تكون معظم الأحفوريات، رغم عظمتها، أحادية اللون، ما يدفع علماء الأحفوريات إلى بذل جهود شاقة لتخمين لون الكائنات القديمة.
تحتفظ مجموعة من الأحفوريات الاستثنائية على ما يبدو بجزيئات صبغية في ريش الديناصورات وجلدها المتقشّر. لكن بما أن ملايين السنين تفصلنا عن حياة تلك الحيوانات القديمة، لا يعرف العلماء بالكامل بعد طريقة تأثير عملية التحجّر على تلك البصمات الكيماوية.
لتجاوز التخمينات المقترحة عند تخيّل ألوان الكائنات المتحجرة، أجرى باحثون من الصين وأيرلندا سلسلة من التجارب المخبرية لجمع معلومات متعلقة بأنماط الألوان المرصودة لدى معظم الحشرات المتحجرة، وتحديد خصائص النسيج الأصلي، والتأكد من طبيعة ألوانها الحقيقية.
يكتب عالِم الأحفوريات تشانغ يو وانغ وزملاؤه من جامعة «نانجينغ»: «يحمل عدد كبير من الحشرات المتحجرة أنماطاً أحادية اللون، وقد تشير إلى معلومات قيّمة عن تصرفات الحشرات القديمة ونظامها البيئي. لكن لم يتأكد العلماء بعد من قدرة تلك الأنماط على عكس الألوان الصبغية الأصلية ولم يستكشفوا آلية تشكيلها».
غالباً ما تحمل الحشرات المتحجرة بقعاً أو خطوطاً أو لطخات بنّية ومائلة إلى السواد، ويفترض الباحثون أن هذه الأنماط قد تعكس سماكة الهياكل الخارجية للحشرات ودرجة تصلّبها، أو تشير إلى محتوى الأصباغ في تلك الأنسجة.
قد لا تضاهي تلك الأنماط اللون المبهر للحشرات قزحية الألوان والمحفوظة في العنبر، لكنها قد تحتوي رغم كل شيء على أدلة مهمة حول شكل الحشرات.
إستعمل الباحثون الضوء والمجهر الإلكتروني الماسح لتصوير مستقيمات الأجنحة المتحجرة المعروفة بأنماط مبهرة وأحادية اللون على أجنحتها، وهي تشبه الجنادب المعاصرة ذات الأجنحة المخططة. لم يعثر العلماء على آثار الهيكل الخارجي للحشرة إلا في الأجنحة الداكنة.
في المرحلة اللاحقة، اختار وانغ وفريقه ثلاثة أجناس معاصرة من الخنافس ذات الأنماط البسيطة، فغلّفوا هياكلها الخارجية بورق الألمنيوم وخبزوها على حرارة تتراوح بين 200 و500 درجة مئوية لتحفيز عملية التحجّر.
حلل الباحثون العيّنات التي تستعمل المجهر الإلكتروني الماسح واكتشفوا أن البقع الداكنة المتبقية تشتق فعلياً من أجزاء صبغية في الهيكل الخارجي وهي غنية بمادة الميلانين. قاومت تلك البقع تدهور الحرارة مقابل تلاشي المناطق التي تفتقر إلى الميالين.
كان غريباً أيضاً أن تمرّ العيّنات الساخنة بمرحلة فورية من التدهور، حيث تصبح سوداء بالكامل قبل أن تكشف عن أنماطها مجدداً.
تعني هذه النتائج أن ألوان العيّنة الداكنة التي تبدو متماثلة قد تكون جزءاً من آثار التحجر بكل بساطة. لكن يستنتج الباحثون أيضاً أن الأنماط المخططة أو البقع قد تمثّل درجات الألوان الأصلية للحشرات المتحجرة.
سبق واكتشف العلماء أدلة كيماوية على وجود الميلانين في بقايا الهياكل الخارجية الداكنة التي تعود إلى حشرات متحجرة أخرى، بما في ذلك الخنفساء، والدبور، والرعاش.
لكن رغم وفرة الحشرات والسجلات الأحفورية التي تعود إلى العصر الديفوني المبكر، قبل 400 مليون سنة تقريباً، حيث بدأت أولى النباتات الوعائية تترسخ في مكانها، أغفل معظم العلماء عن ألوان الحشرات المتحجرة مقارنةً بالفقاريات.
يقول وانغ وزملاؤه إن دراستهم التجريبية تفتح مجالات جديدة لتفسير أحفوريات الحشرات بعد استكشاف طريقة حفظها.
يكتب الباحثون في تقريرهم: «تطرح بياناتنا أول أدلة تجريبية حول الأصل البيولوجي للأنماط أحادية اللون لدى الحشرات المتحجرة وطبيعة الأنماط المبنية على مادة الميلانين».
بعد المعلومات التي اكتشفها العلماء عن تفضيل عملية التطور لألوان معينة، هم يأملون في أن تسمح الدراسات المستقبلية التي تقارن أنماط الألوان منذ مليارات السنين بطرح أفكار مهمة حول التطور الوظيفي لألوان الحشرات وتصرفاتها وخصائصها الفيزيولوجية في الأنظمة البيئية القديمة.