حسن درغام

في الطريق إلى... الخراب

13 أيار 2020

02 : 00

لم يشهد لبنان في تاريخه هذا الكم من التفلت في استعمال اللغة المذهبية، وإيقاظ للنعرات الطائفية كالذي نشهده الآن.

لغة تحملها وتنشرها جيوش من الذباب الإلكتروني عبر العديد من مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي. لغة دنيئة كتلك التي نشاهدها على الشاشات لمن ألصقت بهم زوراً صفة خبراء في السياسة والاقتصاد والاعلام. ومنهم الكثيرون من وصلت بهم الشعبوية لشغل مقاعد تحت قبة البرلمان.

كل هذا يأتي في ظل تمدد لسلطة رجال الدين من دور العبادة الى رسم دوائر من الحصانة والمحرمات لمن يلجأ اليهم من شاغلي مناصب في الادارة والسياسة والمال.

لغة مذهبية ازدادت وتزداد تسعراً منذ الانتخابات النيابية الأخيرة التي خيضت وفق قانون أرادوه مدعواً استعادة حقوق الطوائف تعبيراً عن طموحاتهم بالزعامة المطلقة داخل كانتونات مغلقة تم بناؤها على خطوط التماس بين الطوائف والمذاهب والمزارع.

من أين لهم كل هذه الوصفات في الخراب؟

ومن أين لهم كل هذا الأداء في تعطيل وإفراغ عمل المؤسسات لسنوات؟

وكيف يغيب عنهم أن المسؤول عن اضاعة الفرص والتعطيل هو أكبر رؤوس الفساد؟ وكيف لهم ان يمزقوا صفحات مضيئة من تاريخنا ويزوروا تاريخاً لرجل بهامة رفيق الحريري عراب وثيقة الوفاق الوطني في الطائف، التي أخرجتنا من الاقامة طويلاً بين الحروب والهجرة والموت والسلاح.

لقد نجحوا في اعتماد أسوأ أساليب الكيدية في نسخة منقحة عن تجربة إميل لحود في الحكم، التي أتت بنظام أمني تخصص في افشال المشاريع وفي التحريض ورمي الاتهامات، التي وصلت نتائجها حدود الاغتيال لقادة ومفكرين كم يحتاجهم لبنان الآن. نعم نجحوا، في تعميم اليأس، وفي تبديد كل شيء، وإيقاف كل شيء، وإهدار كل الفرص، وتحميل الآخرين فشلهم...

لقد نجحوا في تحوير مفهوم الميثاقية في الدستور صوناً لما اعتقدوه سبيلاً لاستعادة حقوق الطوائف، حد الانقلاب على نظامنا الديموقراطي وعلى المعنى الحقيقي للحريات. ووضعوا كل ما استطاعوا من عقبات وحواجز ولاءات في عجلة قطار حكومات سعد الحريري المتعاقبة والذي حاول في كل مرة عقد تسوية للتعويض عما فات اللبنانيين من وقت ضائع، نتيجة تصلب عقول وأنانيات أدمنت إضاعة الوقت والتشكيك بكل المؤتمرات للحصول على التمويل الذي كان بإمكانه تجنيبنا ما وصلنا اليه الآن.

وها هم، بعد الثقب الكبير في فاتورة النفط والكهرباء وشيطنة الخصخصة والشرفاء من المستثمرين، يحطمون الثقة بنظامنا المصرفي، رغم ما يعتريه من شوائب واخطاء وخطايا... بتعميم ادانته وكأنه هو المسؤول وحده عن سوء تقدير السلطة لايراداتها وانفاقها، وصولاً الى عدم الالتزام بتسديد ما عليها من ديون ومتوجبات.

لقد خرج الناس في 17 تشرين الأول بوجه من تباطأ في المعالجات الضرورية لإنقاذ مدخراتهم وهبوط عملتهم ومستوى حياتهم وتعريض جنى أعمارهم لأقصى أنواع المخاطر بدءاً من هبوط قيمتها الى منع التصرف فيها لأمد غير معلوم من الآجال.

لقد اشاروا بوضوح الى من ساهم في إقفال بوابات وطنهم عن محيطه العربي وغيابنا عن الموقع الذي لطالما شغلناه والذي كان السبب الأساس لقصة نجاح الاغتراب اللبناني ولبنان.

وها هم اليوم يأتونك بورقة اقتصادية ليس فيها سطر واحد عن كيفية استعادة الناس لأموالها.

ورقة جديدة تتقدم فيها الحكومة بالاستدانة من صندوق النقد الذي كانوا يضعونه في مرتبة الاحتلال، من دون الشروع بتنفيذ اصلاحات تبدأ باستعادة الثقة وإغلاق مزاريب الهدر والفساد.

يكتب محمد الماغوط: "عندما تضع الحصان لفلاحة الارض والحمار للسباق فلن تجنِ خيراً ولن تكسب الرهان".

* عضو مكتب سياسي في "تيار المستقبل"


MISS 3