فيها على هذا الأساس. لكن تحتاج الهند في الوقت نفسه إلى تكثيف تواصلها مع العالم. يميل القادة السياسيون إلى دعم استقلالية بلدانهم في مجال الطاقة. لكن منذ أكثر من قرن، لم يصبح أي اقتصاد كبير مستقلاً بالكامل في هذا القطاع. تتكل جميع البلدان على دول خارجية لمساعدتها على تلبية حاجاتها إلى الطاقة. يجب أن تحرص الهند تحديداً على تجنب فخ السياسات الحمائية في مجال الطاقة الخضراء. هي لن تفوز في أي حرب تتنافس فيها الصين، أو الولايات المتحدة، أو الاتحاد الأوروبي على الإعانات الصناعية، وقد تتكبد خسائر كبرى إذا اندلع صراع تجاري على الطاقة الخضراء.

تحتاج الهند في المقابل إلى تطوير الشراكات مع بلدان أخرى وشركات دولية. ويجب أن تُحوّل نفسها أيضاً إلى لاعبة ضرورية وجديرة بالثقة في السوق العالمي المرتبط بمنتجات وخدمات الطاقة النظيفة. كذلك، يجب أن تصبح معقلاً لتطوير التقنيات النظيفة، ونشرها، وتصديرها. بعبارة أخرى، يُفترض أن تتحول إلى لاعبة مؤثرة في مجال الطاقة الخضراء، فتسهم في تصميم هندسة أمن الطاقة التي تستطيع تأمين مصادر الطاقة للناس وتضمن مستقبلاً مستداماً.